إنهم يستحقون.. ويستحقون
عمر عبد الرحمن نمر
العلاقات العامة- تربية قباطية
سألت نفسي: ماذا سنفعل لاستقبالهم؟.. سمعت نجواي عصفورة على غصن رمانتنا.. وَشدتْ: في غمرة الفرح تتهادى الزغاريد، تبتسم للنجوم.. لتنزل من زرقة السماء إلى شاطئ البحر تتملى زرقته.. أحضان راسية.. تتحرق من الشوق.. ودموع تهطل في بحر الحنين، فتزيده حرقة ولمعاناً.. وترسم في أمواجه خطوط الحياة، وتكتب ستبقى.. ستبقى أيها البحر..
إنهم على موعد؛
لم تنطفئ ذبالة السراج.. فيه من الزيت ما يكفيه.. ويهديه حجر البدّ الكنعاني.. مهر التلة الفلسطينية.. تبراً أصفر.. سيّجوا الوطن بأرواحهم.. ولوّنوا السياج بأطياف وعيهم.. وفكرهم.. وصالوا.. صالوا وجالوا.. وجالوا.. في رحلة سندبادية.. بحثت في طقوس الفهم التحرري.. والانعتاق.. وجابت الأقاصي تحمل صينية فرح لكل أطفال العالم..
إنهم على موعد؛
مع الندى يوشوش للوردة بسر الوجود، ومع زهو القائد المترع انتصارات، في معركة خططت لها.. وأعدت برنامجها جاهلية استعمارية تنشب أظفار ساديتها، في اللحم الفلسطيني.. وتقهقه على زفرات آلام الفلسطيني..
إنهم على موعد؛
هل يكفي أن نصافحهم، نعانقهم، نقبِّل الأرض تحت أقدامهم، نحتضنهم.. ونقول لهم: لقد رسمتم البسمة على شفاهنا؟؟.. سألت العصفورة.. وسألت نفسي..
هل يكفي أن نرصف الشوارع قطعاً من الحلوى، ونغرق الحارات أنواعاً من العصائر، ونزين سماءنا ألوانا من دوي المفرقعات المضيئة؟؟.. هل يكفي هذا؟؟..
ديننا كبير.. كبير.. وربما نعجز عن الوفاء بسداده.. كيف لا؟؟.. ونحن نتخيل صبية جميلة، تحمل على يديها طفلاً.. وتحمل في بطنها آخر، وتحمل زغرودة شعبية حلوة في شفاهها.. وشريط الزمن يمر أمام عيونها الربيعيّة، وهي تتلمس شعرات والدها.. الذي أنشد للتو لحن أغنية رعوية.. مطلعها:
يا حلالي يا مالي.. يا حلالي يا مالي..
ولازمتها: يا حلالي.. يا مالي..
فلسطين.. إلي..
غنّوا معي يا رجالي..
وقف الشريط في محطة ولادتها.. كانت هناك.. وكان هناك يزرع أشتال الأمل في بريّة الأمل.. وقف الشريط في محطة طفولتها.. كانت شبرتها الحمراء على شعرها الغجريّ المجنون.. تتنفس مع الصبح.. وكان هناك.. يرتب سرب طيور تغني في غابته..
وتكبر هناك.. ويكبر هناك.. وتتزوج فلسطينياً، لتنجب فلسطينياّ.. وتتوالى الليالي... ويكبر هناك يعانق كل ليلة حلماً.. وطيف جنيّة بحريّة تنتظره تحت شجرة على الشط الرمليّ.. ويزهر اللقاء أحلاماً.. وتاريخاً.. ومجداً..
ويولد الفلسطيني.. يولد كي يكبر.. يولد على بوّابة حاجز تمترس جلّادوه.. أو على بوّابة سجن.. كي يراه السجّان، وتقبّله الزنزانة.. أو يولد وعلى رقبته حبل الجلّاد.. ويكبر.. ويفتت حبل الموت.. ويسابق الريح في نهب الحياة..
أبتِ.. قالت العصفورة.. إني أراك نسمةً شعريةً تضيء نص القصيدة.. أبتِ.. ما الذي سأفعله من أجلك.. كي أوثق ملحمة؟؟.. كيف أبيّض الليالي السود.. وأجنب الغربان السود..سور الحديقة، كيف... وكيف؟؟
علّمنا يا صانع الحرية:
علّمنا أن بلابل الأمم تشدو بلغة واحدة، وتغني المجد بلحن واحد.. وتلتقي على قمة سكنها حامل رسالة..
علّمنا أن الأرض تفرح لفارسها.. وتهزج لعاشقها،
علّمنا أن الإنسان قضيّة، وأن الحرمان مجون في الكهوف العتيقة..
كيف نحتفي بك يا معلّمنا؟..
كيف تتسع خيمة المعزّب، لجود صحراوي.. يحمل هدايا العروبة والسؤددا.. وينادي الأضياف، هل تليق بك خيمنا؟؟ مطالع قصائدنا.. شهيتنا للإفطار.. في يوم شتائي حابس.. يترجم برده سنابل رحمة بالعباد..
أنت أكبر منّا جميعا..
أكبر من ألفاظنا.. وتحدياتنا.. وفكرنا.. وكل مكنونات وعينا.. أكبر من باقات زهور.. زيّنتها زخرفة طفوليّة.. هل يكفي هذا؟؟..
الزوجة الصابرة؛ التحفت عنفواناً... وبكت عنفواناً... وهي تعد... وتستعد للقاء.
الأم الصابرة؛ خبّأت في "بكجتها" صوراً لك.. وصوراً لها.. ورؤىً.. واستعدت للقاء.. ولكنها.. في اللحظة الأخيرة.. أودعتك قبلاتها وغابت في البحر مع الشمس..
وأنت.. أنت.. تتأمل الماضي: وتغني:
يما يا حنوني عبّيلي الجرّة.. عبّيلي الجرة..
والد ريب بعيدي واعطش بالصحرا.. واعطش بالصحرا..
الأخت الصابرة؛ انتظرتك عيد الفطر، وعيد الأضحى، وكل الرمضانات، ويوم تزوج ابنها، وتخرجت ابنتها، وخبأت قميصك الأبيض.. تشتمه كل صباح.. وخبّأت ياقة عنقك في درج ذهباتها... وأغلقته، واحتفظت بالمفتاح، واستعدت للقائك...
الخطيبة المجنونة... طوت السنين... وهي تلمّع ذبلتها الفضية... وتسجل على وثيقة الوجد قائمة... لا تخطر إلا على بالها... وتستعد... تستعد للقائك.
سنعدّد على خيلنا، ونسرج ظهورها، ونرفع الأعلام والبيارق والرايات، ونعطر القمر الليلي في آهاتنا... ونخرج فرادى وزرافات... أطفالاً وشيوخاً... نساءً ورجالاً... ركباناً وعلى كل ضامر... سنخرج... استعداداً للقائك.
نرقبك... نعد خطواتك... تأتي مع غيمات العصر... تداعب الشمس... وترسل الأشعة الحبلى بالحب... في الفضاء.
ونستقبلك... في آفاق عشق زهرة برية... نمت بين الصخور، لأنها تؤمن بأن الحياة محبة...
جموع أتت من كل فجّ لمبايعتك، لقراءة سطور على جبينك... حاول القيد أن يمحوها... ولكنها تمردت عليه...
جموع... تطالع صفحات تجربة... لتجعل منها أنموذجاً... وتجعل من الأنموذج ديدن حياة.
التعليقات (0)