أتعبتني وأتعبني هذا الفراغ الذي تعانين منه، وأنت كل يوم تطالعينني بحكاية مختلفة، وتبحثين في كل مكان عن الحب، وترهقين تلك الروح النقية بين جنبيكِ، أما علمت أنكِ كلما بحثتِ عن الحب هرب منكِ. سيكون فلكك هذا هو الدليل الوحيد ليدخل في مداره من تنتظرين، يأتيكِ بيده صدقاً وبالأخرى حنين، لا تنبشي النور، ففي بعض النور عمى، ولا تعبثي بالغيم وأنتِ تفتشي عن حب جديد ففي الغيم رعودٌ و بروق. فكلنا طينُ، وكلنا نخشى النار، فارتقي عرش العفاف دوماً، فما رأيت للحب حافظاً غيره، وكوني تلك الأنثى التي يدثرها حياؤها، ويسترها دينها، وأعلمي أن ما في القلب لا سلطان عليه، وما في الطين فعليه ألف سلطان. وأعلمي يا صديقتي، أن الحب في غير أهله مذلة لروحكِ، وهبة لمن لا يستحق، ستتعلقين بهدب الوله تنتظرين غيمةً تشفي غليلك من قيظ اللامبالاة، فلن تجدي سوى كسفاً تساقط عليكِ ،وتُردي الأمل فيكِ، وتقتل الحب قبل مولده، فلا أنتِ بتلك العاشقة التي نالت في الحب عزة، ولا أنتِ تلك الأنثى التي نالت في حبها تكريماً. فلا تهدري ماء وجهكِ وقلبكِ لمن لا يستحق، وأذّني لصلاة الابتهال والتضرع لعل الله يبعث لكِ من الطين ملاكاً حقيقياً يثمن ما يتنامى في داخلكِ من عشق، فيكون هو المؤتمن، وهو الأمين، لا تيأسي وإن طالت الصلاة ففيها خيرٌ ووقاية. صديقتي، لا تفني عمركِ ووقتكِ في التفتيش عنه، سيأتي وحده بلا أسباب، فالتفتي لما هو أهم الآن، ووثقي تلك الصلة بينكِ وبين نفسكِ، فاعرفيها وأحبيها قبل أن تطلبي أن تُحبي، وتُعشقي، وأكفي روحكِ من تلك الطاقة الثمينة التي تكبر فينا ونقتلها بجهلنا وكرهنا لأنفسنا. وأعلمي أنكِ إذا أحببتِ نفسكِ وأنزلتها حق منزلتها، حتماً سيحبكِ الآخرون وينزلونكِ حق منزلكِ، فلا تهني فيسهل الهوان عليك.
هذا الحب الذي نبحث عنه ليرهقنا هو هلامٌ نشعر بوجوده ولا نستطيع أن نمسك به، فهو ينفلت منا طبقاً لأمزجتنا وظروفنا، فلا تؤمني به فيشقيكِ، ولا تكفري به فيبتليكِ.
الحب يعيش فينا ونجهل مكانه، يخترق النور الساكن في وسط القلب، يبدأ منذ الوهلة الأولى التي ترين فيها نفسكِ في المرآة فتحبينها، وتدللينها بكل ما فيكِ من طفولة، فتشرق في عينيكِ وتكبر تلك الهالة النورانية لتصيب من حولكِ، وتدورين في فلكها مؤمنة بأن هذا الفلك سيجمعكِ يوماً بمن يستحقكِ وتستحقينه، فلا تطيلي النظر، ولا تسرفي في الانتظار، فحين يحين موعد اللقاء ليس هناك وسيط، ولا دليل.
سيأتيكِ راكعاً، يطلب رضاكِ فلا تبذلي روحكِ بالبحث عنه، وأعلمي أن كل حبٍ إلى زوال ما لم تكن معه أفعالٌ تسانده، ورجولة تدعمه.
وأحبي من شئتِ، ولتعلمي أنه مهما طال بكما المقام والزمان، فأنتما مفترقان، فأعدي نفسكِ لموعد الرحيل كما تعدين نفسكِ للقاء.
وأفردي لذاكرتكِ مساحاتٍ شاسعة من الرضا، فسيأتي يومٌ تبحثين عن ذكرى جميلة ، أو سببٌ لتغفري ذنباً فلا تجدي، فاستعيني على الحب بالكتمان، وابقي تلك المسافة بينكما طي الصمت والطهر، فما رأيت ناراً توقد الحب كالكتمان، ولا ريحاً تشعله كالصمت، ولا نوراً يحيطه كالطهر.
والطين - يا صديقتي- إن لا مس الطين وأوُقدت لهما النار صارا فخاراً، وانتهى بهما المطاف في رفٍ من رفوف الدنيا، يقيمان روتينهما على ابتلاع الماء، ليروي عطشهما، ولكنه مالحُ لا يروي ولا يشفي غليل.
وإياكِ إياكِ والغيرة في غير مواطنها، واخلقي بينكما وليداً من ثقة، ربيه على حسن الظن، ولا يقل إلا صدقاً، وإن كان مازحاً.
ي.س الرياض مايو 2008
التعليقات (0)