إنهم يربحون الوطن..!
26 سبتمبر (165) 28/11/1985م
على امتداد خارطة اليمن الطبيعي ومن بين مجمل التضاريس القاسية في اليمن الحبيب توجد ومضات مضيئة وذكريات خالدة وأحداث ترايخية تلتقي عندها وشائج الحلم الواحد ومداخلات الحنين الذي لا ينفك يلازم الشعب توقاً ليوم الفصل يوم تقرع أجراس الثورتين 26 سبتمبر و14 أكتوبر في كلا الشطرين.
بناء يوم الوحدة والحديث عن هذه الومضات التاريخية التي أسلفنا يستلزم من الذاكرة اليمانية العودة قليلاً إلى الماضي حيث تستقر في الذهن حقيقة مؤكدة لا مجال لنفيها ولا صعوبة في إثباتها عن أن الجماهير اليمنية لم تنقطع عن بعضها ولم تستلم لعوامل الانفصال ومؤثرات القطيعة التي فرضتها فيما قبل لنقمة ألأعداء وحقد الخصوم.
ولقد تجسدت تحديات الجماهير كما تجسد إصرارها على التوحد في كل منعطف وعند كل بادرة شجاعة ومع كل بارقة أمل.. فالثورة السبتمبرية مثلاً لم تكن تعني الجماهير في الشمال فقط بقدر ما مثلت هماً وطنياً مشتركاً أسهمت في بلورته وتحقيقه وتجسيده كل جماهير اليمن في شمال الوطن وجنوبه.. وكذلك الحال بالنسبة لثورة 14 أكتوبر الرديف الثوري الأصيل للثورة السبتمبرية إذ وقف اليمنيون دون اعتبار لشمال فيهم أو جنوب وقفة الرجل الواحد في سبيل الانتصار للوطن الذي أطمعت خيراته وطبيعته الساحرة وموقعه الجغرافي الهام نفوس الغزاة فخالوه ضالة تقع في أيديهم فيحكمون قبضتهم عليها دون أن يضع الغزو في حساباته قدرة الجماهير اليمنية على تخليص الوطن من مخالبه.
إننا مع مرور كل ذكرى وطنية عزيزة في شمال الوطن وجنوبه مدعوون إلى تكريس القيم الوحدوية التي بصددها يمتزج الدم الواحد بعضه بالبعض الآخر.. مدعوون في كل ذكرى ثورية تمر أو ثانية تأت إلى الإيغال فيما وراء الحدث وليس مجرد الترحم على الشهداء والإشادة بأدوارهم النضالية الخالدة.. لأن خير ما تقدمه للشهداء وفاؤنا للوطن وانتهاج نفس المسار الخالد المذي مروا منه تباعا وخاضوا إبانه معاركهم البطولية وقدموا فيه أرواحهم بهدف زعزعة الاستعمار بشكليه الداخلي والخارجي الدخيل.
إن الشعب اليمني يفخر دائماً بتلك الروابط والصلات التي تجمع بين مجمل حركاته الوطنية ومواقفه التاريخية.
إن الروابط التاريخيه والنضالية القائمة بين ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر هي ذات الصلات الخالدة التي استوفت شروطها الثورية في سجل الأحداث العملاقة.
وهنا يكون التأكيد حاراً ودقيقاً ولازماً على أن مشاعر الجماهير اليمنية في الوطن ليمني تمحورت حول إن كل حركة وطنية في الشمال ضد الإمامة هي انتصار حقيقي للمناضلين في الجنوب كما أن أي انتفاضة ضد المستعمر في الجنوب هي انتصار حقيقي للوطن اليمني الكبير فالقواسم المشتركة التي نجدها على نطاق العادات و التقاليد ونوعية الموروث الحضاري وأبعاد المستقبل بين الشمال والجنوب هي ذات الأبعاد والقواسم المشتركة في مداخل التغيير المتكامل والثورة الوطنية الشاملة.
لثورة الـ 14 أكتوبر وعندما نتأمل في الموقف البطولي الشجاع ونستقرأ في دلالات الحدث العملاق المتمثل بالثلاثين من نوفمبر في جنوب الوطن فإننا سندرك أي تلاحم وتظافر يربط بين الـ 30 من نوفمبر وثورة 26 سبتمبر..
لأن الفارق الزمني بين 30 نوفمبر عيد الاستقلال في الجنوب وقيام الثورة في الشمال هذا الفارق من شأنه أن يعزز وجهة النظر التاريخية عن أن الأقدار تتوقف على البداية.
ولقد كتبت الجماهير اليمنية أقدارها في زمن الاستحالة والعقم وفرضت على الاستبداد في الشمال والاستعمار في الجنوب أن يحملا عصاتهما على كاهليهما ويرحلا.
والثورة في مفهوم الجماهير اليمنية شمالاً أم جنوباً ما هي إلا تحقيق سعادة الإنسان في وطنه وتحرره من القيود وقدرته على التعبير عن أرائه ومقترحاته في معزل عن القهر والكبت والإملاء.
إن الـ 30 من نوفمبر تعتبر بكل المقاييس ثورة شعب جدير بالنضال الدائم والتضحية المستمرة.
ولقد كان الشعب اليمني وهو يثور أو يعتزم الثورة لا يخيفه أن يكون الثمن فادحاً في سبيل تحقيق أهداف ثورية سامية ومبادئ وطنية وإنسانية جليلة.
والـ 30 من نوفمبر تعتبر من حيث المدلول والهدف والغاية أقوى الأدلة التي تعني وجود حقيقة مطلقة بأن اليمنيين يخسرون الكثير ويربحون الوطن.
وكل شيء ينصهر تاريخياً في بوتقة الوحدة اليمنية المنشودة التي تمتلك من خلال الجماهير وعبر مدارب الحركات الثورية كل مقومات التجسد العلمي، الذي لا بد أن يكون حدثاً بارزاً في صدارة الأحداث التي تلوح في الأفق القريب والقريب جداً.
التعليقات (0)