الصمت المطبق المغلف بغلاف الهزيمة والانكسار ..
والصوم الشاق يشق جفاف الحلق في شمس النهار ..
والرمال الساخنة تلهب الأرض تحت أجساد الجنود النائمة ..
ووجوه المصريين مكسوة بالحزن الدفين وفي طرقات المتاهة هائمة ..
والانكسار عار نغتسل به صباح مساء .. والجرح الأليم ما يزال ينزف بالدماء ..
وجبين مصر مخضب بلون الهزيمة .. وأرض سيناء مدنسة بالأعلام الأثيمة ..
ومياه القناة ملغمة بأنابيب النابالم الحارقة .. وخط بارليف تعجز عن اقتحامه أي أحلام مارقة ..
وجيش اسرائيل الذي لا يقهر يتوعد .. وإعلام الغرب المتواطئ يتهدد .. والعالم من حولنا يشفق علينا من هول المشهد ..
وفي رمضان .. والجنود صيام ..
وفي الثانية ظهراً..
أذن مؤذن ..
أن يا جنود الله اليوم موعدنا ..
أن يا أسود الله جاءت ساعة الثأر ..
كان الآذان نفير .. كان الآذان صفير .. كان الآذان هدير ..
أسراب طائرات المصريين تخرج من عين الشمس الحمئة لتصب الحمم على المجرمين ..
هبت أجساد الجنود الذاهلة .. إنه اليوم الذي طال انتظاره . إنه اليوم الذي يغسل الجندي العربي عاره .
انطلقت الصيحة الرهيبة ..
تلكالصيحة التي سرت كارتعاشة هزت الأرض هزاً ..
لم يعرف أحد حتى الآن من أي فم انطلقت ..
ولكنها كانت كالزئير .. ما خلت من نطقها حنجرة من حناجر الجنود مسلمون ومسيحيون بلا استثناء ..
الله أكبر ..الله أكبر ..
كانت صيحة عفوية .. ثم صارت صيحة المعركة .. صيحة الانتماء .. صيحة الثأر..
واندلع البركان ..
واندفع يصب الحمم على بارليف وإسرائيل .. وأذاقها العرب كأساً ستظل مرارتها في حلقها إلى يوم الدين ..
كان العاشر من رمضان يوم الإعجاز .. كان الجنود يقاتلون وهم صائمون ..
عبروا القناة في ملحمة لا يصدقها عقل .. حملوا المدافع على ظهورهم وصعدوا بها الساتر الترابي الرهيب ..
قهروا المستحيل ..
وانفجرت ينابيع الجنون على جميع أراضي الوطن العربي .. إنه جنون التلاحم والتضامن والانتماء ..
لم يعش العرب جميعا وبلا استثناء أفضل من ذلك اليوم ..
العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 1973.. يوم النصر الأكبر ..يوم الكرامة ..
يوم روَّى الشهداء بدمائهم ثرى سيناء والجولان .. ثمناً رخيصاً للنصر ..
يوم أذل العرب رقاب إسرائيل وأمريكا وبريطانيا ومن والاهم ..
يوم سطر العرب والمسلمون ملحمة لن تمحى من جبين التاريخ .. ولن تغيب من صفحات الزمان الخوالد ..
يوم تحدثت العسكرية العالمية بالإعجاز العربي العسكري الخارق .. والفكر والتخطيط العربي غير المسبوق ..
والتكنيك الحربي المعجز .. والاستخدام البشري المبهر لأسلحة بسيطة غيرت النظريات العسكرية على مستوى العالم ..
حرب السادس أكتوبر العاشر من رمضان ..
ستظل – شاء من شاء وأبى من أبى – فخر المسلمين عامة والعرب خاصة والمصريين على وجه الخصوص ..
ستظل يوماً من أيام التاريخ الناصع .. وشاهداً على أننا أمة لم تمت ..
وعلى أننا مهما جارت علينا الحادثات .. ومهما بلغنا من الوهن والضعف ..
فإن في تراكيبنا وخواصنا مقومات التحدي ..
وإفرازات الصمود .. ومكنات إعادة بناء أنفسنا .. وحماية أوطاننا .. وعقائدنا .. وهويتنا وعروبتنا ..
إننا أمة لا تموت .. مهما كاد لنا أعادينا ..
إننا أمة لا تنمحي.. مهما جرت علينا عوادي الأعادي ..
إننا أمة لا تضيع.. مهما حاولوا طمس هويتنا.. وسحق همتنا .. ومحق عزيمتنا.. وتفتيت أراضينا .. وتشتيت شعوبنا.. وتسفيه عقائدنا.. وتشويه تاريخنا.. وتحقير أمجادنا.. وتقزيم بطولاتنا ..
فها هو يوم العاشر من رمضان يمر الآن .. يذكرنا بالنصر المجيد .. على جيش اسرائيل الذي لا يقهر ومن ورائه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرهم كثر ..
لذا .. وجب علينا أن نعرض لقبس من بطولات جنود مصر البواسل ..
وأن نعيد سرد معجزات شهداء مصر لتتعرف عليها الأجيال التي لم تعش تلك الملحمة ..
وهو ما سنخصص له مساحات قادمة إن شاء الله ..
وكل رمضان والمسلمون في خير ..
وكل عام والعرب في تواد وتراحم وتعاطف وتضامن ..
وكل عام وجنود مصر الأبطال مسلميهم ومسيحييهم في خير .. وفي نصر.. وفي ثبات.. وفي رباط إلى يوم الدين .. آمين
التعليقات (0)