مواضيع اليوم

إنقاذ لكن عكس مسار التدفق!

ممدوح الشيخ

2010-06-27 22:49:02

0


بقلم/ مـمدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com

حفلت الأزمة المالية الأوروبية بالمشاهد المثيرة والعبر الكبيرة، ولم تخل من المفارقات. والملاحظ أن التوجه العام في الخطاب الإعلامي المواكب للأزمة المالية العالمية التي بدأت منذ حوالي عامين كان تحميل أمريكا والنموذج الأمريكي المسئولية الكاملة عنها، فضلا عن تأكيد أن النموذج الأوروبي هو الأفضل والأنجح ولذا لم يشهد أزمة مماثلة. وجاءت الأزمة الأوروبية انطلاقا من اليونان لتكشف عن أن الدولار كان أقوى بكثير مما توقع كثيرون، فيما بدا اليورو أضعف بكثير مما روج كثيرون!
ومن المفارقات التي شهدتها هذه الأزمة مفارقة يمكن أن نعتبرها نموذجا نادرا لـ "دهاء التاريخ"، فالغرب الذي ظل منذ الثورة الصناعية يرى نفسه – ويراه الآخرون – مركز العالم وقمة الهرم الاقتصادي العالمي، مرشح بقوة لأن ينتقل ليصبح في موقع الأدنى. فخلال القرون القليلة الماضية كانت الثروة ومعها المخترعات والأفكار الجديدة في الاقتصاد والتنظيم الإداري، تتدفق من الشمال/ الغرب إلى الجنوب/ الشرق بشكل شبه دائم. وكانت الصلة بين العالمين تأخذ على نحو ثابت شكل صلة القوي القادر بالضعيف العاجز.
صحيح أن الربع الأخير من القرن العشرين شهد انتقالا جزئيا لمراكز الثقل القادرة على صناعة الثروة نحو بعض دول الجنوب/ الشرق (اليابان – الصين – كوريا الجنوبية – ماليزيا.....)، فإن الغرب ظل الرقم الأكبر والمحرك الأقوى للاقتصاد العالمي.
وفي مشهد أقرب إلى السيريالية دفعت الأزمة المالية في أوروبا دولا كانت مستعمرات سابقا للبرتغال إلى إطلاق مشروع لإنقاذها من الأزمة المالية العالمية لتجنيبها المصير المؤلم الذي واجهته اليونان، والذي يبدو أنه يهدد إسبانيا.
مبادرة الإنقاذ جاءت من أنجولا والبرازيل لانتشال الحكومة البرتغالية من محنتها الاقتصادية الشديدة وموجة مضاربات الأسواق المالية العالمية التي تحاصرها فقد قررت أنجولا مؤخرا تأسيس مصرف مشترك مع البرتغال لتشجيع إطلاق كميات كبيرة من الاستثمارات، بملكية مشتركة ومتساوية الحصص، وبمشاركة مؤسسة النفط الأنغولية "سونانجول" والبنك البرتغالي التابع للدولة "صندوق الإيداع العام".
وفي الوقت نفسه، هبت لإنقاذ البرتغال دولة أخرى هي البرازيل التي وقعت ضحية للاستعمار البرتغالي لأكثر من 300 سنة، إذ وقع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في زيارته للعاصمة البرتغالية سلسلة اتفاقات الهامة في مجالات العلوم والدفاع والتكنولوجية والطاقة المتجددة، تهدف أساسا لتلبية طلب البرتغال زيادة تعاونها من البرازيل العضو في مجموعة "بريك" (البرازيل، روسيا، الهند، الصين)، وهي الكتلة التي عانت أقل من غيرها من تداعيات الأزمة المالية العالمية والتي تدفع حاليا عجلة النمو الاقتصادي العالمي.
خطة الإنقاذ التي تشكل – حتى لو كانت رمزية – سابقة تاريخية لها دلالات كثيرة، فهي من ناحية تفتح الباب للتساؤل عن ما بقي من ميراث الاستعمار: هل هي متوالية (الرفض – الكراهية – العداء....) أم ترى ترك الاستعمار – رغم المشاعر السلبية إزاءه في مختلف الثقافات الوطنية – روابط ولاء ومصالح جعلت طرفي العلاقة يبقى الارتباط بينهما كـ "النار تحت الرماد"؟!
وعندما تهرول دولتان إحداهما أفريقية والأخرى لاتينية للاستثمار بهذا الحجم في اقتصاد صغير الحجم وغير مغري ومتأزم كالاقتصاد البرتغالي فإن مفتاح يكون في مكان آخر غير الاقتصاد. فالدولتان لا يجمع بينهما سوى مشترك واحد هو عضويتهما بـ "نادي المستعمرات البرتغالية السابقة".
وهنا لا يمكن إغفال حقيقة أن البرتغال التي تعد من أصغر دول القارة الأوروبية نجحت في جعل لغتها لغة مئات الملايين من سكان مستعمراتها، فضلا عن أن الأرضي التي احتلتها البرتغال كانت تزيد بعشرات ضعاف عن مساحتها المتواضعة، فهل كان لديها من القوة الناعمة ما يمكنها من إحداث تأثير يتجاوز المساحة الصغيرة وعدد السكان الصغير؟
وخطة الإنقاذ المشار إليها، تعني أيضا أن مسار التدفق الذي ظلت تتحكم به بنية الاقتصاد العالمي لقرون مرشح للتغير، وهي حقيقة تدعمها نظريات اقتصادية وتنبؤات وسيناريوهات استشرافية، وبعض هذه التقارير خرج من مؤسسات علمية واقتصادية غربية مرموقة، تتوقع صعود قوى من الجنوب/ الشرق لتحتل بثقة مواقع القيادة في الاقتصاد العالمي.
وقد كانت "عالمية" ظاهرة اقتصادية ما مرهونة بأن تأتي من قمة الهرم الاقتصادي العالمي على جانبي الأطلنطي، لكن "العالمية" الآن أصبحت أكبر من تقسيمات الجغرافيا وأقوى من حواجز "الأفكار المسبقة" التي ترى العالم مقسما – وربما إلى الأبد – إلى شمال/ غرب متقدم قوي غني وجنوب/ شرق ضعيف فقير متخلف.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !