مواضيع اليوم

إنهم يجلدون الصحافيات

 إنهم يجـلـدون الصحافيات


في السودان ولاسيما في العاصمة القومية كل شي يبدو متناقضا وغريبا وغير منطقي ‏‏..... في التلفزيون والشاشات الفضائية الحكومية والخاصة على حد سواء يجري بث ‏الرقص النسائي على قفا من يشيل وعلى عينك يا تاجر. وكذلك في حفلات الزواج التي ‏يختلط فيها الشباب من الفتيان والفتيات حيث يظل لميكانيزم الإبراز والإفصاح والتلويح ‏بالمؤخرات القدح المعلى في التعبير الحركي المصاحب للإيقاع (إيقاع الريقي ) وذلك ‏على خلاف أسلوب الرقص العربي أو الشرقي السائد الذي يعتمد بشكل أساسي على هز ‏البطن وترقيص الوسط رغم أنه وفي السودان لا يفتقر الموروث لرقص شرقي جرى ‏إستيراده واقتباسه خلال العشر سنوات الأخيرة وكنتاج طبيعي لاتفاقية (الحريات ‏الأربعة) من الشقيقة مصر ضمن ما بات شائعا الآن في طرقات وشوارع الخرطوم من ‏تواجد مكثف لمحلات ومطاعم ومقاهي مصرية تقدم عصير القصب والشيشة والكشري ‏أبو دقة والفول والطعمية والكباب والكفتة والممبار والنيفة وهلم جرا ..

 

(بنات الأثرياء بعيدات عن أيدي النظام العام ..... الصيف حار وفانيلة حمالات تكفي .... والبوي فريند والشلة عايزين كده ..... منتهى الشفافية والحرية ما دمت ثريا أو قريبا من السلطة.... إذا تعرت الثرية تركوها وإذا تعرت الفقيرة أقاموا عليها الحد)

حتى الفتيات في العاصمة بتن يجلسن في المقاهي ويطلبن الشاي والسحلب والحلبة والقهوة برفقة ‏الشيشة والنارجيلة .. وكل ذلك يتم تحت سمع وبصر مجندي وأفراد ومخبري شرطة ‏النظام العام التي عادة ما تغض الطرف وتتجمل بالذوق العام إذا ما كان الكفيل الإسمي ‏أو الشريك النائم للمحل أحد منتسبيها أو يتمتع بمركز حزبي مرموق في النظام ‏السوداني الحاكم.‏

  

( على ظهور وأرداف أمثال هؤلاء من البؤساء يجري تطبيق حدود الجلد  الشرعية  وفرض قوانين النظام العام بحذافيرها )

وخارج إطار هذه (المجموعة الشمسية الحزبية والمؤسساتية) وعلى تراب دروب ‏التبانة الشعبية بأزقتها الضيقة وطرقاتها المظلمة الموحلة المتسخة يتم تطبيق قوانين ‏النظام العام بحذافيرها على عامة الشعب من الفقراء والعامة والبؤساء اللذين جعلهم ‏الله في غمرة من يولدون ويعيشون سنوات هذا العهد النفاقي العجيب الذي يتوارى ‏أمامه منافقي المدينة المنورة ويهود بني قريظة وخيبر خجلا وحياء.‏
ووفقا لهذه السياسة .. وخجلا من اتهام النساء بخدش الحياء العام الذي لا يتمتع بحقه ‏سوى الذكور من الرجال فقد ابتدع معجم الأخوان المتأسلمين مصطلحا جديدا يخص ‏المرأة وحدها فخرج علينا ما اسموه "مضايقة الشعور العام" ... ولا ندري من أين ‏جاء هؤلاء بهذا الشعور العام ؟

( إنهم يجلدون الغـزال )


كان ولا يزال يتم جلد الفتيات والنساء وحتى القاصرات من 10 جلدات وحتى 40 جلدة ‏بتهمة ارتداء أزياء تضايق الشعور العام .... وليتهم أسمو عجل السامري بمسماه ‏الحقيقي فقالوا "ارتداء ملابس فاحشة" .... ولكنهم بالطبع ليسو بأغبياء إلى هذا الحد ‏لأن معظم فتيات ونساء وقاصرات الطرف من قبيلة الحزب الحاكم ومليارديرات النظام ‏يرتدين في مناسبات اجتماعية وغير اجتماعية عدة داخل وخارج السودان ملابس من ‏بينها الجينز الضيق والبلوزة الساخنة والبرمودا والشورت ... ولكنهن لأنهن من قبيلة ‏الحكام ونات الأثرياء فإن هذه الملابس الفاحشة "لا تضايق الشعور العام" وبالتالي ‏يمكن لأرتال وجيوش المحامين الموكلون الدفاع عنها وشطب الدعاوى بشأنها فورا وبكل سهولة تحت بند (عدم ‏الاختصاص) متى ما تقدم أحد العامة وبحسن نية ببلاغ . أو جاء مخبر مستجد غشيم بإخبارية ‏عاجلة عبر الهاتف الجوال إلى قيادة القطاع المختصة في شرطة النظام العام.‏
ثم انه وباطلاق هذا المصطلح كقرينة تثبت الواقعة يمنح منسوبي هذه الشرطة سلطة ‏تقديرية ذاتية فضفاضة في التفسير وبالتالي تحديد من هي تلك التي تضايق الشعور ‏العام من عدمه إذ أن هذا الشعور (بالضيق) سيكون شعور الشرطي وجده وعليه فمن ‏حقه المطلق وفقا لهذا السياق أن يتضايق أو لا يتضايق كيف ومتى شاء وبحسب ‏الأحوال.‏
‏...................‏

(لبنى الحسين تتحدث لأجهزة الإعلام بكل شجاعة غير عابئة بسياط الجلاد وحسابه العسير)
 

إذن كان كل شيء يمضي الهوينى لا يشعر بهم أحد أو يلتفت إليه ويهتم كثيرا. إلى أن ‏وقعت الطوبة في المعطوبة على ما يقولون فتم القبض على عدد 12 فتاة أو إمرأة ‏‏(بينهن كاتبة صحفية شهيرة) متلبسات بإرتداء أزياء تضايق الشعور العام داخل قاعة ‏عامة تشهد احتفالية اجتماعية عادية ...

(الأستاذة لبنى الحسين ترتدي نفس الزي الذي تم القبض عليها وهي ترتديه في تلك الليلة )


جرى سحب هؤلاء بسرعة تحت سمع وبصر الحضور من الرواد أو الحفل الكريم ‏وتمت لهن محاكمات سريعة أسفرت عن جلد عشر منهن كل واحدة عشر جلدات تامات ‏غير منقوصات وفقا لشريعة الأخوان المتأسلمين في حزب المؤتمر الحاكم وحيث لاشك ‏أن هؤلاء قد استندوا في عقوباتهم تلك على فتاوى محلية الإبتكار والتوليف صنعت ‏خصيصا للسودان من جانب نفس هيئة الفتاوى التي أمرت من قبل بختان الأنثى عبر ‏إجتثاث بظرها عقابا لها على ما خلقه الله فيها من شهوة طبيعية وحتى تكون عبرة لمن ‏تعتبر أو تبادر فتصرح بالملذة وتبدي الشبق لزوجها فيكون ذلك مدعاة "لمضايقة ‏شعوره العام". .. لاسيما وأنه ليس من المضمون أن يكون الزوج الذي يتم "مضايقة ‏شعوره العام"... ليس من المضمون أن يكون دائما على جهوزية ولياقة بدنية تمكنه ‏من تلبية شبق نسائه المثنى والثلاث والرباع.‏
تم جلد العشرة من أولئك إذن دون اثنتين كانت إحداهما أو إحداهن الكاتبة الصحفية ‏الشهيرة المشار إليها وإسمها (لبنى الحسين) والتي تقرر محاكمتها تحت طائلة المادة ‏‏152 من القانون الجنائي لسنة 1991م (قانون وضعه الأخوان بالطبع) والعقوبة ‏المنصوص عليها حسب هذه المادة تبلغ أربعين جلدة .. أو بما نسبته أربعة أضعاف ‏غيرها من صويحبات العشر جلدات ...‏
لاشك أن الزميلة لبنى الحسين (وهي يسارية) تكتب في صحيفة الصحافة تحت عنوان ‏ثابت هو (كلام رجال) .. لاشك أنها والصحيفة من المغضوب عليهن والضالين في نظر ‏الأخوان فكتاباتها لا ترضي النظام الحاكم و"تضايق شعوره العام" وبالتالي فلا مناص ‏من ضربها في مقتل .. ومقتل الفتاة السودانية لاسيما بنت البلد العربية هو بث أو ‏الإيحاء بما يمس شرفها وأخلاقها المتعلقة بممارسة الجنس وليس الشرف والأخلاق المتعلقة ‏بالصدق والأمانة وعدم سرقة المال العام وظلم الغير والحط من قدرهم وتعذيبهم ‏وتزوير الانتخابات .. وهلم جرا مما لايعد ويحصى من ممارسات باتت في زمان (التأسلم ‏السياسي) الحالي بعيدة كل البعد عن منزلق أو مرمى الالتزام بالأخلاق والدين الحنيف.‏

