"معاذ" حبيبي ..هيا .. تناول إفطارك .. تأخرت على المدرسة
ارتدى "معاذ" حذاءه .. أسرعت أمه إلى شقيقه "براء" " لتساعده في إرتداء الحذاء ..
ترك "براء" إفطاره على المنضدة وهرول خلف "معاذ " نحو السيارة التي أطلقت بوقها تحثهما على النزول
فتح لهما السائق باب السيارة الخلفي .. وثب "براء" كجرو صغير نحو الكرسي قبل شقيقه" معاذ" الذي بدا كأنه لم ينم جيداً ..
استدارت الأم لتكتشف أن الإفطار بحالته لم يتناوله "معاذ" ولا حتى "براء " .. حادثت الأم نفسها لائمة على السائق .. ماذا لو انتظر بضع دقائق ليتناول الطفلان إفطارهما ؟ هل كانت الدنيا ستطير ؟!
تحركت السيارة بالطفلين الصغيرين "معاذ "7 سنوات" و"براء" "5 سنوات" والأم تتابعها من الشرفة حتى غابت عن ناظريها .." براء " يتقافز على كرسيه كالمعتاد في رحلة السفر اليومية من مدينة الصالحية الجديدة إلى مدارس "المنار " للغات بمدينة الإسماعيلية ..
حينما قام السائق بتهدئة سرعته لعبور "مطب" "اصطناعي" بالطريق هجمت عليه سيارتان كانتا ترقبانه .. هبط من إحداهما ثلاثة رجال إثنان منهما كانا ملثمين والثالث مكشوف الوجه .. فوجئ السائق بأحد الثلاثة يقف أمام سيارته شاهراً سلاحاً نارياً "مدفع رشاش" ليمنعه من السير .. وفي لمح البصر فتح آخر باب السيارة من جهة السائق ليضع في خاصرته فوهة سلاحه الناري .. بينما فتح المهاجم الثالث الباب الخلفي للسيارة محاولاً إخراج الطفلين الصغيرين منها .. قبضت يد الرجل الخشنة على كتف "معاذ" الذي لم يحرك ساكنا .. بينما دفع الذعر شقيقه الصغير "براء" إلى فتح باب السيارة والقفز منها ليقع على الأرض ثم وقف ليعدو على الطريق باكياً ..لم يلاحقه أحد .. استولى أحد الملثمين على مفتاح السيارة وكذا على الهاتف المحمول الخاص بالسائق وعاد المهاجمون الثلاثة إلى السيارتين اللتين كانتا بانتظارهم وفي قبضتهم "معاذ" الذي لم يستطع حتى الصراخ من هول الذعر الذي تملكه ..وباقي صامتاً مرتجفاً تتقاذفه أيدي الرجال الغرباء المسلحين ..
انطلقت السيارة التي اختطفت " معاذ " كالريح تعوي على الطرق حتى غاصت في غياهب المجهول .. بينما هرول السائق المذعور بحثاً عن "براء" الذي اختبأ خلف شجرة على الطريق حتى عثر عليه وعاد به إلى مصنع والده الكائن به منزل سكناه .. استيقظ الأب "الشاب"
شحب لونه وامتقع وجهه وهو يستمع لرواية السائق وسرت رعدة في جسده هزت أوصاله و اسودت الدنيا في وجهه ..
لم يستطع إخفاء الخبر عن الأم حيث سبقه "براء" إليها باكياً .. الحرامية خطفوا أخويا "معاذ" يا ماما .. أنا عايز معاذ .. أنا عايز معاذ ..
لم تستوعب الأم حديث طفلها "براء "إلا أنها قرأت الكارثة المروعة على وجه زوجها والسائق سقطت مغشياً عليها ..فقدت وعيها .. كأن روحها فارقتها .. قلب الأم ..وما أدراك ما قلب الأم حين تروع بخبر خطف ولدها .. أي طاقة صبر من السماء يمكن إفراغها على قلبها ليثبت بين ضلوعها .. يا الله ..
انتبه الأب المصدوم إلى قول السائق أن الخاطفين سلبوا منه جهاز تليفونه الخلوي .. بيد مرتعشه حاول الأب الاتصال برقم تليفون السائق .. وجده مغلقاً .. حاول مرة أخرى ..ومرات عديدة .. كان مغلقاً .. حاول أن يصرخ .. أن يجري .. أن يعدو في اتجاهات متعاكسة ثم يقف في مكانه محنطاً متيبساً .. شل عقله .. بعد حوالي نصف الساعة من محاولات الأب المحمومة للإتصال بجهاز تليفون السائق الذي في حوزة الخاطفين .. انفتح الخط .. كان على الخط الآخر صوت أجش خشن مخيف .. أهلاً محمد بيه .. الولد معانا .. ابنك في الحفظ والصون .. وأكيد حياته غاليه عليك وعلى أمه . . باختصار ومن الآخر .. خمسة مليون جنيه تشتري بيهم حياة ابنك .. وأي خبر للبوليس تبقى قضيت عليك بإيديك ومش هاتشوفه إلا جثة .. وانقطع الخط .. وانهار الأب ..
مرت الدقائق ثقيلة ثقل الجبال على قلب الأب والأم .. لم يفلح توافد أفراد العائلة في تخفيف حجم الصدمة المروعة .. الأم تنتابها حالات إغماء متكررة ما تكاد تفيق فتذكر "معاذ" حتى تنادي عليه ثم تذهب في غيبوبة ذاهلة عما حولها ..
علمت بالخبر المروع بعد الظهر .. هرعت إلى مدينة الصالحية وحينما وصلنا .. كان الوجوم كرذاذ حزن منتثر على وجوه لفها الذهول .. رجال وشباب واقفون وجالسون بلا حراك ..أعينهم زائغة .. الخطب عظيم .. يعلمه كل من له فلذة كبد حـــَّرى .. أباً كان .. أو أماً ..
لم أستطع النظر في وجه الأب .. لم أجرؤ على رؤية عينيه وهما تبحثان عن منقذ ..عن مجير .. عن مغيت .. عمن يرفع عنه أو "معه" مصيبته الرهيبة ..
الجميع في انتظار اتصال آخر من الخاطفين .. الأب مشتت بين أصوات متداخلة تتناهشه من محرض على إبلاغ البوليس إلى متمهل متريث خشية عاقبة الأمور وخوفاً من شراسة المجرمين ..
جن الليل .. وجن جنون الأم على ولدها .. انسحب الأب إلى حيث ظن أن أحداً لا يرقبه .. أجهش الأب الشاب في البكاء .. فقد السيطرة على نفسه .. تحشرج صوته وهو ينادي غائباً .. ابني .. ابني .. ابني .. انتبه الجميع وصوبوا وجوههم تجاهه ..وبكى أعتى الرجال صلابة لمرآه .. يارب ِ .. إذا هكذا حال الرجال الآباء .. فماذا عن حال النساء الأمهات ؟!! .. ماذا عن حال أم "معاذ" ؟!! ..
في اليوم التالي .. عصراً .. جاء الاتصال الثاني "للأب " من الخاطفين .. هل جهزت المبلغ ؟ .. أجاب برجفة .. أنا جهزت مائتي ألف جنيه هي كل ما أملك الآن .. البلد حالها واقف ..ومفيش أي شغل أو سيولة من أيام الثورة .. خدوا الفلوس .. وخدوا العربية "السيارة" . ومستعد أتنازل لكم عن المصنع و عن كل ما أملك .. بس عايز ابني .. أشوفه .. هو عامل إيه ؟ نام إزاي ؟
قالوا له .. خمسة مليون جنيه كاملة .. مفيش وقت .. ابنك لم يتناول الطعام ..ولم ينم منذ الأمس .. ازداد لون وجه الأب شحوباً .. صرخ فيمن يحدثه .. حرام عليكم .. حرام عليم .. "معاذ " مريض .. عنده ضعف في صمام بالقلب .. "معاذ" .. ابني .. ابني ..وانهار الأب بين البكاء والغشية ..
