إنتهبوا أيها السادة.. هناك ويكيليكسيين
نعم فهناك وثائق ويكيليكس المسربة الحقيقية والتى تتبع بالفعل الموقع الأصلى لويكيليكس ، وهناك وثائق آخرى مزيفة وضعت وحملت على الأولى لكى تعادل أو توازن أوتلغى تأثير الأولى الأصلية . وهذه محاولة تكاد تكون شبيهة بالصورة التعبيرية إياها التى أظهرت مبارك وكأنه ، وعلى خلاف الحقيقة ، يتقدم كل الرؤساء الذين أجتمع بهم فى واشنطن بما فيهم الرئيس أوباما نفسه .
فوثائق ويكيليكس ، وكما يقول الدكتور عزمى بشارة ، لم تكشف شيئا جديدا ، ولكنها عززت ما كان مطروحا ومثارا من قبل بعض القوى الوطنية العربية ، وكان ذلك بمثابة شكوكا من وجهة نظر البعض الآخر ، تجاه سياسات وإتجاهات بعينها يقررها وينفذها جل الزعماء العرب وحكوماتهم .
وبوسع أى فرد الآن أن يميز بين ما هو حقيقى من وثائق ويكيليكس وبين ما هو مدسوس عليها ... وماهو حقيقى ، هو ببساطة ما يكشف بالفعل سؤات جل الأنظمة العربية ، أو يؤيد شكوكا أو آراءا كانت موجودة بهذا الصدد ، ومن قبل ظهور ويكيليكس ، ومن ذلك ، وعلى سبيل المثال ، ما كشفه الرئيس الأمريكى السابق بوش فى مذكراته من أن الرئيس المصرى حسنى مبارك قد وشى له بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل ، بيلوجية ، أو جرثومية ، وذلك قبل الغزو الأمريكى للعراق فى 2003 ، وإنه ـ أى مبارك ـ متأكد من ذلك ، وذلك من خلا ل علاقته الوثيقة بالرئيس صدام حسين ، و من خلال أيضا ما أستوثق من علاقات لاحقا من خلال مجلس التعاون العربى الذى كان يجمع فى عضويته ، كل من خان الرئيس صدام حسين ، من الأنظمة وليس من الدول ، لاحقا ، حيث كان يتكون ذلك المجلس من كل من العراق ومصر والأردن واليمن .
وبناءا على وشاية مبارك ، والتى اتضح فيما بعد زيفها ، وعدم وجود أى اثر لما أدعى بأنه أسلحة دمار شامل ، دمر الجيش الأمريكى العراق وكل البنى التحتية العراقية بعد غزوه للعراق فى 2003 ، وقد نجم عن ذلك أيضا قتل ألاف الأبرياء من العراقيين من أطفال ونساء،وعجائز وكل من لا ناقة له ولا جمل فيما حدث .
وعندما تأتى وثائق ويكيليكس بعدئذ وتؤكد ذلك الخبر ـ خبر وشاية مبارك ـ فإنها وقتئذ لا تضيف شيئا جديدا ، ولكنها على الأقل قد أكدت ما كان ظنيا من قبل بحيث لايفيد هنا ـ كما لم يصدق أحد ـ تكذيب مبارك للوثائق ، وقبلها تكذيبه لما ورد بشأنه فى مذكرات بوش ، ولن يصدقه أحد بطبيعة الحال إلا إذا صدقه فى تعهداته المتكررة بنزاهة الإنتخابات...!
و ما نشرته مؤخرا جريدة الجارديان البريطانية نقلا عما قيل بأنه وثائق سربها موقع ويكيليكس عن وثيقة أمريكية دبلوماسية أعدتها السفيرة الأمريكية بالقاهرة مارجريت سكوبى ، تقول : " أن صورة مبارك كقائد قوى ولكن نزيه تضعف من موقف جمال مبارك نوعا ما ، نظرا لإفتقار جمال إلى الخبرة العسكرية ، وربما يفسر ذلك إمتناع مبارك عن التدخل فى مسألة الخلافة .." تندرج تحت ذلك النوع من الوثائق المزيفة التى أريد بها تجميل صورة مبارك وبطريقة أكثر فجاجة من الصورة التعبيرية إياها ..!
والسفيرة تصف مبارك بأنه قوى ، ونحن لا نعلم شيئا عن تلك القوة اللهم إلا فقط فى إستخدام البلطجية فى كل إنتخابات يعد بأنها ستكون نزيهية، ثم لا يفى بوعده ، وذلك للتأثير على نتيجة تلك الإنتخابات حتى تصب فى صالح حزبه الحاكم وبما يخدم عملية التوريث ، والتى ذكرت السفيرة ، وبما يخالف الحقيقة ، أن مبارك يمتنع عن التدخل فى مسألة الخلافة ، وسوف نعود لهذه النقطة لاحقا وبمزيد من التفصيل ...
ويظل السؤال مطروحا وهو أين قوة مبارك تلك المزعومة على مستوى السياسة الخارجية مثلا وهو لم يوفق حتى اللحظة فى إنهاء الخلاف بين فتح وحماس على الرغم من "إحتكاره" لهذا الملف ومنع اية دول آخرى ، خاصة من دول الشرق الأوسط ـ وبالتواطىء مع أبو مازن ـ من التعاطى مع ذلك الملف . وأين تلك القوة مع إصرار حكومة نتنياهو بالإستيلاء على أراضى الفلسطينيين فى كل من الضفة والقدس الشرقية بينما هو لم يحرك ساكنا . ثم أين هو من إعتراف كل من البرازيل والأرجنتين بالدولة الفلسطنية ، ثم أين هو أيضا من حركات الهدم المنظمة وبناء الأنفاق أسفل المسجد الأقصى حتى بات ثالث الحرمين مهددا بالإنهيار ...أين قوة مبارك إذن يا معالى السفيرة اللهم إلا فى قهر شعبه وظلمه وقتله ونزوير إرادته ...؟!
وهناك عبارة غريبة فى نفس الوثيقة تقول : " ...أن صورة مبارك كقائد قوى ولكن نزيه ...إلخ " .. وأظن هنا أن "الفبركة" واضحة وجلية فى تلك العبارة حيث لايوجد تعارض بالضرورة بين القوة والنزاهة ، فيمكن لأى فرد أن يكون قويا ونزيها فى ذات الوقت ، بل أن النزاهة نفسها تحتاج أحيانا إلى قوة تحميها وتحصنها ، وتجعل من صاحبها سواءـ كان شخصا طبيعيا أو إعتباريا ـ محميا ومحصنا بموجب القانون لكى يظل نزيها ومحافظا على نزاهته...!...والإنسان النزيه ليس هو بطبيعة الحال شخص ضعيف ، ولفظ " لكن " هنا يوحى بأن هناك تعارض بين القوة والنزاهة ، وعلى خلاف الحقيقة ، و حتى المنطق ..!
وفى مسألة الخلافة ، التى تشير إليها الوثيقة ، نقلا عن برقية السفيرة سكوبى ، تثير الوثيقة عدة أسئلة مشروعة وموجهة إلى السفيرة نفسها ؛ فكيف هى استنتجت ، أو نما إلى علمها ، أن مبارك لم يتدخل فى مسألة الخلافة ..؟! ... وهى السفيرة التى تمثل القوة الوحيدة والمنفردة و الأعظم فى العالم .. فإما إنها تجهل حقيقة الحياة السياسية فى البلد التى تمثل فيه بلادها ، وهذا أمر يتعلق بالكفاءة والأهلية لأى سفير يمثل بلاده فى أى مكان من العالم ، ولا علاقة لنا ، كما لا يحق لنا الخوض فى هذا الشأن ، فهذا أمر يتعلق بحكومة الولايات المتحدة ذاتها ...و أما إذا كانت السفيرة تعلم حقيقة الأوضاع فى مصر ولا تطلع حكومتها ولا شعبها على تلك الحقيقة ، فذلك أيضا شأن آخر ، وعلى الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكى مساءلتها ، وذلك فقط فى حال إن كانت تلك الوثيقة غير مزورة وحقيقية ... أما إذا كانت مزورة فمن مصلحة السفيرة أن تعلن ذلك .. حيث أن مبارك منذ أن أستولى على السلطة أثر إغتيال السادات فى اكتوبر 1981 وهو يتدخل فى مسألة الخلافة . وكان أول علامات ذلك التدخل هو مخالفته الصريحة للدستور بعدم تعيين نائبا له منذ أن صار رئيسا وحتى هذه اللحظة ، وذلك يكشف و بأثر رجعى نيته المبيتة فى توريث رئاسة مصر لابنه من بعده .
وثان ذلك التدخل ، وأخطره ، هو يا سيدتى السفيرة التعديل ، أو بالأحرى التشويه ، المشين الذى فعله مبارك بالدستور خاصة فى تلك المادة الشاذة 76 والتى تم تفصيلها على مقاس ومواصفات ابنه ، فضلا عن إلغاءه المادة 88 من الدستور والتى كانت تسمح بالإشراف القضائى على الإنتخابات وذلك للحد ـ وليس منع ـ التزوير ، وذلك بعد ان حال الإشراف القضائى فى إنتخابات 2005 دون حصول حزبه الحاكم على الأغلبية المطلقة لمقاعد مجلس الشعب حيث حصلوافقط على حوالى 35% من إجمالى مقاعد مجلس الشعب والباقى كان من نصيب المستقلين وأحزاب المعارضة وبما كان يسمح لهم وحدهم بتشكيل الحكومة ، إلا إته إلتف كعادته على كل القواعد والقوانين والدستور ذاته وإستمال عدد من المستقلين وبما يسمح له بتشكيل الحكومة تمهيدا للخطوة القادمة فى 2010 ، و من ثم تهيأة كل الأجواء للتوريث .
أما المادة 77 من الدستور ، والتى تجعل عمليا أى رئيس للجمهورية ـ سواء كان هو أو ابنه ـ رئيسا لمصر إلى الأبد ، فإنه لم يقتبرب منها , وأبقى عليها كماهى ... وكل ذلك يا جناب السفيرة يفسر عندك بتلك العبارة التى وردت فى الوثيقة وهى ؛ " إمتناع مبارك عن التدخل فى مسألة الخلافة "... وإن لم يكن ذلك هو تفصيل الخلافة ذاته ، وليس فقط التدخل فيها ، فما هو إذن التدخل...؟!
وتصف البرقية ـ المزيفة ـ بعدئذ مبارك بأنه ؛ " رجل حرب وواقعى ومحافظ بطبيعته ".. أما رجل حرب تلك فليس هناك وثائق وأدلة دامغة ومؤكدة من جهات محايدة ، ومشهود لها بالنزاهة ، تؤكدها وتؤيدها ، أما محافظ بطبيعته تلك ؛ فأنا شخصيا لا أعرف محافظ على ماذا ... ؟! ... اللهم إلا إذا كان المقصود هو إنتماءه إلى المحافظين الجدد بزعامة ديك تشنى وأية ذلك وشايته الكاذبة لبوش بإمتلاك العراق لأسلحة بيلوجية , وهو ما كان الآخير فى شديد الحاجة إليه لتبرير غزوه للعراق ، وهوفى ذلك ـ أى مبارك ـ يتطابق ويتماهى كليا مع فؤاد عجمى ، مع إختلاف بسيط وهو أن عجمى أكاديمى معروف وعلى وعى تام بما يقو ل ويعلن ويكتب . وعلى الرغم من أنه لبنانى الأصل إلا أن جذوره غير عربية ، وهذا واضح من أسمه ، أما مبارك فهو عسكرى جاهل ، لكنه على ووعى تام بكل مايفعل ، وكل ما فعل ، وللأسف فإن أصوله عربية ، ومن هنا يصعب فهم عداءه لمصر وللمصريين بصفة خاصة وللعرب ، بنى قومه ، بصفة عامة ، وما فعله بعدئذ بالعراق وفلسطين والقضية الفلسطينية ، وذلك على العكس من فؤاد عجمى ، والذى يمكن فهم عداءه للعرب بسبب أصوله الفارسية ...!
ولم يتبق بعدئذ إلا عبارة آخرى وردت فى تلك الوثائق المضادة لويكيليكس مفادها أن مبارك يخشى أن تنقلب عليه الولايات المتحدة وتساعد الإخوان على الوصول إلى الحكم ويلقى هو بعدئذ نفس مصير الشاه الحاكم السابق لإيران ... وفى الحقيقة أنا لم أجد أهزب عبارة ممكنة لوصف تلك العبارة ـ فيما لو كانت صحيحة ـ بسيدة سيئة السمعة تضاجع الرجال خلسة من وراء زوجها . وعندما تضاجع أحدهم ممن يريدون إبتزازها فترجوه أن لايعلم على جسدها حتى لايعرف زوجها أو أهلها بأمرها ـ وهم هنا كل شعب مصر والأمة العربية جمعاء ـ و من ثم يفتضح أمرها ، وتلقى عندئذ ما تستحقه من عقاب ..
مجدى الحداد
التعليقات (0)