مواضيع اليوم

إميضر: منجم البؤس.

محمد مغوتي

2012-03-22 13:30:31

0

    يعيشون على أرض تجود بأكبر منجم للفضة في إفريقيا. هناك في إميضر، حيث تحول اللون الفضي البراق إلى مجرد سراب خادع، اختار أبناء المنطقة بعد طول صمت وصبر ومعاناة أن ينفضوا بعض الغبار عن واقعهم البئيس لعل ذلك يلفت إليهم الأنظار. هم في اعتصام مفتوح منذ شهر غشت الماضي. مطالبهم بسيطة وواضحة ومشروعة. إنهم يريدون أسباب الحياة. يحتجون ضد الإستنزاف المفرط للخزان المائي بسبب عمليات التعدين بالمنجم، ويتطلعون إلى بنية تحتية تليق بالغنى الطبيعي للمنطقة، بالإضافة إلى تمكينهم من الإستفادة ببعض عائدات المنجم.
    إميضر هي جزء من المغرب غير النافع بمقاييس التصنيف الإستعماري، وهي واقعيا مازالت كذلك بمقاييس المغرب الجديد بالرغم من أرضها المعطاء التي تنجب ثروة من فضة تساهم في التنمية الإقتصادية للبلد. ورغم ذلك لم تلتفت كل الحكومات المتعاقبة منذ الإستقلال إلى حال سكان المنطقة الذين مازالوا يعيشون كل أشكال التهميش ويتنفسون المعاناة . وها هم اليوم يعلنون على الأشهاد نفاذ صبرهم وهم يستصرخون أصحاب القرار لعلهم يلتفتون إلى محنتهم. سكان إميضر المتشبثون بأرضهم والمرتبطون بلون ترابها يدقون ناقوس الخطر بسبب الإستنزاف الذي تتعرض له الفرشاة المائية نتيجة أعمال التنقيب، بينما يجد أولئك القاطنون في أقاصي الهامش صعوبة بالغة في الحصول على قطرات يروون بها عطشهم. سكان إميضر اختاروا الإحتجاج للتعريف بأوضاعهم والمطالبة بنصيبهم من خيرات هذه الأرض عبر توفير فرص الشغل وخلق أسباب التنمية المستدامة، وهم بذلك يبعثون برسائل لمن يهمه الأمر من أجل فك العزلة عنهم. فهل من مجيب؟.
    لقد أصبح الإحتجاج في المغرب ثقافة اجتماعية تنبت كالفطر في كل مكان وتنضح بها مختلف مناطق البلد، وهي تعبر عن الوعي الحقوقي الذي اكتسبه المواطن الذي لم يعد يصمت عن الظلم ويتطلع لمستقبل أفضل، لكن الطريقة التي تنهجها الدولة في تعاطيها مع هذه الحركات الإحتجاجية مازالت دون مستوى الطموح الشعبي الذي ينتظر سلوكا جديدا يؤطر العلاقة بين السلطة والمواطن في إطار الإحتكام للقانون في أفق تحقيق العدالة الإجتماعية... صحيح أن واقع الإحتقان الإجتماعي العام دفع الدولة إلى القطع جزئيا مع كثير من ممارسات المنع والعنف المفرط الذي لم يعد يحضر بنفس الحدة التي كان عليها الحال سابقا، لكن أساليب تدبير الأزمات تظل حبيسة النظرة التجزيئية ذاتها، والتي تعمد من خلال المقاربة الأمنية إلى الترقيع وإخماد الحرائق عن طريق مهدئات موضعية لا تقدم الحلول الجذرية للمشاكل والأزمات الإجتماعية. وما يحدث في إميضر مثير للإستغراب حقا، فبالرغم من أن أبناء المنطقة يعتصمون في العراء منذ أكثر من ستة أشهر مازالت الأمور هناك على حالها، ولا يبدو أن المسؤولين يمتلكون الإرادة أو الإهتمام اللازم بهذه المشكلة. ولا يعرف المغاربة حتى الآن الصورة الحقيقية لما يجري في الميدان لأن الإعلام العمومي اختار أسلوب النعامة، ورغم كل ما قيل ويقال عن الفتح الإعلامي الجديد فإن لازمة " قولوا العام زين" لازالت سائدة حتى الآن. هذا في الوقت الذي وصلت فيه أصداء إميضرإلى شبكات تلفزيونية عالمية كماهو الحال مع قناة" روسيا اليوم " و" فرانس 24"... أما البرلمان الذي ناقش مهزلة المشاركة الوطنية في كأس أمم إفريقيا باعتبارها قضية وطنية، فيبدو غير معني باحتجاجات سكان إميضر التي ليست ضمن أولوياته.
     إن صرخة أبناء " إيمضر" ليست مجرد موضة احتجاجية عابرة. إنها مناسبة لإعادة النظر في كثير من الممارسات التي يجب تجاوزها إذا كنا حريصين على مغرب آمن وحر ومزدهر. أما عندما يتعلق الأمر بواقع بئيس يعيش فوق حقل من الفضة، عندما تولد المعاناة من رحم الرخاء، عندما يصرخ المشهد العام بالمفارقات العجيبة في مغرب الألفية الثالثة، فإن الإحتقان سيزداد حدة والمستقبل سيتوشح بالرمادي، لكننا لا نريده أسودا على كل حال. 
                محمد مغوتي. 22/03/2012.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !