مواضيع اليوم

إلى محمود والي: رغم أن القاتل لا يترك أدلةً تدينهُ

حسين جلبي

2012-09-27 16:41:52

0

ليس هناك دليلٌ واحد على أن حزب العُمال الكُردستاني هو من إرتكب جريمة إغتيال الشهيد محمود والي، في الوقت ذاته ليس هناك دليلٌ واحد ينفي إرتكاب الحزب لتلك الجريمة، لكن بالمقابل هناك ألف قرينة و قرينة تدل على وجود بصمات الحزب عليها، كما أنه ليست هناك قرينة نفي واحدة لصالحه، قرائن الإثبات التي لا تُعد و لا تُحصى، و بعضها دلائل دامغة، يمكن أخذها من مسيرة الحزب الحافلة بالدماء الكُردية، و من تعامله مع والي ذاته، و إذا كان الحزب يعتبر صمت الخائفين نتيجة الإرهاب الذي يمارسه دليلاً على براءته، فهذا (الدليل) فاسدٌ و مؤقت، و لنا في نهاية النظام السوري القريبة عبرةً لأولي الألباب، أما إذا كان يعتقد بأنه برأ ساحته ببيانه الركيك، الخائف، المضطرب و الغيرمترابط، الذي حشر فيه كالعادة أردوغان و العرب المعادين لحاضنته النظام السوري، و الذي أصدره بُعيد إرتكاب الجريمة، فإنه لم ينجح في ذلك.  

تشبه أحوال حزب العمال الكردستاني أحوال النظام السوري في جوانب كثيرة تصل أحياناً حد التطابق، و في موضوع الإغتيال السياسي لا بُد من الإشارة إلى كيفية إزاحة الطرفين لخصومهما، و التي تبدأ بالإغتيال المعنوي و تنتهي بالتصفية الجسدية. على مدى تاريخ النظام السوري في لبنان و حتى في سوريا، كان أعدائه المحليين و ليس حلفائه هم الذين يُقتلون، كان النظام يبرر ذلك بأن عدوه، و هو هنا (العدو الصهيوني) حسب تعبيره، يسعى بهذه الطريقة لإحراج النظام المقاوم و الممانع من خلال الإيحاء للآخرين بأنه هو من إرتكب تلك الجرائم، و مع أن تلك الإغتيالات كانت تصب في مصلحة النظام، و كانت أصابع الإتهام تشير إليه كونه المستفيد الوحيد منها، و بصرف النظر عن ظهور دلائل متزايدة على إرتكابه لها، فقد بقي حلفائه في منجى من رصاصات عدوه، رغم أن هؤلاء كانوا يتحركون بحرية، و أكثرهم حتى دون إجراءات أمنية تذكر، في حين تساقط خصومه واحداً تلو الآخر، رغم أن معظمهم كانوا في بروجٍ محصنة، ويتبعون إجراءات أمنية غاية في التعقيد، كما كان الحال بالنسبة للشهيد رفيق الحريري.

الأمر ذاته ينطبق بحرفيته على حزب العمال الكردستاني في سوريا، فجميع الذين إستشهدوا، سواءٌ قبل بدء الثورة أو بعدها، لم يكونوا على وفاقٍ معه، البعض من الضحايا إتهم الحزب بشكلٍ واضح بأنه كان وراء محاولة سابقة لإيذائه، مثلما فعل الشهيد مشعل تمو قبل إغتياله بأيام قليلة في معرض حديثه الموثق عن محاولة خطفه و إغتياله من قبل الحزب العتيد، و هنا لماذا يجب علينا أن نكذب دماء الشهيد تمو و نصدق نفي الحزب؟ بعض العمليات أنفضح أمرها و لم يعد في إمكان حزب العمال إنكارها، بل مضى فيها أبعد مما خطط لهُ بعد أن خرجت عن السيطرة، كما كان عليه الحال في محاولة خطف عبدالله بدرو التي تطورت إلى محاولةٍ لقتله، و من ثم قتل إبنه الأول، و بعدها قتل إثنين آخرين من أبنائه، و كذلك هو الحال في عملية إبادة عائلة الشيخ نعسان التي تطورت من الإعتداء بالضرب على إمرأة مسنة من العائلة، و ذلك في منتصف الليل و في عقر دارها، إلى إرتكاب مجزرة بحق زوجها و أبناءها. و هكذا دواليك بالنسبة لعمليات الإعتداء بالضرب و الخطف و القتل، حيث يلاحظ إنه لا يوجد واحدٌ من بين الضحايا من أعضاء الحزب أو من المقريبن منه، إذ أن جلهم ممن كان الحزب يعتبره و تحت ذرائع شتى خصماً له، و هنا نتمنى بطبيعة الحال السلامة للجميع، أعضاء الحزب و خصومه أيضاً، لكنني أختم الفقرة بالتذكير بأن حزب العمال للكردستاني هو الوحيد الذي يمتلك السلاح و الملثمين و السجون و الإمكانيات السلطوية للقيام بمثل تلك الأفعال، إضافة إلى أن ما يجري ماركة مسجلة بأسمه.

سبق لحزب العُمال الكُردستاني أن أختطف الشهيد محمود والي مع رفيقٍ له هو الناشط محمد يوسف، قصة الخطف معروفة و لا يمكن إنكارها أو إخفائها، إتصل أحد الجيران و هو عضو في الحزب العمالي بالشهيد مساء الخميس طالباً منه الحضور إلى منزله للتباحث في مظاهرة الغد، أخبره السيد والي أن عنده رفيقاً له في الحراك الشبابي، فطلب المتصل منهما الحضور معاً، و هو يمني النفس بضرب ناشطين إثنين مرةً واحدة، كان الأمر كميناً كما تبين لاحقاً، بعد خُطف الإثنين إلى البراري تم ضربهما طوال الليل، و من ثم رميهما في قرية (علوك) التابعة لريف مدينة سريه كانيه (رأس العين)، بقية القصة معروفة للجميع، لكنها لم تنتهي عند ذلك الحد، فقد إستمر تهديد الشهيد بالخطف و القتل حسبما كان يدلي به شخصياً، و هنا أتساءل ثانيةً: لماذ علي تكذيب أقوال أبو جاندي التي أثبتتها دمائه، و أصدق بيان هزيل، صادر عن جهة مشبوهة يجهل الجميع تكوينها، و لا يعرف أحد من يديرها أو يوجهها، و ماهية إرتباطاتها و أجنداتها. لم يتم قتل المختطفين في ذلك الوقت بإعتبار الحِراك الثوري كان في أوج فورته، و كان الحزب يرى الضرب وسيلةً أُخرى مناسبة تدشن عودته إلى الساحة السورية، كان الحزب يرغب بجعل الناشِطَين والي و يوسف عبرةً للآخرين، فهو كان يعتقد أن هذا الأسلوب الذي سبق أن مارسه مراراً و تكراراً كافٍ لتخويف الآخرين، و جعلهم يتحسسون رؤوسهم، و في المحصلة إستعادته أمجاده الغابرة.   

عمليات الإغتيال و الخطف و التشبيح التي تجري في المناطق الكُردية في سوريا تشبه تماماً تلك التي كان حزب العُمال الكُردستاني ينفذها في إحدى المراحل في المناطق الكُردية في تركيا، حيث أدت إلى ما أدت إليه من قتلٍ و جرحٍ و تدمير، و كذلك من تهجيرٍ واسع الناطق من المنطقة نحو أحزمة الفقر المحيطة بالمدن التركية البعيدة و العالم، بطبيعة الحال لا يمكن أنكار الدور التركي الشريك في العملية.

إذا كان الكُرد بإنتظار أدلة أكثر مما هو متوافر الآن ليخرجوا عن صمتهم فإن إنتظارهم سيطول و سيكلفهم غالياً، فمن المستحيل أن تتكرر قصة ميشال سماحة مرةً أُخرى، بحيث يصعب تصور قدوم أحدهم من دمشق بإتجاه المنطقة الكُردية، و هو يقود مسرعاً دراجة نارية بثلاث عجلات محملة بعبوات متفجرة، في حين أن المرافق قد قام بتصوير الفيلم بقلم تصوير.

قد ينجح المجرم في عدم ترك دليل ضده على مسرح الجريمة، و قد ينجح في إخفاء وجهه من خلال التحرك ملثماً على ذلك المسرح، لكنه غالباً ما يفشل في مسح ظلاله التي يراها الناس بوضوح عليه، الظلال التي يتأكد وجودها يوماً بعد آخر، كونها نتيجة عملية تراكمية رسمتها مسيرة جُرمية مليئة بالأدلة و البراهين. 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !