لماذا يواصل الإخوان النجاح في مصر؟
وإلى متى يقبلون بلعبة الديمقراطية ؟
درج مرشحي حزب "الإخوان المسلمين" المحظور في مصر على خوض الإنتخابات التشريعية والبلدية كمستقلين منذ حظر نشاط هذا الحزب السياسي الأصولي رسميا عام 1954م إثر تدبيره وتنفيذ كوادر القتل به لمحاولة الإغتيال الفاشلة التي تعرض لها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر خلال إلقائه لخطاب له في تجمع جماهيري بالإسكندرية نوفمبر 1954م.
ولكن بعد التجربة الديمقراطية الخجولة التي كرسها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ، والتي لا تزال مستمرة في عهد خليفته محمد حسني مبارك ، فقد بدأ جليا أن حزب الأخوان المسلمين يمثل المعارضة الرئيسية للحزب الوطني ونظامه السياسي الحاكم.
ومع إقتراب موعد إجراء الإنتخابات التشريعية في مصر المقرر لها يوم 28/11/2010م الجاري فإن الأنظار تتركز حول عدد المقاعد التي سيحصل عليها الإخوان المسلمين في البرلمان وكذلك تتفاوت التنبؤآت حول الدور الذي سيلعبه الحزب خلال الفترة القادمة من عمر البرلمان.
في الانتخابات البرلمانية السابقة حصل الأخوان المسلمين على خمس المقاعد في البرلمان المصري عقب إنتخابات عاصفة وصفت بعدم الشفافية والإنحياز التام لمصلحة الحزب الوطني الحاكم.
إمرأة مصرية من عامة الشعب تمشي الهوينى أمام لوحة دعائية لمرشح من الأخوان المسلمين ممزقة بفعل فاعل (الحكومة طبعا) في منطقة الشرقية شمال مصر .
وعلى الرغم من أن حظر حزب الأخوان المسلمين في عام 1954م إنما كان بحجة عدم السماح بالخلط بين الدين والسياسة ولا يزال ؛ إلا أن غالبية الشعب المصري يعتقدون أن الحظر الذي تم تشديده مؤخرا سببه مخاوف الحزب الوطني الحاكم بأن الأخوان المسلمين يشكلون تحديا رئيسيا لهم في الإستمرار والبقاء على كراسي الحكم والإستفراد بالقدر الجوهري من كيكة السلطة والثروة. مع حرص مدروس على ترك الفتات للبعض الآخر من المعارضة الهائمة على وجهها وسط حاويات القمامة في أزقة الحي السياسي وشوارعه الخلفية.
المرشحة عن حزب الأخوان المسلمين "الطبيبة هدى جهينة" (42 سنة) خلال مخاطبتها لمجموعة من مناصراتها تجمعن داخل منزل إحدى قريباتها بالقاهرة ... الطبيبة هدى جهينة أخصائية أمراض جلدية وتناسلية . وهي عضو بجماعة الأخوان منذ سن مبكر من حياتها الدراسية لكنها بسبب حظر نشاط الحزب السياسي وعدم الإعتراف به رسميا رشحت نفسها كمستقلة . ويتضمن برنامجها الإنتخابي إصلاح التعليم وتحسين رواتب المدرسين . وكذلك بذل الدولة عناية صحية أفضل لعامة الشعب ووضع برامج فعالة لمحو الأمية المستشرية بسبب تزايد معدلات الفقر ... كما تعد أيضا بالعمل على منح المرأة العاملة إجازة وضع مدفوعة الأجر .... وتحرص على التأكيد بأن على المواطنيين المصريين المسلم منهم والمسيحي على حد سواء العمل جنبا إلى جنب ودون تمييز لنهضة مصر.
حرصا منه على إعادة إنتخابه لدورة برلمانية جديدة فإن "محسن راضي" النائب البرلماني الحالي عن جماعة الأخوان المسلمين الظاهر على يمين الصورة (بالبدلة الأفرنجية الأنيقة) التي تتماشى مع شعار وذريعة الرفاهية الإخواني (ولا تنسى نصيبك من الدنيا) يجلس وسط الشيشة والمعسل والجوزة داخل إحدى المقاهي الشعبية في مدينة "بنها" وقد إنشغل بالتحدث إلى مجموعة من الناخبين الفقراء داخل جلابيبهم البالية في محاولة منه لإقناعهم بمناصرته والوقوف إلى جانبه في الانتخابات المقبلة.
يقول النائب البرلماني الإخواني "محسن راضي" :- "لانخطط للفوز بهدف تشكيل حكومة " .. ثم يواصل قوله :- "المشاركة وليس النصر هو شعارنا".
وبنحو عام يتوقع الأخوان المسلمين أن يحصلوا في إنتخابات 28/11/2010م على أقل من ثلث المقاعد في البرلمان المصري . وهي نفس النسبة التي حصلوا عليها عام 2005م .
ومن جملة ما يقال عن إستراتيجية هذا الحزب في المرحلة القادمة يبرز الإهتمام بتوسيع وتنمية القواعد الأساسية لمنسوبي حركة الأخوان المسلمين لاسيما ما يتعلق بالفعاليات التي تسهم في ضم المزيد من النشء الجديد كمناصرين وأعضاء وكوادر ملتزمة فاعلة مستقبيلة إضافة إلى تأصيل المشاركة في العملية السياسية وليس العمل على تغيير النظام الحاكم .
عقب حدوث إنزلاق أرضي عام 2008م راح ضحيته العشرات من المواطنين المصريين الفقراء من سكان هذه المنطقة العشوائية بالقاهرة . سارعت جماعة الأخوان المسلمين لمد يد العون والمساعدة للأهالي عبر جمع التبرعات لهم وتوزيعها على هيئة مؤن غذائية وخيام وغير ذلك من مستلزمات المأوى العاجل وإعادة بناء ما تهدم من عشوائيات وترميم بعضها الآخر. وكذلك كانوا قد سبق وفعلوا المثل لمساعدة أولئك الآخرين من أسر ضحايا والمتضررين من زلزال القاهرة عام 1992م . وهو الأمر الذي أتاح لهم بعض المصداقية في جانب الخدمات والرعاية الإجتماعية (المباشرة) وما تقتضيه من تطبيقات عملية وجه إليها القرآن الكريم ومن ضمنها ضرورة إغاثة الملهوف ونجدة المنكوب وقضاء حوائح الناس .... وهو أمر يغيب بالفعل عن ذهن وتخطيط معظم الجهات الرسمية الحكومية والأمانات العامة لأحزاب السلطة الشمولية المتعجرفة في بلاد العالم الثالث المتخلفة ، والتي عادة ما يدفعها سلحفائية الروتين وعدم الشفافية والبيروقراطية والغرور والإرتكان إلى بطش وهراوات وغازات أمن الدولة المسيلة للدموع إلى النوم في العسل تارة ، واللجوء تارة أخرى إلى سياسة بذل الوعود المعسولة والبراقة الجوفاء دون تطبيق عملي لما تتشدق به ألسنة قادتها وكوادرها وممثليها وأبواقها الدعائية من أقــوال.
من جهة أخرى يخشى الأقباط المصريون من أن التوتر بينهم وبين جماعة الأخوان المسلمين ستزداد حدته ووتيرته إذا حصل هؤلاء على السلطة. وآخرون من هؤلاء الأقباط يخشون من أن يؤدي وصول الأخوان للسلطة إلى تقليص الحريات والحقوق العامة للمواطن المصري وخاصة تلك التي تتمتع بها عموم النساء المصريات حاليا مسلماتهن وقبطياتهن على حد سواء.
ومن جانبهم ينفي الأخوان المسلمين هذه المخاوف ويقللون من شأنها مشيرين إلى أن الأقباط يجدون على سبيل المثال نفس المعاملة الإنسانية والإهتمام الذي يجده المسلمون في جانب تلقي العلاج المجاني أو بأسعار رمزية في المراكز الصحية التي يمتلكها ويديرها الحزب داخل الأحياء الشعبية في مصر.
فتاة مصرية تقوم بتسميع آيات من الذكر الحكيم أمام معلمها داخل مدرسة إسلامية تابعة للأخوان المسلمين في القاهرة حيث تتركز وعود المرشحين بضرورة إصلاح العملية التعليمية ...... مثل هذه المدارس الدينية ينظر إليها في العالم الغربي وإسرائيل بالكثير من الشك والريبة على زعم بأنها مؤسسات لحضن وتفريخ المتشددين الإسلاميين على نسق الطالبان في الجانب الآسيوي.
على الرغم من وجود أكثر من (20) حزبا معارضا للحزب الوطني الحاكم في مصر إلا أنها تظل مجرد أحزاب كرتونية ونمور من ورق لا وجود لها على الأرض .. بل يظل قادتها مجموعة طراطير وأرجوزات في يد الحزب الحاكم ومستلزمات معارضة إسمية وديكور مسرحية هزلية ، ووسائل زينة ديمقراطية تخدم النظام الحاكم أكثر مما تعمل على ضعضعته وإضعافه ..... ويبقى الأخوان المسلمين وحدهم هم المعارضة الحقيقية التي يعول عليها حتى مع عدم إعتراف الدولة رسميا بهم وحظرها نشاطهم كحزب سياسي منذ عـام 1954م
الجيش المصري ..... عرف عنه إنضباطه وإبتعاده عن التدخل في اللعبة السياسية منذ تنفيذه لآخر إنقلاب عسكري عام 1952م . فهل يستعين به الأخوان المسلمين (حين اليأس من العملية الديمقراطية) يوما أو ليلة ما للوصول إلى كراسي الحكم مثلما جرى في السودان عام 1989م؟ ........ لقد عودنا تاريخ وادي النيل على مر الزمن أن الأحداث وردود الأفعال تتشابه وأن التاريخ دائما ما يتقلب على جنبيه وظهره وبطنه ويعيد نفسه بين جنوب وشمال هذا الوادي الحضاري منذ ما يقرب من 7000 عام قبل الميلاد.
التعليقات (0)