(الحلقة الثانية)
عبد الهادي فنجان الساعدي
الشيخ كاظم الشيخ جواد الساعدي صاحب جريدة (الفيحاء) في العهد الملكي وفي عهد الزعيم هو احد اقربائي وكان كلما وجد فرصة لاثارة الجماهير نتيجة اختلال الموازين السياسية يستغلها ويشعل فتيل التظاهرات الجماهيرية وخصوصا في مدينة النجف الاشرف وعندما نحلل الدوافع والنتائج نجد ان الدوافع هي دوافع وطنية (باعتقاده) اما النتائج فكانت ترتكز على نقطتين ، الأولى هي الوعي الجماهير ي- ولو بصورته البسيطة او الساذجة – وثانيا الجانب الاعلامي الذي يرتبط بهموم الشارع، والسؤال المهم هنا هو اين ذلك الوعي الشعبي حتى ولو بصورته البسيطة – واين ذلك الاعلام الذي كان يحدد المسارات لتغيير الموازين؟!!
عندما نقرأ دراسة الاستاذ فؤاد قاسم الامير نجد ان المبالغ التي تحاول الحكومة العراقية الاتفاق عليها هي مبالغ خيالية بالنسبة لميزانية العراق وحتى لاستيعاب خططه المستقبلية ، فهي مبالغ كبيرة ومن الممكن ان تعطي نتائج معكوسة في حال حصول الشركات الامريكية على امتيازات وحقوق المشاركة في الانتاج . اما الجانب المهم فهو الجانب المنطقي الذي حدده الاستاذ فؤاد في دراسته القيمة (فوق كل هذه ، هناك الوضع الاهم وهو ان العراق تحت الاحتلال والقرارات الناجمة عن مختلف السلطات العراقية ستكون تحت ضغط ورحمة المحتل وشركاته النفطية العملاقة ، والذي بالاضافة الى ضغوطه يبحث دائما عمن يستطيع ان يرشيه من العراقيين الموجودين في مراكز السلطة لتمشية مصالحه الاقتصادية . لهذا في هكذا ظروف لا يمكن ان يمرر قانون يخدم الشعب العراقي فعلا)(2).
اذا كان الراي العام ضعيف الذاكرة كما يقول نابليون فاننا لا نستطيع ان ننسى تصريحات الصحف الامريكية التي نقلتها عن الدوائر المسؤولة عن صنع القرار وهي انها اتفقت مسبقا مع التكنوقراط السياسي في المعارضة على وضع سياسة نفطية تسمح باستغلال الشركات النفطية الامريكية للحقول العملاقة في العراق وذلك قبل حدوث الزلزال في 9/4/2003 .
(نحن نعرف اين تقع احسن الحقول النفطية العراقية وننتهز الفرصة للحصول عليها)(3) وكذلك تصريح شركة شل فان (غايتها هو وضع اساس وحضور مادي في العراق).
أن الهدف من كل هذه المهاوي التي يحاول الاحتلال متعدد الجنسيات خلقها للعراق هو استغلال الحقول النفطية الى اقصى مدى لغرض الاستفادة من كل ذلك في زيادة عوائدها وتكبيل العراق بمعاهدات تشبه الى حد بعيد المعاهدات التي كان العراق يلتزم بها في العهود الملكية اضافة الى أن العوائد النفطية التي سوف يجنيها العراق هي عوائد كبيرة جدا لا يمكنه استيعابها بكل الخطط الانية والمستقبلية مما يدفعه الى نفس السلوك الذي سلكه صدام حسين حين لم يستطع ان يستوعب العوائد الكبيرة التي كان يجنيها العراق ولذلك حاول أن يستغلها في ارضاء عقده النفسية من خلال ايحاءات السياسة العالمية له بانه الاقوى والاكثر قدرة على قيادة المنطقة .
أن الكارثة التي سقط فيها الدب القطبي الابيض (روسيا) في تجربته التي فتح فيها الطريق للاستثمارات الاجنبية النفطية ما زالت اثارها لحد الان منذ زمن يلتسين الزعيم الروسي السابق حيث ادت الى فقر الشعب الروسي وقد حاول الرئيس التالي بوتين تعديل الأمور وارجاع تأميم النفط حيث اضطر للقول (أننا نسمح للاستثمار الاجنبي عدا قطاع النفط او استخراج الذهب)(4).
عند السؤال عن نجاح الخطة الامنية اشعر بالفشل الذريع الذي يصيب هذا الكائن الحضاري الذي يعيش في بلاد ما بين النهرين وبودي لو ابكي على كل هذا الخداع الذي يصيبنا ونحن نيام (لا نعرف اجيالا قادمة ننشدها / ولا فما قديما نعود اليه)(5).
كم من المؤلم أن تكون حضاريا في تكوينك الجسدي والروحي والاخلاقي وترغم على ان تعيش غبيا ومخدوعا ومستلب الارادة وتمارس الضد الاخلاقي لكل الجينات التي تمتلكها والتي ورثتها منذ سبعة الاف سنة .
انها طريقة همجية تمارس باسلوب حديث لفرض غرامات اخلاقية وانسانية من قبل عدو محتل ، حررك من عدو شرس وغاب عنا بانه اشرس بكثير من مخلوقاته التي حكمتنا في مرحلتها الاخيرة لاربعة عقود . الكل يبحث عن الحل في لحظة محاسبة يمكن اقتطاعها بين سيل الرصاص والدم والكل يشارك في المقتلة (من كل حسب جهده ولكلٍ حسب حاجته)(6).
هل قرأتم سفر (قانون النفط والغاز) من انجيل بوش .. وهل من الممكن ان نسال عن الحاجة الملحة التي خلقت هذا القانون . هناك الكثير من القوانين المملة التي ما تزال تحمل شعار الجمهورية العراقية المستورد من الجمهورية العربية المتحدة (مصر العروبة في زمن الاخوين عارف) ورقم وتاريخ السبعينيات والثمانينيات ومصطلح الرعب البعثي الصدامي (مجلس قيادة الثورة) ولماذ لا تغير هذه القوانين بدل البحث عن قوانين تجعل من الاحتلال شرعيا والاستثمار الاجنبي تسمية مقبولة مثل (القفص الذهبي) . فبدلا من ان نقول (استعمار) نقول (استثمار) وهو واقع مفروض علينا وعلى الحكومة والا فالدم والمقاتل ستبقى مستمرة والثمن هو النفط ولنقرأ اسفار الصحف الامريكية الماخوذة من سفر (الدم مقابل النفط) من انجيل بوش .
(يشدد عاملو صندوق النقد الدولي على أهمية الضغط باتجاه اصلاحات نقدية بنيوية وتشمل الاصلاحات بشكل عاجل .. صياغة قوانين جديدة للنفط)(7).
(انهم بحاجة الى اصدار قانون للهايدروكاربون يمكن الشركات الاجنبية أن تستثمر بموجبه)(8).
(أن ما يحتاجون اليه هو قانون للهايدروكاربون لان من الواضح أن اكبر مصادر هذه الدولة هو البترول ويجب ان يتمكن جميع العراقيين من تصديق أن هذا المصدر سيتم اختياره لما فيه مصلحتهم وليس مصلحة الجهات الطائفية)(9).
(أننا نعمل على مساعدة القادة العراقيين على اكمال ميثاقهم الوطني وعلى القوى السياسية الاساسية ان تاخذ قرارات صعبة في الاسابيع القادمة .. سن قانون للنفط يعمل على اشتراك العراقيين في عوائد النفط بطريقة توحد البلاد .. وهذا الامر على قدر كبير من الاهمية)(10).
(يتوجب على العراق ان يكمل التقدم في سن قانون وطني للهايدروكاربون وان يتابع العمل فيه والذي سيضمن توزيع المصادر الوطنية الحيوية بشكل مناسب بين العراقيين ويضمن اكبر قدر ممكن من الاستثمار الاجنبي في هذا القطاع)(11).
في هذا الحال نستذكر في الجانب الاخر قوة الضغط الشعبي التي كانت تسقط وزارات ومعاهدات دولية مجحفة .. وهل هي نفس هذه القوى الشعبية التي عملت كل ما بامكانها لجني ثمرة التأميم وقد استطاعت . اما اليوم فليس هناك قوى ضغط شعبية تساهم في صنع القرار بدمائها لان ما يقرر النتائج هو الكومبيوتر والدراسات المستقبلية الستراتيجية التي لا نملكها نحن .. انما هم الذين يملكون هذه الامكانيات التقنية واستطاعوا من خلالها التحكم بالقوى التي تصنع القرار .
(اه ايها العرب يا جبالا من الطحين واللذة)(12). اننا بازاء الهة تقنية تتحكم بمصائرنا ونحن لا نملك غير قيودنا وعندما نثور فبالتاكيد لن نخسر غير تلكم القيود .
الحواشي:
(1) هذه مجموعة مقالات حول الدراسة القيمة (مسودة النفط والغاز) التي اصدرها الاستاذ فؤاد قاسم الامير ونشرت على مواقع عديدة في الانترنيت بالعربية والانكليزية .
(2) مسودة (قانون النفط والغاز) ص7 .
(3) آرجي دنهام مدير الشركة النفطية الامريكية العملاقة كونكوفيليبس (Conco phillips) نفس المصدر السابق ص9.
(4) المصدر نفسه ص12 .
(5) من قصيدة للشاعر العربي الفذ محمد الماغوط .
(6) من قوانين الاشتراكية والاستخدام هنا مجازي .
(7) صندوق النقد الدولي كانون ثاني / 2005 المصدر نفسه ص17.
(8) سام بودمان وزير الطاقة الاميركي في تموز / 2006 / انظر ص17
(9) المصدر نفسه .
(10) كونداليزا رايس ، وزيرة الخارجية الامريكية في تشرين أول / 2006 / المصدر نفسه ، ص17 .
(11) زلماي خليل زادة ، سفير الولايات المتحدة في العراق / تشرين ثاني / 2006 المصدر نفسه ، ص17 .
(12) من قصيدة للشاعر العربي المبدع محمد الماغوط .
التعليقات (0)