إزاء استحالة تدبير هذا المبلغ الكبير وفي ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد وتوقف الحياة التجارية .. انصاع الأب راغماً نحو الإبلاغ "رسمياً" عن واقعة اختطاف ابنه "معاذ" التلميذ بمدارس المنار التجريبية بالإسماعيلية دون أن يتهم أحداً ..
الأسوأ .. والمفزع .. أن أحداً من "السلطات" لم يحرك ساكناً نحو فاجعة اختطاف الطفل الصغير "معاذ" .. لم يتحرك أحد للآن .. وصرنا نسمع عن حكايات وحوادث السطو المسلح وقطع الطرق والسلب والنهب وإطلاق النار على الناس في عز النهار .. وفي قلب العمران وكأننا في غابة لا شيء فيها سوى الافتراس .. القوي يفترس الضعيف .. أي طفل يحمل سلاحاً نارياً أو آلياً يستطيع أن يتجول كما يشاء في أي مكان ويفعل ما يحلو له ..
هذا بلاغ لن يقرأه النائب العام ..ولن يعلم به وزير الداخلية ..ولن يسمع به المشير طنطاوي ..ولا المجلس العسكري الموقر ..
فكل هؤلاء منهمكون الآن في التحرير , , وثوار التحرير, والأخوان , والسلفيين , والانتخابات, والصناديق , والخضيري , والبرادعي , والقضاة والتأمين على القضاة , وحمزاوي, والقرضاوي , وحسان ,وعلياء المهدي , و البيانات , والتصريحات , والفضائيات , والفراعين , والجزيرة , وغيره وغيره .. بينما البلد من الداخل .." فاضية" .. خاوية .. متروكة نهباً للبلطجية و المطاريد والمجرمين ولصوص البدو والجميع يحملون الأسلحة بكافة أنواعها في ظل غياب مؤسف للشرطة وغياب محزن للأمن ..
لا أحد في (مصر ) يلتفت اليوم لأنات أم مفجوعة في طفلها المخطوف من أحد الطرق العامة نهاراً في مصر ( المحروسة )
لا أحد في (مصر ) ينصت لصوت بكاء أب شاب يحمل جنسية مصر العربية خطف المجرمون طفله الصغير المريض بقلبه وهو فريسة بين يدي الخاطفين المجرمين الذين يحادثونه دون أدنى شعور لديهم بالخطر أو أن أحداً في مصر كلها من جيش أو شرطة أو أي من أجهزة "الدولة" يبحث عنهم أو يتعقبهم ..
أمريكا .. أمريكا التي نسبها ليل نهار .. لو أن حادثة خطف لطفل كهذه الحادثة جرت على أراضيها .. لكانت أمريكا كلها انقلبت رأساً على عقب .. ما كانت أمريكا لتنام حتى يعود الطفل المخطوف إلى حضن أمه المروعة المكلومة المفجوعة بخطفه ..
إن لم ينتبه أحد في مصر لهذه الواقعة .. إن لم تتحرك أجهزة البحث الجنائي ..
إن لم ينتفض أحد في مصر لمثل هذا الحادث المروع .. فسنكفر بكم جميعاً ..
سنكفر بأي حرف من حروف (مصر) الثلاثة التي سكنت فينا ..ولم تسكن حتى على أطراف ألسنتكم ..
معاذ محمد أحمد إبراهيم
7 سنوات
تلميذ بمدارس المنار التجريبية بالإسماعيلية
المقيم بمدينة الصالحية الجديدة – شرقية
تاريخ الاختطاف الأربعاء 30/11/2011
من فضلكم .. انقذوا معاذ
التعليقات (0)