يبدو أن النظام المصرى يمارس لعبة الشطرنج الشهيرة ويحرك لاعبيه كما يشاء ، لأنه اللاعب الوحيد المسموح له بتحريك قطع الشطرنج وبقية الشعب المصرى جالس يتفرج على تلك المبارة الحكومية يتابع أخباره لاعبه الكبير رئيس الجمهورية الذى يعالج فى ألمانيا ويتمنى له الشفاء العاجل ليعود إلى أرض الملعب ليستكمل تحريك قطع الشطرنج الأبدية.
حيث تتواصل الأنباء المصرية عن أستقالة وزير الإعلام المصرى ليرتقى السلالم والأعتاب الحكومية ليتسلم منصب رئيس مجلس الشورى ووسط التكهنات الكثيرة بأسم الوزير الجديد للإعلام ، يبرز من جديد السؤال : بأعتبار مصر رائدة دول المنطقة ، لماذا لا تبدأ بإلغاء وزارة الإعلام ؟
ليس حلماً بعيد المنال خاصةً ونحن نعيش فى زمان تطورت فيه كل شئ ولم يعد هناك أحتياج إلى وزارة حكومية للإعلام تعبر عن الدولة العصرية والحزب الحاكم وتروج لسياساته وتسيطر على كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ، ولا يوجد معنى ديمقراطى يجعل حكومة مصرية تقيم لنفسها وزارة دعائية بأموال شعبها !
بنظرة بسيطة لواقعنا الإعلامى الحكومى يظهر جلياً أن الإعلام العربى هو إعلام أستفزازى قائم على ضرورة جذب وكسب القراء سواء بطريق مشروع أو غير مشروع ، بطريق النفاق وأنصاف الحقائق ،
إعلام يلعب بالعواطف الدينية للشعوب ، يلعب بعقولهم البسيطة التى لا تفقه إلا اليسير فى دينها ، وتجهل ألاعيب المتسلطين على أجهزة إعلامهم ، إعلام يهدم ما لا يعجبه مستخدماً سيف الدين ليقطع لسان من يتجرأ ويرفع صوته بالأعتراض . إعلام رسمى حزبى ينشر أفكار أصحابه المريضة من ذوى الأمراض النفسية الذين يحاولون الأنتقام من كل صوت ينادى بالتغيير أو بالإصلاح أو بحقوق الإنسان ، يريد هؤلاء المرضى النفسيين تعطيل مسيرة الثقافة المصرية وتقطيع أقلام المفكرين والدفع بالقوى الأصولية للكراسى التقدمية فى إعلامنا مما يسمح لوزير العدل بأن يجعل من الأزهر رقيباً على فكر العقول!
الإعلام الحكومى العربى الذى يجعل المواطن المصرى ينسى همومه وهو يشاهد نشرات الأخبار التى تنقل له مستجدات الحرب العراقية والأغتيالات ويهتف فجأة : الله أكبر . والسبب أن جماعات الإرهاب دمرت أو قتلت أو قطعت رؤس المختطفين من الأجانب أو العراقيين من رجال الأمن والشرطة!
الإعلام العربى الذى يكيل بمكاييل كثيرة ويعتمد سياسات التمييز دون رقيب من بشر أو إله ، والوحيد القادر على وقف المهاترات والتجاوزات فيه هو رئيس الجمهورية وهو فى الغالب رجل ديمقراطى لا يتدخل فى شئون القضاء والعدالة ، مما ساعد على تدهور الأنتماء الوطنى وتربع الأصوات الأصولية على كراسىالإعلام الذى أتاحه النظام الحكومى لأساتذة الأرهاب عندما ترك أصواتهم تعلو وتحتل مساحات كبيرة بوسائل الإعلام المختلفة .
أستمرار وزارة الإعلام فى الوجود ليس علامة على الديمقراطية بل على الدكتاتورية التى تحتكر إعلام الوطن لفرض قراراتها وحجب مشاكل المواطنين الحقيقية التى ترغب فى تهميشها ثم إهمالها لتموت مع أصحابها وتصبح فى ذاكرة التاريخ حية .
أحتكار وسائل الإعلام للسيطرة على عقول الناس هى طريقة قمعية لا مكان لها فى عصر المعلومات ، مثلها مثل الأجهزة الرقابية التى تعيش على أوهام العقلية البدوية العشائرية وتعمل بكل طاقتها على إقصاء الآخر .
مجتمعنا المصرى فى حاجة إلى خطاب إعلامى جديد يخلو من أصوات التطرف الدينية ويسوده أحترام جماعى لحقوق الإنسان ، خطاب إعلامى يفصل القضايا الدينية عن الدنيوية من أجل تطوير وإزدهار حقيقى للثقافة المصرية يسعى لنبذ سياسة التعصب الدينى المستورد التى غزت الإعلام المصرى وصبغته براياتها السوداء .
إعلام مصرى واحد فى مجتمع وطنى واحد يعبر عن هوية واحدة لكل المصريين الذين أبدعوا فى الماضىحضارة فرعونية نتمنى أن تستعيد مصر دورها الحضارى فى بناء مجتمع عصرى ، بعيداً عن العشوائية والفهلوة والأرهاب الفكرى.
هل ستفتح القيادة المصرية فصلاً جديداً فى البحث عن الذات المصرية الأصيلة بإلغاء وزارة الإعلام كبقية دول العالم المتحضر ؟ ... ننتظر هبوب رياح التغيير فى مصر أم الدنيا بلد العجايب ورجوع ريسها إللى غايب !
2004 / 6 / 29
التعليقات (0)