انتخابات أبريل نيسان في الميزان ! ..
بقلم / الزبير محمد علي
صحيفة صوت الأمة - الخميس 28/1/2010
المناخ السياسي في السودان سيدخل في شهر أبريل نيسان القادم أعتاب مرحلة مفصلية وجديدة علي القاموس السياسي السوداني.
ذلك أننا بصدد الدخول في انتخابات تختلف اختلافاً جوهرياً عن رصيفاتها السابقات من حيث الإجراء ، والمناخ ، والمفاهيم وفقاً للحقائق التالية :
الإجراء : الناخب السوداني في السابق كان يُدلي بصوته لمستوي انتخابي واحد – البرلمان القومي - ؛ بينما يواجه في الانتخابات المقبلة مستويات انتخابية متعددة ومتشابكة( رئيس الجمهورية – الولاة – البرلمان القومي – البرلمان الولائي – القوائم النسبية – قائمة المرأة) . هذا الوضع جديد علي الساحة السياسية ويُوجب علي المفوضية دوراً إعلاميا كبيراً لترسيخ هذه المستجدات في عقول وأذهان الناخبين.
المناخ : الدفاتر التاريخية السودانية تقول بأن عملية قيام الانتخابات تسبُقها تكوين حكومة انتقالية تشرف علي الانتخابات حتى نهايتها ، التجربة المقبلة ستجد نفسها أمام وضع جديد ؛ حيث تُجري الانتخابات في ظل وجود سُلطة يسيطر علي مفاصلها الحزب الحاكم بتباين مستوياتها الأمنية ، والاقتصادية ، والإعلامية.
المفاهيم : الذهن التاريخي يقول بأن نائب البرلمان القومي في السابق كان مسئولاً بصورة مباشرة عن قضايا دائرته الانتخابية ، ولكن في التجربة المقبلة سيقتصر دوره علي مناقشة القضايا القومية فقط ( الميزانية ، الأمن القومي ، إجازة القوانين ، إجازة الدستور وهكذا)؛ هذا يعني أن قضايا خدمات الدوائر الانتخابية تم ترحيلها إلي البرلمانات الولائية.
هذه المستجدات الثلاث إذا لم يتم التعامل معها بالقدر المطلوب من الوعي والحزم ؛ فإننا سنشهد انتخابات يجهل الناخبون فحواها ، أو انتخابات أشبه بالتي جرت في تونس العام الماضي.
المفوضية القومية للانتخابات استمدت مشروعيتها من الدستور الانتقالي لعام 2005 ، ومن قانون الانتخابات لعام 2008 ، ووجدت تأييداً برلمانياً واسعاً وصل لدرجة الإجماع ، وحظيت بثقة كبيرة لدي الأحزاب خارج مظلة الحكم في السودان.
هذه الثقة الكبيرة في المفوضية زادها تفاؤلاً في الميدان السياسي ترشيح شخصية في قامة مولانا أبيل ألير لرئاسة المفوضية ، كما أن أعضاء المفوضية الآخرين لم يطعن أحد في نزاهتهم .
ولكن تأخير السجل الانتخابي عن موعده المحدد ، ورد المفوضية التبريري علي تجاوزات عملية التسجيل كشف ثلاثة حقائق :
أن المفوضية لم تحترم الإجماع التفاؤلي للقوي السياسية السودانية .
أن التفاؤل والثقة التي أُعطيت للمفوضية كانت في غير محلها .
أن المفوضية بردها علي مذكرة الأحزاب جعلتنا نضعها في احدي الخيارين :
إما أن تكون المفوضية متواطئة مع النظام الحاكم وهذه مصيبة .
أو جاهلة بما دار في عملية التسجيل من تجاوزات وتلك هي المصيبة الأكبر.
لقد ردت المفوضية علي طعون الأحزاب بصورة تُذهل المتابعين ، وتُدهش الناخبين ، وتزرع الشك في نفوس المتنافسين ، وتخلق حالة عدم ثقة بينها وبين اللاعبين الأساسيين في ميدان التنافس الانتخابي .
فكيف لمفوضية تقع علي عاتقها مسئولية إدارة الانتخابات ، أن يكون ردها علي مذكرة الأحزاب بصورة تبريرية يخجل منها الوطنيين ، ويفرح بها المزورين !.
ألا يستحي أعضاء المفوضية من ردهم علي طعن حزب الأمة حول تهديد موظفي الدولة وربط صرفهم للمرتبات بتسليم إشعار التسجيل كما حدث في شمال دار فور؟
لقد ردت المفوضية علي هذا الطعن ، بأنها اتصلت بوالِ ولاية شمال دار فور، ونبهته إلي أن مراكز التسجيل من اختصاص اللجان العليا ولا يجوز له التدخل في عمل المفوضية !.
عزيزي القاري ألا يطعن هذا الرد في استقلالية المفوضية ؟ ما علاقة الوالي بالمفوضية حتى تتصل به وتبلغه بالتخلي عن هذا التجاوز الخطير ؟ وهل المفوضية مطمئنة علي تأمين الوالي علي عدم تدخله في عملها !
إن المفوضية القومية للانتخابات إن كانت مدركة لدورها التاريخي ، وصادقة في توجهها القومي ، ومحايدة في إدارتها للانتخابات أن تتحري بنفسها عن هذه التجاوزات لا أن تتصل بالوالي ، وأن تطلب المزيد من الأدلة علي طعون الأحزاب لا أن تُعطي رداً تبريرياً يقدح في صدقيتها ، ويطعن في استقلاليتها ، ويُثير الشكوك حول ادعائها للنهج القومي .
لقد كانت تجاوزات عملية التسجيل واضحة كالشمس في قلب النهار ، وكالقمر في صلب الليل ، فهل تعتقد المفوضية أنها بهذا الرد سوف تقنعنا بأن الشمس لا تبزغ في النهار ، وأن القمر لا يخرج في الليل !.
إن ادعاء المفوضية بأن الانتخابات ستكون شفافة لرقابتها المحلية والدولية ، هو ادعاء عقيم ؛ ذلك أن الرقابة الدولية شكلية ، كما أن الرقابة المحلية أُدخلت فيها منظمات المجتمع المدني التي تحمل بعضها شُبهة تسييسية .
وبجانب ذلك فان خُطة المفوضية بالاشتراك مع وزارة الداخلية حول تدريب ألفي عنصر من أفراد الأمن لحماية العملية الانتخابية في كل ولاية يُثير مخاوف القوي السياسية ؛ ذلك أن الأمن الحالي هو أمن النظام لا أمن المواطن.
ومن زاويا أُخري فان وجود الأمنجية خارج مراكز التسجيل سوف يخلق ارهاباً للمواطنين ، وسوف يُعطي إيحاءا رمزياً للناخبين بأن الجهة الحاكمة ما زالت تحتفظ بقوتها وغطرستها وجبروتها ؛ وهذا سيؤثر تأثيراً تخويفياً علي إرادة الناخب السوداني .
وعلاوةً علي تحدي النزاهة والحياد ؛ فان هناك تحدياً أكبر وهو أن تكون الانتخابات شاملة لكل بقاع السودان .
إن استثناء أي أرض من بقاع دار فور الحبيبة من الانتخابات بحجة انعدام الأمن ، سوف يترتب عليه آثار وخيمة علي مستقبل السودان ، لا سيما في ظل حديث بعض الحركات عن اشتراط حق تقرير المصير قبل الدخول في مفاوضات السلام .
إن المخاوف من التزوير كثيرة ولا مبرر للمفوضية بأن تقول : ( أن المخاوف من التزوير لا مبرر لها !) ؛ ذلك أن غيوم التزوير لائحة في الأفق السماوية ، وأسهمت فيها المفوضية ، حتى أصبح شوق المواطنين لتحول ديمقراطي سليم أمراً عتيا .
فاعتقال السلطات الحكومية في ولاية البحر الأحمر في الأسبوع الفائت لمائة من مؤيدي مرشح البني عامر لمنصب الوالي ، بحجة خروجهم في مسيرة تأييدية لمرشحهم الانتخابى ، في الوقت الذي تغض فيه هذه السلطات الطرف عن مسيرة سابقة لمؤيدي الوالي الحالي يؤكد ما ذهبنا إليه من تحليل .
وعليه فان سكوت المفوضية علي مثل هذا السلوك ، سوف يجعل مخاوفنا من اقتباس التجربة العراقية في مسألة الحبر المضروب مشروعة .
إن الأمانة التاريخية تُوجب علي المفوضية القومية للانتخابات أن تبحث مع القوي السياسية ضمانات إجراء انتخابات حرة ونزيهة ، وأن تعمل علي إزالة كافة المخاوف والشكوك من دنيا الملعب الانتخابي .
إن حدث هذا فان المفوضية ستكون برأت ذمتها الذاتية ، واستحقت تقدير القوي الوطنية ، واستجابت لأشواق الجماهير في تحقيق الديمقراطية ؛ وإذا فشلت في ذلك استحقت أن تكون مفوضية تمديد الحكم للسدنة الإنقاذية !.
التعليقات (0)