عندما رحل المفكر المصري " نصرحامد أبو زيد " عن الحياة قبل 3 أشهر كتبت موضوعا بعنوان: " أذكروا موتاكم بخير" تناولت فيه ردود فعل القراء بعد وفاته. حيث امتلأت المنتديات الإلكترونية بتعليقات تسيئ للرجل و تخرجه من الملة والدين. و قد علق أحدهم على موضوعي حينئذ بقوله: "إنه ليس من موتانا"....
المشهد ذاته يتكرر هذه الأيام بعد وفاة المفكر الكبير " محمد أركون ". حيث خرجت سيوف التكفير من أغمادها تطعن في كل الإسهامات التي أبدعها هذا المفكر المجدد. لكن ما يؤسف له حقا هذه المرة هو أن لغة التكفير و التخوين لم تقتصر على عامة الناس، بل امتدت إلى بعض الكتاب و " المثقفين " الذين اختاروا نعي الراحل بطريقة خاصة. وفي هذا الصدد قرأت في موقع " سبق" الإلكتروني السعودي مواقف بعض الكتاب السعوديين الذين كتبوا عن " محمد أركون " يقول عبد الله المالكي و هو صاحب رسالة ماجستير حول أركون "...بعد أن عشت مع أركون ليالي وأياماً مع فكره ومع المنابع والأصول والمرجعيات التي بنى من خلالها منهجيته وانطلق منها في قراءة التراث، بعد كل ذلك... لم يبق في قلبي أي تقدير ولا إعجاب ولا احترام لهذا الرجل، ولا أجد أي دافع أو مبرر يدفعني للترحم عليه، وإن كانت رحمة الله واسعة وسعت من هو أشد من أركون، أقول ذلك وأنا بكامل حريتي وإرادتي، الحرية هي التي جعلتني أترحم على محمد عابد الجابري وأتوقف عند محمد أركون..."ويعتبر الدكتور عبدالرحيم السلمي مدير مركز تأصيل الفكري بجدة أن من يترحم ويظهر تعاطفاً مع أركون فهو "إما جاهل بفكره ويحب أن يتكلم فيما لا يعلم، أو منحرف في عقيدته ودينه ولا يعرف حقيقة الإسلام".
هذه النماذج التي تجد لها موطئ قدم واسع بين الجمهور تعبر عن درجة تحجر العقول و تكلسها. هؤلاء المحسوبون على الفكر و الثقافة و الذين يفترض فيهم أن يقدموا النموذج الذي يقتدى في أخلاقيات الحوار و احترام الآخر لا يجدون حرجا في الإنضمام إلى جوقة التكفيريين و يلاحقون الرجل في قبره. بل إنهم يصادرون حتى حق الناس في التعاطف مع شخص رحل إلى دار البقاء. إنهم ينزعون آخر ذرات الإنسانية من القلوب، والمبرر هو : " ليس من موتانا ". الحد الفاصل بين أن تكون معنا أو علينا هو مدى تفانيك في التزمت و رفض كل جديد أو مخالفة للأفكار الجاهزة. محمد أركون لا يستحق في عرف هؤلاء الرحمة لأنه تجرأ على التطرق لموضوع استعصى على المسلمين على مدار التاريخ. جريمته هي أنه حاول تفكيك آليات الخطاب الديني و طالب بقراءة جديدة للموروث الإسلامي من أجل تجاوز المحددات الوسيطية التي كبلت النص و خندقته في زمان ليس هو زماننا. جريمته هي أنه دعا إلى إعادة النظر في مفهوم المقدس و عقلنة الخطاب الديني. لهذه الأسباب ظل هذا المفكر يتعرض في حياته للهجوم باستمرار. ويبدو أن معاول الهدم ما زالت تطارده في مرقده الجديد.
نم قرير العين يا أركون. و لا تبالي بهم. فقد خلفت وراءك فكرا، أما ما يقولون فلا يعدو أن يكون كلاما في الهواء.
محمد مغوتي.17/09/2010.
التعليقات (0)