مواضيع اليوم

إلا هذا الحيوان

نزار يوسف

2010-12-07 19:47:28

0

إلا هذا الحيوان

 


الحيوان في العرف و المصطلح العلمي ، هو أي كائن حي يوجد في الكرة الأرضية و يعيش عليها و ضمن نطاقها ، بطريقة من الطرق ، سواء في اليابسة أم في الماء أم في الهواء . و الحيوان في مجال التعريف هذا ( أي الكائن الحي ) ، يقسم إلى أنواع عدة و يندرج ضمن تصانيف مختلفة . فيمكن القول أن الكائنات الحية ( الحيوانات ) تقسم إلى الحيوانات و النباتات و الحشرات مثلاً . و يمكن القول أيضاً أن الحيوانات تقسم حسب الأصناف الرئيسة إلى البري و الطائر و المائي و البرمائي . و من نافلة القول أيضاً أن الحيوانات تقسم حسب فصائلها إلى الفقاريات أو اللافقاريات .. الثدييات أو اللاثديية .. وحيدات الخلية أو الأكثر .. اللاحمة أو العاشبة .. المنتصبة أو الزاحفة .. إلى ما هنالك من تصانيف و تقسيمات علمية مختلفة . و هذه التقاسيم و التصانيف ، تتداخل فيها الحيوانات ( الكائنات الحية ) بمختلف أنواعها ، فتجد مثلاً حيوان ينتمي إلى أكثر من فصيلة في آن معاً كالحمام مثلاً الذي ينتمي إلى فصيلة الطيور و الفقاريات ، أو الإنسان الذي ينتمي إلى فصيلة الفقاريات و الثدييات و المنتصبة .. أو الأفعى التي تنتمي إلى فصلية الفقاريات و الزواحف و لا تنتمي إلى فصيلة الثدييات . و في القرآن الكريم وقع مصطلح الحيوان علمياً على مسمى ( الدابة ) الذي شمل كل الكائنات الحية التي تدب على الأرض ( بما فيها الإنسان و الحشرات )


( ... فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ... ) (البقرة:164)

( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (هود:6)

( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (هود:56)

( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ ... ) (النحل:49)

( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) (النحل:61) واضح هنا أن المقصود هو الإنسان حصراً .

( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (النور:45) لاحظ الوصف العلمي الدقيق الذي تؤيده النظريات العلمية اليوم من أن أصل الكائنات الحية هو الماء .

( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ ... ) (سـبأ:14) وقع وصف الدابة هنا على حشرة العث أو الأرضة التي تأكل الخشب و هي حشرة مشهورة توجد في الأخشاب و تقوم باجترارها و تفتيتها .

على أنه يوجد تقسيم آخر للحيوانات تم فيه تمييز نوع واحد فقط منها ، دوناً عن بقية خلق الله جميعاً من الحيوانات ألا و هو الحيوان الناطق الذي شكل وحده أمة مستقلة متجانسة بذاتها ، دوناً عن بقية حيوانات و دواب الأرض و أممها المختلفة و المتعددة المشارب و الأضراب . و أضحت عبارة الحيوان الناطق عبارة يختص بها جنس وحيد فقط من كائنات الأرض الحية و هو جنس معروف جيداً . و يقال عنه أيضاً الجنس العاقل أو الذي من المفترض أن يكون عاقلاً . فما هو الاختلاف و الفرق بين هذا الحيوان الناطق و بين بقية الحيوانات ؟؟ إليكم الفروق :


1)- كل الحيوانات في كوكب الأرض قديمة جداً ، و موجودة فيها منذ عشرات و مئات الملايين و آلافها . إلا هذا الحيوان الناطق فهو أحدث حيوان وجد على الأرض و لم يأت بعده حيوان آخر . و لم يتعد وجوده في الأرض آلاف السنين . أي بما معناه ( ما له بالقصر إلا من البارحة العصر ) .

