مواضيع اليوم

إنهم يقرأوننا أكثر !

هشام صالح

2012-09-23 04:53:04

0

 

خريطة جديدة... وحكايات قديمة 

لقد إستفاد حكام تل أبيب وواشنطن من كتابات الأستاذ محمد حسنين هيكل بأكثر مما إستفاد منه حكام منطقتنا المنكوبة بهم ، منذ سنوات قليلة قرأت فى جريدة القدس العربى مقالة مترجمة من صفحة قراء جريدة المصرى اليوم " السكوت ممنوع " كتبها زميل يكتب مثلى بعض المشاركات فى نفس الصفحة ، ومقالته تلك علق عليها الكاتب الإسرائيلى «تسفى بارئيل» ومنشورة بصحيفة هاآرتس فتعجبت وكتبت مشاركة تحت عنوان  ( فقط.. إسرائيل تهتم بما نكتب فى «السكوت ممنوع» ) ، ومنذ أشهر قليلة قرأت للأستاذ محمد حسنين هيكل مقالة منذ أكثر من أربعين عاماً بعنوان ( خريطة جديدة ... وحكايات قديمة ) حيث شرح وشرَّح فيها وضع المنطقة العربية لدرجة أننى أشعر بأننا نفتح الطريق لواشنطن وتل أبيب وغيرهما ليبنوا خططهم المستقبلية على ما

نقوله ! .

وسوف أنقل مقتطفات طويلة ومُتقطعة تبين ما قاله الأستاذ هيكل والذى بيَّن فيها مواضع الإختلاف فى بعض دول المنطقة   

 

 

(( ولنتذكر دائماً ظاهرتين

- الأولى: إنه لا أحد فى هذه المنطقة المعقدة إلى درجة مزعجة، والغنية إلى درجة خرافية - يريد أن يتعامل مع تيار واحد، وإنما الكل يريد أن يتعامل مع كتل وشظايا يسهل تحريكها.

 - والثانية: إنه - نتيجةً لذلك - فإن الخفى أكثر من الظاهر فى سياسات العالم العربى، ولهذا فإن القرائن تكشف بأكثر مما تستطيع الأدلة. )) 

 

 

(( كانوا فى الغرب - لأسبابهم - يركزون على أسباب التناقض.

وكنا نحن هنا - لأسبابنا - نركز على أسباب الوحدة.

ومع صحة التيار التاريخى الساعى نحو الوحدة وسلامته، فلقد كان يجب أن ندرس بطريقة أعمق ظروف الواقع الذى نعيش فيه لأن ذلك وحده هو السبيل لإزاحة الصخور ورفع الألغام!

أريد أن أقول إنه فى الشرق الأوسط بالذات - وربما أكثر من أى منطقة أخرى فى العالم - يصعب جداً إزاء أى واقعة أو تطور أن نجد إجابة على سلسلة الأسئلة التقليدية المترابطة التى يبدأ بها الدرس الأول فى علوم الصحافة، وهى:

من فعل؟ ماذا؟ وأين؟ وكيف؟ ومتى؟ وما هى الدوافع والغايات؟".

والسبب أن الشرق الأوسط تكوين مركب.

... هناك قبائل ومدن، وهناك طوائف ومذاهب وهناك ملكيات وجمهوريات، وهناك حركات إصلاحية وثورات، وهناك نظم تقليدية ونظم تقدمية!

.. وهناك كنوز لم يعرف التاريخ مثيلاً لها، وهناك شركات تستغل هذه الكنوز ولها مصالحها الطائلة، وهناك قوى أكثر كبرى تتصارع بأشكال مختلفة من الوسائل تبدأ من الضغط النفسى... إلى الضغط بالتآمر... إلى الضغط بالعنف، عند حده الأقصى.

... وهناك الديانات الثلاثة ؛ وكانت المنطقة مهبطاً لها، وهناك فلسفات وأفكار بينها ما هو راسخ من قدم وبينها ما هو مندفع طارئ، وبعض ذلك تمثله أحزاب ظاهرة، وبعضه تمثله أحزاب تحت الأرض، وبعضه تمثله جيوش مسلحة.

... وهناك فى هذا الجو دور الأفراد سواء قل أو زاد مقامهم فى حكم التاريخ، والجو نفسه مهيأ لظهور دور الفرد ومضاعفة دوره... وفوق ذلك كله قامت إسرائيل.

ومثلاً، فهل يمكن فهم سياسة الملك حسين وأى مشروع يتقدم به بمعزل عن عقدة الهاشميين فى المنطقة كلها، وفى تاريخها [مُلك يعتبرونه حقاً لهم، والناس ينكرونه عليهم]..

- وبدون دراسة كاملة لسياسة الاستعمار البريطانى التقليدى فى المنطقة..

- وبغير مراعاة كافية لظروف الوضع القبلى فى الأردن؟

- وبدون تركيز كافٍ على نوعية تكوين الجيش الأردنى؟

هل هذا ممكن؟

ومثلاً، فهل يمكن فهم العراق بغير دراسة العلاقات بين السنة والشيعة والأكراد..

- وبغير رواسب العصور الفارسية، والعربية، والتركمانية، والمملوكية، والعثمانية، والبريطانية..

- وبغير أدوار القوة المتنازعة بين الأسرة الهاشمية والجيش العراقى وشركة بترول العراق والحركة الكردية وحزب البعث والحزب الشيوعى... إلى آخره؟

هل هذا ممكن؟

ومثلاً، هل يمكن فهم أى واقع سياسى فى المنطقة من اليمن إلى إسرائيل بغير عودة إلى الجذور؟

هل يمكن فهم اليمن بمعزل عن الصراع بين الزيود من سكان المناطق الجبلية وبين الشوافع من سكان السهول؟

وهل يمكن فهم إسرائيل بمعزل عن الدوافع والروافد الدينية، والعنصرية والسياسية للحركة الصهيونية الحديثة ونشأتها فى أوروبا فى القرن التاسع عشر؟

هل هذا ممكن؟

فى أى حركة وطنية، وفى أى حركة قومية هناك بالتأكيد قوى متعددة، ولكن أبرز هذه القوى فى أوروبا مثلاً هى عناصر التركيب الطبقى للمجتمع ومن ثم فإن الحركة السياسية يمكن أن تحسب لها حسابات ظاهرة أو على الأقل خاضعة لقوانين عامة يمكن فهمها.

وأما نحن هنا فى هذه المنطقة فإن الحسابات تحتاج إلى عقل إلكترونى على الأقل، وحتى به فإن الأخطاء يمكن أن تكون فادحة.

- تحت عنوان الوحدة مثلاً فهناك على الأقل ثلاثة اتجاهات: هناك من يرون أن الوحدة الوطنية لأى وطن من الأوطان فيها الكفاية، وهناك من لا يرون بديلاً للوحدة الإسلامية الشاملة، وهناك من يعتقدون أنه لا سبيل إلا الوحدة على الأساس القومى العربى.

- ومن أنواع القيادات فهناك أشكال وألوان: الزعامات السياسية، والزعامات القبلية والعشائرية والطائفية والدينية، وهناك الملوك والأمراء والشيوخ وكل هؤلاء لهم أوضاع سياسية.

- ومن المذاهب والطوائف وما شابهها، هناك ما لا حصر له: السنة، والشيعة، والزيود، والشوافع، والعلويون، والدروز، والمهدية، والختمية، وغير ذلك كثير، وكل منهم له أيضاً أوضاع سياسية.

- ومن القوميات هناك على الأقل أربع: العربية، والكردية، والبربرية، غير التسمية التى يمكن أن نستقر عليه لسكان جنوب السودان، وكلها ليست بعيدة عن السياسة.

- ومن المجتمعات البشرية فهناك قصة التطور كلها منذ البداية: القبائل، الريف، المدن التجارية، المدن الصناعية، وكلها فى صميم السياسة.

- وهناك شركات الاحتكار الكبرى وكل واحدة منها تحت علم له سياساته.

- وهناك خمس قوى عظمى على الأقل تهتم مباشرةً بالمنطقة ولها فيها إستراتيجيات تتفاوت فى مداها وفى اتساعها وهذه القوى هى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وبريطانيا وفرنسا... وأخيراً الصين.

يضاف إلى ذلك كله ما هو موجود فى بقية مجتمعات غيرنا، كالتركيب الطبقى، وألوان الأفكار الاجتماعية والسياسية، وضغوط العصر والعلم... إلى آخره.

نتيجة هذا كله تبعث على الدوار أحياناً.

والتاريخ لا ينتظر.

إن التاريخ لا يبدأ من أمس، والماضى لا ينتهى غداً.

وإنما كل شىء مستمر متداخل اليوم مثقل بالبارحة، والمستقبل يحمل عبء قرون مضت.

ولكى نعى ذلك أكثر يكفى أن نلتفت إلى التركيب الطبقى اللبنانى السياسى المعاصر وهو من أكثر الدول العربية تأثراً بالعصر.

تركيب لبنان السياسى حتى هذه اللحظة، وحتى يوم غير منظور، تركيب طائفى مطبق على أساس تعداد للسكان جرى قبل الاستقلال، وليس من حق أحد حتى أن ينادى بتعداد جديد فى لبنان وإلا يعرض وحدته الوطنية بشكلها الراهن لخطر لا يمكن التنبؤ بعواقبه!

وطبقاً للعرف وهو الآن أقوى من القانون والدستور فإن تركيب لبنان السياسى يحتم ما يلى:

رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسيحياً مارونياً.

رئيس الوزراء يجب أن يكون مسلماً سنياً.

رئيس المجلس النيابى يجب أن يكون مسلماً شيعياً.

لابد أن يكون لرئيس الوزراء نائب مسيحى أرثوذكسى.

لابد أن يكون هناك وزير درزى.

لابد أن يكون هناك وزير من الروم الكاثوليك.

فى الوزارات الموسعة لابد أن يكون هناك وزير أرمنى.

وكلاء الوزارات والمديرون العاملون والمحافظون والسفراء يجب أن يمثلوا بنسب معينة كل هذه الطوائف.

تركيبة لبنان السياسية لا تقف عند حد التقسيم الطائفى لمقاعد السلطة ولكنها تمتد إلى ما هو أبعد وأعمق مما ليس مجاله الآن.

ما أريد أن أقوله هو أن التيار التاريخى الساعى نحو الوحدة صحيح وسليم...

ولكنه من الخطأ أن نتصور أن ذلك التيار متدفقاً... مندفعاً من منبع إلى مصب فى خط مستقيم لا صخور تعترض... ولا شلالات تهوى... ولا ألغام تعوم!

... الواقع يقول: إن هناك كتلاً وشظايا.

... وهذه الكتل والشظايا لها قوة تأثير، كل منها بسبب وكل منها فى اتجاه.

ولأن هذه الكتل والشظايا لها قوة تأثير فإن هناك اتصالات تسعى إليها.

ولأن هذه القوى ليس لها تمثيل شرعى أو رسمى يعبر عنها مستقلة فإن الاتصالات تجرى معها فى الخفاء.

ومن هذه الأوضاع فإن الأدوار الخفية فى سياسات الشرق الأوسط أكثر من السياسات الظاهرة... أى أن دور رجال المخابرات أهم من دور رجال السفارات الذين يمشون فى الشوارع وأعلام بلادهم ترفرف على أجنحة سياراتهم.

هكذا صعوبة أن يجد أحد فى الشرق الأوسط رداً سريعاً أو بسيطاً على سؤال:

من فعل؟ ماذا؟ وأين؟ وكيف؟ ومتى؟ وما هى الدوافع والغايات؟".

وربما كانت هناك مشكلة مصر ودورها فى الشرق الأوسط أنها ليست مجرد مجتمع أكبر حجماً وأكثر تقدماً فحسب، ولكنها فوق ذلك مجتمع متجانس ومتماسك.

ولذلك فإنها الأقدر على إيجاد صيغة مقبولة تستطيع أن تشد التيار الرئيسى فى الحركة العربية العامة.

ويتجلى ذلك أكثر ما يتجلى فى مصر حين تعى مصر دورها العربى ومسئوليتها العربية.

وربما كانت الميزة الرئيسية أنها قدمت لهذا الوضع كله قاسماً مشتركاً يقوم على فكرة الوحدة العربية على أساس الاستقلال الوطنى والقومى ويسير على الاتجاه التقدمى العصرى".

كان ذلك دور مصر وعمقته الناصرية.

ولكنه كان أيضاً مصدر خطر على مصر، وسبباً لكل الهجمات التى تعرضت لها الناصرية.

ذلك أن الكل كان يفضل أن يتعامل مع كتل وشظايا.

وذلك أن الكل كان يخشى أن يتعامل مع تيار واحد عثر على القاسم المشترك بينه ولو كان عند الحد الأدنى ))

 

هكذا شرَّح الأستاذ هيكل وضع بعض دولنا العربية فى وقت كانت الديمقراطية هو كلمة الحل لتلك المشكلات ، قبل أن يستغل الغرب نقاط ضعفنا وينفذ مخططاته ! .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !