ا
إننا نتصرف كأننا ولدنا يوم 17 فبراير مع أن ليبيا لها تاريخ طويل ومشرف كان أخره قيام المملكة الليبية في سنة 1951 .وبعد القضاء على حكم الطاغية الذي إستمر 42 عاما الصفحة المظلمة في تاريخ ليبيا فشلنا في العودة إلى تاريخنا الغني بالأمجاد والمنجزات . كان علينا أن نبني دولتنا الجديدة استمرارا لفترة ما بعد النظام الملكي على أساس ما حققناه في 17 عاما من الأستقلال في فترة حكم الأدريس العظيم . فلنا دستور سنة 1951 الذي كان الدستور الأول والوحيد الذي شارك في وضعه خبراء الامم المتحدة وبني على مبادئ ميثاق منظمة الأمم المتحدة الوليدة في ذلك الوقت وهو إمتداد لميثاق الأمم المتحدة وكيف تحكم الأمم نفسها في إطار هذا الميثاق . لا شك أن العالم يتغير لكنه يبني مستقبله على أساس خبرته من الماضي ، ونحن في ليبيا نستطيع ان نعتمد على أخر دستور للبلاد لسنة 1961 المعدل في سنة 1963 كأساس لدستورنا الجديد مع إجراء التعديلات التي تقتضيها ظروفنا الجديدة كتغيير النظام الملكي إلى نظام جمهوري باستفتاء شعبي وإعطاء الشعب مزيدا من السلطات بتفويض مجلس الامة الليبي حق تعيين الحكومة وإقالتها وتولي كل السلطات التي أعطاها دستور 1951 للملك ، وجعل رئيس الدولة رمزا للدولة لا يحكم إنما ينفذ قرارات ممثلي الشعب في مجلس الأمة . بالأضافة الى العودة إلى دستورنا لسنة 1951 علينا النظر في القوانين التي أعتمدت خلال فترة النظام الملكي وتعديلها وفقا لظروفنا الجديدة ، والأستفادة ايضا من منجزات الأباء والأجداد في خلق دولة مثالية من العدم وكيف إستطاعوا نشر التصالح بين القبائل والمدن ونشر الأمن في أرجاء البلاد في الفترات الأولى للأستقلال . وأود هنا أن أشير إلى قرار المؤتمر الوطني العام أخيرا بأعتماد قانون إلغاء الفوائد الربوية دون الاستفادة من خبراتنا السابقة حول هذا الموضوع الهام الذي سبق أن عولج في الماضي أثناء الحكم الملكي الذي كان يعتير الشريعة الأسلامية مصدرا للتشريع . وقد جاء حول هذا الموضوع في مذكراتي على العهد الملكي صفحة 249 ما يلي :-
في الفترة التى تولى فيها الشيخ سالم لطقي القاضي رئاسة مجلس الوزراء بالنياية نظرا لغياب السيد حسين رئيس الوزراء في أجازة خارج ليبيا إستغل الملك إدريس رحمه زيارة رئيس الوزراء بالوكالة له في طبرق وسلمه عن طريق سكرتيره الخاص ثلاثة مراسيم لإصدارها بقوانين قبل مناقشتها معه، ولتنفيذها حالًا أثناء العطلة البرلمانية الصيفية حتى لا يؤخر تنفيذها ، ورفض الملك مناقشتها معه بعد أن سلمت له كما يقول الشيخ سالم القاضي نفسه. وكانت هذه المراسيم الثلاثة تتعلق بإلغاء الفوائد الربوية لقروض البنك العقاري والبنك الزراعي وكذلك البنك المركزي. وأذكر أن نائب رئيس الوزراء إستدعاني حال وصوله للبيضاء إلى بيته الملاصق لبيتي وأخبرني بأن الملك لم يشاوره في إصدار هذه المراسيم الثلاثة، وهي خطرة على الاقتصاد الليبي الذي يقوم على الاقتصاد المصرفي الحر. وبعد إستشارته للمستشار المالي عرضها حالًا على مجلس الوزراء وحاول إقناع الوزراء بالموافقة على مرسومي إلغاء الفوائد على قروض البنك العقاري والبنك الزراعي فهي اموالا حكومية تستطيع الدولة الأستغناء عن فوائدها . وفعلًا وافق مجلس الوزراء عليهما وصدرا في الحال. أما مرسوم إلغاء الفوائد على عمليات بنك ليبيا المركزي فقد لاقت معارضة من المستشارين والوزراء، وعارض نائب محافظ بنك ليبيا أنذاك إلغاء الفوائد على قروض البنك المركزي وإنعكس هذا الرفض في سير مناقشة مجلس الوزراء ، وحاول رئيس الوزراء بالوكالة بحنكته وخبرته السياسية أن يقنع الجميع بإلغاء الوظيفة التجارية لبنك ليبيا المركزي والإبقاء عليه كبنك مركزي فقط بحيث لا يتعامل مع الليبيين بالفوائد الربوية، مع الإبقاء على نظام الفائدة في إستثمارات البنك في الخارج حتى لا تحرم البلاد من العوائد التي تجنيها من إستثماراتها في الخارج. ولكن فكرته هذه لم تلق قبولًا لدى الوزراء ولدى البنك المركزي . ولهذا سعى رئيس الوزراء بالوكالة لدى الملك بتأجيل إصدار المرسوم الخاص ببنك ليبيا المركزي لمدة ستة أشهر لدراسة ما يترتب عليه من أثار مالية واقتصادية على البلاد. وهكذا نجح رئيس الوزراء بالوكالة في تخطي أخطر مشكلة واجهته، وتم حفظ مشروع المرسوم الخاص ببنك ليبيا المركزي وتأجيل البت فيه حتى حفظ نهائيًا. (إنتهى الأقتباس) .
إن موضوع إلغاء الفوائد بصفة عامة خطر على الأقتصاد الليبي الحر الذي يعتمد عل التعامل مع الدول الرأسمالية وفي إقتصاد عالمي يقوم على الفوائد للتمويل والأستهلاك . لقد أستفادت ليبيا من النظام المصرفي للبنوك الأسلامية الذي توصلت إليه الدول الأسلامية كحل لألغاء الفوائد الربوية ، وقد إنتشرت البنوك الأسلامية حتى للجاليات الأسلامية في الخارج . لكن نظام البنوك الاسلامية يجب أن يسمح به ألى جانب النظام المصرفي العادي الذي يعمل به العالم اليوم . إني لا أريد الدخول في تفاصيل الموضوع لاني لست من خبراء المال والأقتصاد وأترك مناقشة الموضوع إلى خبرائنا الماليين والأقتصاديين الذين يمكن الرجوع إليهم للأستشارة وإبداء الرأي السليم ، والأستفادة من خبرات دول الخليج ومصر وتونس في هذا المجال والحلول التي توصلوا أليها وعدم التسرع بإقرار قوانين مخالفة للدول الأسلامية في هذا الشأن .
التعليقات (0)