 


كان تنفيذ مخطط القبض على لبنى إذن ليس سوى بروفة ومن واقع المثل القائل أضرب ‏المربوط يخاف السائب ... وحتى تصبح عبرة لغيرها من صحفيات مشاغبات . ولكن ‏الذي لم يضعه المخططون في حساباتهم هو أنهم يمارسون بروفتهم هذه مع صاحبة ‏موهبة صحفية وخبرة إعلامية تجعلها قادرة على إثارة الزوابع وتهييج البراكين ‏والعواطف والتأثير على اتجاهات الرأي العام بما لديه من قدرات في هذا المجال ‏الدعائي والإعلاني والإعلامي على حد سواء . فكان أن سارعت الزميلة لبنى إلى ‏ممارسة مهنتها ليس للدفاع عن غيرها من الغلابة والمطحونين والمظلومين من عامة ‏الشعب هذه المرة ولكن للدفاع عن نفسها فحرصت على فضح النظام السياسي الحاكم ‏برمته وتعليق عوراته على حبال المشانق من خلال شرطة النظام العام وعرفت من ‏تخاطب حول العالم من صحافة وفضائيات وإنترنت ولم تنسى بالطبع أن ترتدي ذات ‏الملابس التي كانت ترتديها ساعة القبض عليها بتهمة (مضايقة الشعور العام) والتي ‏كما بدت لكل أنظار العالم لم تكن غير محتشمة أو ملتصقة بجسدها وتبرز أكثر مما ‏تخفي كما يقال .

 

(كان الله في عونك أيها الطاهرة النقية ... كلمة الحق غالية الثمن)

وفي داخل السودان فإن جميع زملاء لبنى ومعارفها وجيرانها يعرفون ‏أخلاقها تمام المعرفة ومدى جديتها وإلتزامها ووعيها وعدم خرقها لعادات وموروثات ‏وتقاليد مجتمعها مثلها مثل غيرها من عامة فتيات السودان اللائي بالإضافة إلى طبيعة ‏التربية الأسرية الرصينة فإنهن يضعن في حساباتهن مسألة الحياة الزوجية التقليدية ‏وعلى سنة الله ورسوله كخيار مستقبلي أوحد دون غيره من أشكال حياة مع شريك ‏عمر ذكر.

(الرئيس الفرنسي سيركوزي .. غضبانَ أسِفـَـا )
 

وحسب ما ذكرنا من أن (لبنى) ليست أنثى مظلومة مفترى عليها عادية فقد استطاعت ‏بذكائها المهني وموهبتها الفردية الخلاقة من إيصال رسالتها إلى مستوى رؤساء ‏بعض الدول الكبرى فتناول قضيتها الرئيس الفرنسي سيركوزي ومنظمات حقوقية ‏إنسانية عدة وازدحمنت المدونات والمنتديات بمقالات مناصرة لها ، الأمر الذي لاشك ‏أنه سيزيد من وطأة الضغوط التي تتعرض لها جكومة البشير ونظامه الحاكم سواء في ‏الداخل أو الخارج وحيث لم يعد الداخل وحده هو مصدر الثورة والتغيير كما كان سائدا ‏قبل تفشي ظاهرة المعلوماتية والشفافية التي فرضتها الفضائيات التلفزيونية الحرة ‏والخاصة والإنترنت بطبيعة الحال.‏
فهل يظل النظام السياسي الحاكم قابع هكذا بلا حراك وهو يتلقى الضربات المعنوية تارة ‏تلو أخرى ؟؟ أم يدرك أن معظم النار من مستصغر الشرر وأن تدهور الدولة العباسية ‏ثم زوالها على سبيل المثال لم يوقفه مقولة هارون الرشيد من قبل لسحابة مرت : ‏أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك؟
لا مناص من سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ويبدو أن هذا هو قدر وجدلية الأنظمة ‏الحاكمة الشمولية في دول العالم المتخلفة كالسودان وغيرها حيث أنها عند تقديرها ‏لنفسها سنوات عمرها الافتراضي في كراسي الحكم لاتنفك مقتنعة بأن لا خالع لها من ‏جذورها سوى رياح عاتية كريح عاد وثمود.

 

 مصعب الهلالي

19يوليو 09‏
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات