إن حرية الأعتقاد الدينى هى حق من حقوق الإنسان التى وهبها الله للبشرية ، لكن الشعب العربى والشعب المصرى خاصة لم يفهم بعد هذه الحرية إلا فى إطار الدكتاتورية الدينية والبغض والكراهية للآخر ومحاولة أسلمته بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة وللتأكيد أن مصر ليست للجميع بل للمسلمين فقط ، كل هذا أدى مع الأيام إلى تدهور وتوتر العلاقات الإجتماعية بين مواطنى مصر .
أقول ذلك بعد أخبار المظاهرات القبطية داخل ساحة الكاتدرائية المرقسية بمصر تعبيراً عن الإحباط والغضب من المسئولين الذين " عاملين ودن من طين وودن من عجين " على مدار سنوات وتاريخ طويل أدى إلى تكاثر المشاكل وتنامى الأزمات فوق رأس الأقباط الذى لم يستقر بعد القاموس العربى العنصرى لصاحبه العبقرى إسلام العربى الفصيح على وضع تعريف واضح وصريح لهم ، فتارة يقول بأنهم أهل كتاب وتارة يقول بأنهم كفار وتارة بأنهم أقلية وتارة يقول بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية وتارة يقولون أنهم مواطنين مصريين أى بشر وليسوا من فئة الحيوانات وتارة يقول أنهم غرباء أجانب دخلوا مصر وأستعمروها بقوة السيف ، وتعددت التعريفات والتخريجات لهؤلاء الأقباط ، لأن المشكلة أساساً تقبع فى عقل المصرى المسلم الذى يريد أسلمة شعب مصر ليحقق هدف الإستعمار الإسلامى الذى أستعمر مصر وشعبها بالسيف والنفاق منذ ألف وأربعمائة سنة .
شعب مصر الذى يعيش تحت دستور يعلن أن الإسلام هو دين الدولة بما يعنيه هذا من قوانين وشرائع وأمتيازات يتمتع بها الفرد المسلم على حساب الفرد المسيحى الذى لا ذنب له إلا أنه يؤمن بدين آخر ، إلا أن المشكلة التى لا يفهمها العقل ببساطة أن الدين عند الله الإسلام والله أى إله المسلمين لن يقبل من البشر ديناً آخر غير دين الإسلام مما يعنى أن بقية مواطنى مصر الذين لا يؤمنون بدين الدولة الرسمى هم كفار وإجبارياً يدفعون الجزية وهم صاغرون أذلاء " آخر عظمة ! " وإن كانت قد تغيرت وخجل منها المشرع المصرى العصرى فأصبحت ضريبة مستترة يتساوى فيها مع بقية المصريين إلا أنه لا يستفيد منها كلها فى خدمات وطنه ، لأن المستفيد بالنصيب الأكبر هو المواطن المسلم كما سيأتى ذكره لاحقاً فى بناء المعاهد الأزهرية وغيرها، ويعنى أيضاً عدم موالاة الكفار وعدم التودد إليهم أو إظهار المحبة لهم سواء فى السر أو العلن لأن الإسلام نهى المسلمين عن ذلك .
يعنى أيضاً دين الدولة الرسمى الإسلام أن يعيش المواطنين المسيحيين حالة من القهر والإحباط نتيجة الظلم والأعتداءات المتكررة على حقوقهم الدينية والدنيوية من جانب المواطنين العاديين أو بمساندة الأجهزة الأمنية فى مصر المحروسة أو من أجهزة الدولة نفسها ومثال لذلك ما يحدث فى صعيد مصر الآن بتحريض من أمين الحزب الوطنى المصرى على أسلمة القبطيات وتواطئه مع جماعات الإصوليين الإسلاميين لتحقيق ذلك الهدف البغيض ، أو بالتواطؤ على أسلمة القبطيات وخطفهم أو إخفائهم بطريقة " طاقية الإخفاء " مثل ما حدث فى بلدة أبو المطامير بمحافظة البحيرة وفشلت محاولات ذويهم فى العثور عليهم لأنهم فى حماية رجال الجماعات الإسلامية فى أجهزة الأمن المصرى .
وبالرغم من تزايد الأحتجاجات على تلك الأوضاع المخجلة فى حق رئيس الجمهورية مبارك وفى حق أحمد نظيف رئيس الوزراء ، إلا أن الأبواق الإعلامية المصرية تعمل بالمبدأ " أكفى على الخبر ماجور " فهى تعمل دائماً على عدم نشر أخبار المظاهرات أو الأحداث المؤسفة أو أصوات الرفض والأحتجاج والمعاناة التى يعيشها الأقباط خلف قضبان سجون المجتمع المصرى نتيجة إنعدام العدالة التى تكون دائماً فى صف المسلم المؤمن وضد المسيحى الكافر !
مشكلة المشاكل المصرية لن تنتهى لأن رؤساء مصر السابقين واللاحقين يعرفون كيف ينافقون شعبهم ويضحكون عليه ، كما فعل الرئيس مبارك مؤخراً بأن هبط عليه الوحى فجأة وأكتشف بأن الأقباط لديهم أعياد وأكتشف أن الدولة وعلى رأسها حكامها أغتصبت حقوقهم فى أعتبار أعيادهم هذه أو على الأصح عيد الميلاد أجازة رسمية ، أكتشف الرئيس مبارك مدى التقصير تجاه الأقلية القبطية بعد كل هذه السنين الطويلة من عمره ومن عمر رئاسته على سدة الحكم المصرى ، أكتشف فجاة أن إلهه أو رسوله قد أوصاه بأقباط مصر خيراً كما تزعم كتب التراث والحكاوى الشعبية العربية حتى ينهب ثرواتهم بأسم الغزو أو الإستعمار أو الفتح الإسلامى ، المهم أن الرئيس قرر نفاق الأقباط وأعتبار يوم العيد هذا أجازة رسمية ، ولن نسأل كان فين سيادة الرئيس على مدى السنوات الطويلة الماضية ولن نسأله هل هذه الأجازة قد عالجت مشاكل الأقباط أم أن الأحوال أسخم وأضل ؟
كل هذا الكلام أصبح معروفاً عند الكثيرين الذين يتابعون الأحداث فى مصر المحروسة ، ويعرفون جيداً أن الإسلام أصبح لعبة خطيرة أدمن عليها الحاكم والمحكومين ، فالمشكلة ليست فى إشهار إسلام عشرات القبطيات بالرضى والأقتناع ، فالحرية يجب أن تكون متاحة بالقانون لجميع أفراد المجتمع المصرى لمسلميه أو لمسيحييه وليس فقط للقبطيات ليرتدوا عن دينهم ، فى حين هذه الحرية مرفوضة للمسلمات حتى لا يرتدوا عن دينهم ويخضعوا للموت ، الحرية لا يجب أن تكون حكراً على الأقلية لصالح الأغلبية المسلمة حتى يتحقق الهدف الأزلى المخفى وهو أسلمة شعب مصر بالرضى أو بالإكراه ، المشكلة أننا أمام تيارات متنامية لجماعات إسلامية تساندها أجهزة الحكومة والحزب الوطنى وسائر أجهزة الدولة تعمل جميعاً على أسلمة قبطيات مصر وإكراه من لا يريد ذلك إما بالهجرة أو بأن يعيش تحت القمع والقهر والإحباط ومضايقات العمل والوظائف الحكومية .
مشكلة مصر عدم وجود الحاكم المحايد أو السياسى المحايد أو المعارض المحايد الذى يعمل من أجل خدمة وطنه ومواطنيه ، مشكلة العقلية المصرية أن الدين أو الإسلام بعبارة أدق غزا أفكارها ومشاعرها بعنصرية رهيبة ضد بقية البشر الذين يشاركونهم نفس الوطن ، وجعلهم يترأسون على هؤلاء الأقباط وينظرون إليهم على أنهم كفار أصاغر مرفوضين بحكم كتابهم الدينى ، وأعطاهم هذا الحق فى تأسيس آلاف من المعاهد الأزهرية التى تبلغ كلفتها ونفقاتها السنوية ملايين ومليارات الجنيهات والتى يدفعها جميع مواطنى مصر مسيحيين ومسلمين إلا أن المسلم هو الذى يتمتع بالدراسة فيها ، وأتمنى أن أجد أحد من مواطنى مصر يفكر فى هذا الظلم وفى هذا الأغتصاب الصريح لحقوق وأموال المسيحيين الأقباط لصالح الأغلبية المسلمة ويقول قول الحق وينادى بتحقيق العدل والمساواة بين مواطنى مصر المحروسة !
ستظل مصر المحروسة وأبواقها الإعلامية الرسمية تزرع الفتن والطائفية والتكفيرية بخطابها الإعلامى الدينى العنصرى الذى يسبح بحمد الدين الرسمى للدولة وأبتهاج الجماهير وأحزاب المعارضة المتأسلمة بأقتراب إعلان مصر خلافة أو مستعمرة إسلامية خالية من الكفار !
متى يخرج علينا المتحدث الرسمى بأسم رئاسة الجمهورية ليؤكد " أن الرئيس وحكومته تتابع بأهتمام وعن كثب تطورات الأحداث المؤسفة التى أصابت المواطنين القبطيين وسيتم إجراء تحقيق فورى لتقديم المسئولين ومسببى تلك الاحداث إلى العدالة " هل يمكن حدوث ذلك ؟ يحتاج ذلك إلى معجزة ونحن لسنا فى عصر المعجزات.
كلمة ليست أخيرة : أتركوا الدين لله وحاولوا إنقاذ وطن الجميع !
2004 / 12 / 10
التعليقات (0)