تطالعنا الأنظمة العربية اليوم بسياسات جديدة . لقد مرت عقود طويلة فرضت فيها الانظمة العربية سياسات قمعية لحرية الرأي وأصحاب الرأي , وكان إنتقاد الحكم أو الحاكم جريمة وأمتلات السجون بالمعارضين والمحظوظ من نجى من الموت تحت التعديب وسياط الشرطة ورجال المخابرات .و الشعوب تسمع أو تقرأ في وسائل الاعلام الرسمية سوى المديح والتطبيل وتمجيد الحاكم وأعمال الحكومة والمبالغة في الأشادة بما تم ويتم من إ نشاءات وإنجازات مبالغ فيها , ولكن إنتشار وسائل الأتصال اللكترونية دخلت كل البيوت والمنتديات وفتحت الابواب أمام ألأفراد العاديين وأخذت أصوات المعارضة تعلوا وتطلع الشعوب على حقيقية ما يجري من فساد وقمع للحريات بشكل لم تستطع الأنظمة منعه . وكان من الضروري للأنظمة إيجاد وسيلة لأمتصاص غضب الشعوب بعد أن عجزت وسائل القمع القديمة عن متابعة المعارضين وإيقاف وسائل الاتصال اللكترونية . لقد تفتح الفكر الدكتاتوري الجهنمي على سياسة جديدة وهي نقد الذات وتكليف وسائل الاعلام الرسمية وبعض العناصر المحسوبة على الحكومة بتولي زمام المعارضة وإنتقاد الانظمة وسياسات الحكومات وحتى التعرض للحكام وإظهار الفساد وسرد قصص القمع والتعذيب . وأصبح من الطبيعي أن تسمع وترى وسائل الاعلام الرسمية وهي تنتقد أعمال الحكومة والفساد وتظهر الأهمال والفقر الذي لا زالت تعانيه الطبقات الشعبية بل أكثر من هذا تنتقد وسائل القمع التي اتبعتها السلطات وتعطي تقارير مفصلة عما حصل من مخالفات قانونية وقتل و تعذيب وسجون لا أحد يستطيع تصور فضاعتها.. والسجناء القدماء الذين نجوا باعجوبة من الموت يقصون قصص وفي بلدان عربية أخرى ينتقد علنا ما جرى ويجري في البلاد من فساد وقمع للحريات على أيدى مسئولي النظام الحالي وينشر ويذاع هذا في وسائل الأعلام الرسمية . كل هذا يتم بصراحة تعجز المعارضة عن الأتيان بمثله . والهدف من هذه السياسة هو إغلاق الباب على المعارضة وإجهزة الأعلام اللكترونية مما يشجع الشعوب على هجرها لأن ما تسمعه من الأعلام الرسمي عما يجري من فساد وقمع وإرهاب يفوق خيال المعارضين , وفعلا تحقق ذلك الهدف . فقد كانت الشعوب متحمسة لسماع الانتقاد السري وأصوات المعارضة ومتابعة ما ينشر من إنتقاد للحكومات والسياسات المتبعة ولكن توفر الانتقاد في وسائل الأعلام الرسمية اليوم وعلى أيدي رجال الأنظمة التي تقترف هذه الأعمال القمعية والفاسدة قد ألغى دور المعارضة ولم يعد أحد يتابع نشاطها ولم يعد لوجودها فائدة . رغم أن هذه السياسة لاقت ترحيب المنظمات الدولية لحقوق الانسان والمعارضة في الخارج إعتقادا منها أن هذا تغيير نحو الأصلاح وحرية الرأي لكن كل هذا الانتقاد في الوسائل الرسمية ما هو إلا سراب فهو مجرد كلام لا تصاحبه أعمال متابعة أو أصلاح أو محاسبة للفاسدين أوتقديم مقترفي جرائم القمع والتعذيب للقضاء , ولم يتغير أسلوب الحكومات الدكتاتوري في تسيير شئون البلاد والأمور تسير على ما كانت عليه فالفساد يستسري والحريات تقمع والمعارضة تتابع والسجون مفتوحة والدكتاتورية ترسخ والثوريث مستمر والأشادة بالحاكم في تزايد . هذا هو الواقع العربي اليوم فساد وقمع باعتراف الحكام أنفسهم ووسائل إعلامهم وعجز الحكومات العربية عن العمل وعدم الرغبة في التحرك في علاقاتها مع الغرب وفي المجال الدولي وفي الداخل وفي كل المجالات بشهادة رئيس القمة العربية السابقة نفسه .
.
التعليقات (0)