صحافة وإذاعة وتلفزيون وأنترنت ، جلسات الأحبة والأصدقاء فى البيوت وعلى المقاهى والنوادى ، كلها تنصب على موضوعين لا ثالث لهما : الموضوع العراقى والموضوع الفلسطينى .
عندما ترى كل وسائل الإعلام تفرد صفحاتها وأعمدتها لنشر الأخبار العراقية والفلسطينية ، يخيل لك أن الفرد العربى لا توجد له هموم أو قضايا داخلية وطنية تخص بلده وأن أهتمامه بشئون البلاد الأخرى يفوق أهتمامه ببلاده ، ويخيل إليك أن الزمن توقف عند العراق وفلسطين ، وتناسى أبناء البلد قضاياهم المصيرية اليومية من مشاكل فقر ونقص فرص العمل والفساد والمحسوبيات والمعاناة فى تجاهل حقوق الإنسان والحيوان وغيرها كثير مما يتألم لها الإنسان ، لكن طبيعته الفطرية تجعله يتناسى كل هذا ويفتح أذانه على مصراعيها لأخبار العراق وفلسطين وينطلق لسانه فى الحديث وكأنه صاحب المفهومية والمعقولية الأوحد !
يعيش الإنسان العربى على أشواق البطولات لحروب أقل ما توصف بأنها حروب غبية ضحيتها الوحيد هو الإنسان الذى يرمى بنفسه فى لهيبها دفاعاً عن قومية أو أشتراكية أو عروبية أو ثورية أو دينية أو حفنة تراب أرضية ، إنها الفطرة التى تدفعه للأعتقاد المطلق بأنها الضمان الأكيد للمجتمعات العربية التى تستلهم أمجاد التاريخ بأعتبارها العلم المستقبلى الجديد .
ضاعت قيمة الحياة الإنسانية فى أسواق التجارة السياسية بكل أبعادها التى تستغل حمقى البشر لتحريضهم للدفاع عن شعارات هزيلة يجد فيها هؤلاء الحمقى تحقيق رغباتهم الدفينة اللاشعورية فى قتل وسحل وطرد والسيطرة على الآخر أياً كان شكله أو وطنه ، إنه الأنقياد الأعمى وراء أفكار بعض البشر الذين يصنعون لأنفسهم ولأتباعهم أيديولوجية تقودهم فى النهاية إلى الأصطدام مع النظام الداخلى أو الخارجى وتدخل فى صراعات لا نهاية لها ، هذا التقليد أو الأنقياد هو صفة من صفات الفطرة العربية التى لا مكان معها للعقل .
المتغيرات العالمية كثيرة فى أيامنا هذه ، فى كل لحظة أختراعات جديدة تحل محل الأختراعات السابقة والجميع فى سباق حتى يضعوا أقدامهم على بداية هذا الطريق ، أما العرب فلا يعنيهم كثيراً عصر المعلومات بقدر ما يعنيهم فتح حوارات ومناقشات للحديث عن الفطرة تلك الكلمة المقدسة التى ستظل تشكل وجدان الإنسان العربى بما تحمله للعرب من معانى ومفاهيم لم يكتشفها العلم بعد .
الإنسان العربى يهتم بثورة المعلومات لينقل إليها تراثه الفطرى الذى عجز العالم عن الإتيان بمثله ، أصبح العربى يلهث وراء تكنولوجيا المعلومات ليستخدمها كوسيلة لنشر بيانات المقاومة أو الإرهاب أو الدفاع عن حقوق أو قضايا مشروعة أو غير مشروعة ، أى مجرد مستخدم ومستهلك لثورة المعلومات يحقق بها أحلامه الوردية الفطرية التى داعبت خياله .
الوعى الإنسانى العربى أنحصر فى كيان الفطرة وفقد وعيه الحقيقى باللحظة الزمانية التى يعيشها ويتقاسمها معه ملايين من البشر ، العربى توقف زمانه لصالح الفطرة ومستجداتها وتطوراتها التاريخية أم بقية شعوب الأرض تكرس كل طاقاتها للدخول فى عالم التقدم والأبتكار العلمى ، العربى يشطح خياله إلى عوالم الفطرة المجهولة أما بقية شعوب الأرض الواعية فإنها تشطح بخيالها إلى فضائيات جديدة خارج نطاق الأرض .
الفطرة تجعل البعض يحلم بأنه فى إمكان العرب فى غضون عشرين سنة مثلاً أن يصبحوا فى مكانة حضارية تجعل دول العالم تأخذ عنهم علومهم وفنونهم وأبتكاراتهم التكنولوجية ويشترون منهم السفن الفضائية عابرة المجرات مثلما يشترون الآن البترول العربى وووو والفطرة بحرها طويل يحتاج العرب إلى فك ألغازها ليصبحوا على قمة العالم ، وهم لن يحتاجوا لفك ألغاز الفطرة إلى عالم غلبان مثل المرحوم شامبليون الذى فك رموز قطعة حجر عليه شوية كلام تافه ، بل سيستعين العرب بطاقاتهم ومواردهم الذاتية وسيبحثون عن أحد علمائهم بين أهل الكهف ليحقق لهم الإعجاز العلمى وينقلهم إلى سيادة العالم لتصبح أمريكا فى خبر كان .. وكله مع الصبر !
2004 / 8 / 1
التعليقات (0)