2)- كل الحيوانات في كوكب الأرض و طوال مدة بقاؤها و مكوثها فيه منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن ، لم تسئ فيها إلى طبيعتها أو تحور فيها أو تغير من معالمها . إلا هذا الحيوان و منذ ظهوره ، أعمل الإساءة و التخريب في الأرض و غير من معالمها من قلع و حرق للغابات و حفر و تلويث .


3)- كل الحيوانات في الأرض ( من البعوضة و النملة ، إلى الديناصور ) و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن لم تتسبب بأية كوارث طبيعية أو مناخية ضارة في الأرض ، إلا هذا الحيوان فقد أعمل تشويهاً و تدميراً بالطبيعة الجغرافية و المناخية للأرض سواء من حيث الكم الهائل من الغازات الضارة التي تسببها مصانعه و آلياته و حروبه و سمومه الكيميائية و تفجيراته النووية المؤدية للزلازل و البراكين و ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي و الجنوبي و اتساع ثقب الأوزون المؤدي لمرور الأشعة الفوق البنفسجية القاتلة .

4)- كل الحيوانات في الأرض ( من البعوضة و النملة ، إلى الديناصور ) و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن ، لم تتسبب بانقراض جنس أو فصيلة أو نوع حيواني آخر ، حتى المتوحشة المفترسة منها ، لم تفعل ذلك .. إلا هذا الحيوان الناطق فقد تسبب بانقراض أنواع و أجناس عدة من حيوانات و حشرات بسبب أفعاله المذكورة سابقاً و بسبب صيده الجائر المنطلِق من غاية نفعية أنانية أساسها الطمع و الجشع لأجل حفنة من المال لقاء بيع قطع العاج أو الفراء أو مستحضرات التجميل أو ما إلى ذلك .


5)- كل الحيوانات في الأرض ( من البعوضة و النملة ، إلى الديناصور ) و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن ، لم تمارس عملية القتل إلا للغذاء و القوت ، فالقتل عندها هو حصراً عملية افتراس و ليس لمجرد القتل . و شريعة الغاب الموجودة لديها هي من الرقي بحيث تمنعها من التطور إلى أكثر من عملية افتراس فردية للبقاء على قيد الحياة و تنتهي فوراً بمجرد الشبع الآني اللحظي ، فترى السبع بعد أن يشبع ، يتعايش مع بقية طرائده دونما قتال أو أذى حتى معاودة فترة الجوع التي تمتد من أسبوع إلى أشهر و لا يمارس أثناءها القتل لأجل القتل . إلا هذا الحيوان المستجد الدخيل على كوكب الأرض ، و الذي تعدت عملية القتل عنده ، القوت و الغذاء إلى القتل للّهو و الجشع و الطمع و السلب والنهب و الخلاف بالرأي و المعتقد و وصل الأمر إلى حد الإبادة العرقية و الدينية و السياسية . الحيوانات جميعاً لا تقتل بعضها لأجل الخلاف بالشكل أو طريقة التصرف أو الأسلوب أو ما شابه .. أي بمعنى أنها لا تقتل لأجل الاختلاف ، إلا هذا الحيوان الناطق ، فإنه يقتل ويبيد و يدمر لمجرد الاختلاف . لم أسمع يوماً أن السبع قتل القرد لأن القرد يفضّل بناء البيوت على الأشجار و ليس في المغاور ، أو أن صقر قتل أرنب لأن الأرنب يؤمن و يعتقد بالجحور أكثر من عقيدته ببناء الأعشاش العالية ، أو أن النمر الإفريقي يتقاتل مع النمر الأسيوي لأن هذا إفريقي و ذاك أسيوي . إلا هذا الحيوان الناطق فإنه يقتل نظيره في الجنس لمجرد الخلاف بالرأي و يصل الأمر إلى إبادة جماعات بأكملها . 

كل الحيوانات مصممة جسدياً و بيولوجياً للقتل و الافتراس ( مخالب – أنياب – سموم قاتلة – عضلات عاصرة – ضربات قوية قاصمة ) و مع ذلك لا تمارس القتل إلا للأكل أو الدفاع عن النفس . بينما الحيوان الناطق هو بدنياً و فيزيولوجياً غير مصمم للقتل أبداً ( لا أنياب – لا مخالب – لا عضلات قوية – لا سموم قاتلة – لا قوة بدنية – لا قدرة على تحمل الطبيعة مجرداً ) و مع ذلك فهو منذ وجوده و إلى الآن يمارس القتل و الإبادة و التطهير و بطرق وحشية فظيعة لم تُعرف من قبل في تاريخ الأرض . طرق تدمر الحيوان و الطبيعة و ما يمت إليهما من مظاهر .

6)- كل الحيوانات في الأرض ( من البعوضة و النملة ، إلى الديناصور ) و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن تمنح فريستها من الجنس الآخر حق الحياة و تحترم ناموس البقاء و أخلاقياته لفرائسها ، فترى السبع يقتل فريسته و لكنه يبقي على صغاره و يبقي على مسكنه ولا يدمره و لا يمارس التطهير ، و لم يحدث في التاريخ أن أفنى حيوان جنس حيوان آخر . إلا الحيوان الناطق ، فإنه يقتل و يقتل و لا يشبع من القتل إلى درجة الإبادة و التطهير ، منذ أن ظهر على هذه الأرض .


7)- كل الحيوانات في الأرض و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن ، قد طورت نفسها إيجاباً للأفضل سواء لناحية المسكن أو المأكل أو المشغل ، و تكيفت إيجاباً مع ذلك ، جسدياً أو عقلياً عبر ملايين السنين ، ولم ترجع القهقرى أو تنكس إلى الخلف ، إلا هذا الحيوان ، فإنه لم يستطع أن يطور نفسه إلى الآن لخير بني جنسه و فائدتهم ، و كل تقنياته التي طورها أو بالأحرى اكتشفها بالطبيعة ، سخّرها لضرره و ضرر بني جنسه و ضرر الطبيعة و الأرض التي يعيش عليها . و عاد بها القهقرى إلى الوراء ، حتى لربما قد تكون يوماً سبباً في دماره و هلاكه .


8)- كل الحيوانات في الأرض و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن ، و على اختلاف أنواعها و مشاربها ، تستخدم كامل عقلها الذي وهبه الخالق لها ، مهما صغر و مهما كانت محدوديته و كميته الممنوحة لها ، تستخدمه كاملاً دونما نقصان و تسخره لخدمتها و حياتها من خلقها و حتى مماتها و لا تدخر منه جهداً أو كماً ، إلا هذا الحيوان الذي وُهِب العقل الكامل ( منطقياً ) و الذي سمى نفسه زوراً و بهتاناً بالعاقل ، فهو ليس له من عقله نصيب ( إلا من رحم ربي ) و يتدرج استخدامه لعقله ، من الاستخدام الكامل الذي يقع على فئة قليلة في العالم ، ثم الاستخدام الغالب الذي يقع على دائرة أكبر ، فالاستخدام الأدنى ضمن نطاق أكبر .. مروراً بالتعطل الجزئي لدوائر أكبر ، وصولاً إلى التعطيل الكلي الذي – للأسف – يشمل الغالبية من هذا الجنس .

إذن .. العلاقة عند الحيوان الناطق ، بين الاستخدام الكمي للعقل و بين العدد الكمي ، هي علاقة عكسية .

لم أسمع بيوم من الأيام عن بعوضة استغنت عن عقلها أو قررت توفير قسم منه .. حتى الأشنية أو قنديل البحر الذي يعتبر أبسط الكائنات ، تراه يتصرف دوماً بالطريقة الأفضل و الأمثل . مستحيل أن ترى حيواناً ما ، كائناً ما كان ، قد جمّد عقله أو حجّره أو ألغاه . و لا يحصل هذا الأمر إلا مع هذا الحيوان الناطق و الذي يسمي نفسه عاقل . و الذي يصل به الأمر إلى درجة إلغاء عقله و فكره تماماً .

9)- كل الحيوانات في الأرض و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن ، تتزاوج بعضها من بعض ، حتى و لو كانت من فصيلة أخرى من ضمن الجنس الواحد ، كالخيول مع الحمير و الكلاب مع الذئاب ... الخ . وتشكِّل سلالات جديدة . إلا هذا الحيوان ، فإنه يرفض و يأبى التزاوج مع بني جنسه هو و فصيلته هو ، و ليس فصيلة أو جنس آخر . فقط لمجرد الخلاف بالمذهب أو الدين أو العرق أو الطائفة أو الانتماء و يعتبرهم ليسوا من بني جنسه . الحيوانات تطبق الآية القرآنية ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) إلا الحيوان الناطق ، فإنه يخالفها مع أنها أساساً جاءت لأجله و كان هو المخاطب فيها .


10)- كل الحيوانات في الأرض و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن ، تتعايش بعضها مع بعض بفصائلها و أجناسها و أضرابها كافة ، المفترسة منها و الفرائس و تعيش جميعا في حيز و مجتمع واحد مفتوح كالغابات الإفريقية أو غيرها ، منذ الملايين من السنين. و لم يحدث يومأ أن شنت فصيلة ما الحرب على فصيلة أخرى . أو هجرتها من مكانها لاختلافها بالشكل و الجنس و النوع أو الفصيلة .. منذ مئات الملايين من السنين و السبع يعيش مع الثور و الذئب مع الشاة و الثعلب مع الدجاج و النسر مع بقية الطيور .. منذ مئات الملايين من السنين و كل يفترس لأجل البقاء والمعيشة ، لكن يحترم حق الآخر بالوجود و الحياة و لا يتعدى حاجته من القوت ويتجاوز حده في القتل ، مهما كانت الأسباب ، الكواسر منها و الجوارح و العواشب ، فهنالك نوع من التفاهم بين هذه الحيوانات . إلا هذا الحيوان فإنه لم يستطع بالرغم من كل تطوره الحالي و التقنية التي توصل إليها أو استحصلها ، أن يتعايش مع نفسه و يتصالح مع بني جنسه و قومه و يتفاهم معهم . بل عزل نفسه ضمن كيانات و غيتوهات فكرية و عقلية و مكانية و مذهبية و طائفية و سياسية و رفض التعامل مع الآخر بأي شكل و حجب نفسه عنه ، و حاربه و قتله و أباده و هجره من جواره لمجرد الخلاف معه بالرأي .

منذ ظهوره على الأرض و تاريخه كله قائم على الحروب و الإبادة و سفك الدماء و نبذ الآخر ، ما جاء مصداقاً للآية الكريمة ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ... ) (البقرة:30) . علماً أنه هو الحيوان الوحيد الغير مضطر لقتل أخيه الحيوان الذي من جنسه ، كونه لا يأكل لحمه . هذا الحيوان تفاهم مع بقية الحيوانات و تفاهمت هي معه ، إلا أنه حتى الآن لم يستطع التفاهم مع بني جنسه ، و ربما لم يسطع ذلك .

11)- كل الحيوانات في الأرض و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن ، تستطيع التكيف مع الطبيعة و ظواهرها مجردة من أية أدوات أو مستلزمات أخرى خارجية . إلا هذا الحيوان فإنه لا يستطيع تحمل عوامل الطبيعة و ظواهرها و مظاهرها إذا ما تُرِكَ وحده عارياً و من دون مستلزمات و أدوات تعينه و تبقيه على قيد الحياة ، كالثياب التي تقيه البرد ، و السلاح الذي يدافع به عن نفسه ضد الضواري و المسكن و غيره .

في أي وقت شئت و أي مكان شئت وأي زمان و طقس شئت ، خذ أي حيوان شئت و اتركه في الطبيعة كما هو ، فإنه قادر على العيش و توفير مستلزمات البقاء و التعامل مع الطبيعة و استخدام عقله كاملاً لأجل ذلك و تحمّل الجوع و العطش و التخفي و مداراة الأعداء و الدفاع عنه نفسه ضد أي خطر . إلا هذا الحيوان الذي لا يستطع البقاء لأكثر من ثلاثة أيام متحملاً البرد و الجوع و العطش و سوف يكون محكوم عليه بالهلاك المحتم . فهو كائن ضعيف غير قادر على الدفاع عن نفسه و لا مواجهة عوامل الطبيعة و مظاهرها . اترك هذا الحيوان الناطق في غابة باردة ، عارياً مجرَّداً من أي أدوات أخرى ، تراه يموت فوراً من البرد و لا يقدر على مواجهة أي حيوان مفترس أو الهروب منه أو مناورته و المراوغة منه ، فهو ضعيف البدن بطيء الحركة ليس له أنياب و لا مخالب ، مثله كمثل الشاة العاجزة . و هو مصداق الآية القرآنية ( ... وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ) (النساء:28) .

كل الحيوانات بدينا و جسمانياً قوية إلا الحيوان الناطق فهو أضعفها خَلقاً و خُلقاً ، الحشرات نسبة إلى حجمها ، أقوى من الحيوان الناطق نسبة إلى حجمه ، كالنمل و النحل و العنكبوت .


12)- كل حيوانات الأرض تأخذ عند ولادتها و خلقها فترة صغيرة جداً للتعلم و اكتساب الخبرة و القوة تبدأ من دقائق قليلة أو بضع سويعات و تكون في أقصاها شهر أو شهرين كحد أقصى و بعد ذلك تنطلق لوحدها في عالم الطبيعة و الحياة و تكتسب من والديها فقط ما ينفعها في الحياة و الطبيعة .. فقط ما تحتاجه في الطبيعة . إلا هذا الحيوان فإنه لا يقوى على مجرد المشي إلا بعد سنة و لا يقوى على مجرد النطق الكامل إلا بعد الخمس سنوات و لا على التفكر الكامل و الوعي و الإدراك و التعلم إلا بعد عشرين عاماً قد تمتد إلى الأربعين عاماً ، و ليته يتعلم و يدرك . و إذا تعلم و أدرك ، يتعلم كره الآخر من بني جنسه و الحرب و الصراع معه ، يتعلم الفساد و الشر بأنواعه كافة و القبح بصوره كلها .. لا يتعلم إلا ما يضره . كل الحيوانات منذ مئات الملايين من السنين تسير وفق القانون العقلي الرباني الذي منحه الخالق لكل منها بقدر معين و وجه معلوم و لم تَحِدْ عنه و تشذ ، بل تطبقه بحذافيره إلى الآن بالرغم من ضعف عقلها لجهة الكم أو النوع ، إلا هذا الحيوان العاقل الناطق فإنه شذ من أول ظهوره و خلقه و فيه العقل الكامل ، قيل له هذه الجنة أمامك تصرف بها كما تشاء إلا هذه الشجرة ابتعد عنها .. كل هذه المساحة الشاسعة أمامك هي لك وأنت حر ، إلا هذا الحيز الصغير جداً ، دعه لنا ، لكنه ترك كل الأشجار و ذهب مباشرة إلى هذه الشجرة و طاااااااااااخ .. دخل بها .


13)- كل الحيوانات ممكن استعمال روثها في الأرض كسماد عضوي ، إلا هذا الحيوان لا يصلح روثه للسماد .


14)- كل الحيوانات في الأرض و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن ، حافظت و تحافظ على التوازن العددي لجهة التكاثر ولم يُسمع عن حيوان أنه وصل إلى وضع الانفجار العددي ، علماً أنها مؤهلة لهكذا ظاهرة كونها تلد بالمجموعات كالقطط و الكلاب و الأرانب و السباع و الأسماك التي تلد بالآلاف لا بل بالملايين . لكنها قادرة على ضبط موضوع التكاثر لديها إذا ارتأت أنه لا داع لذلك أو أنه من الممكن أن يؤدي إلى ضرر يمسها و أذى يطالها . إلا هذا الحيوان فإنه و بالرغم من امتلاكه للعقل فإنه يتكاثر الآن بطريقة مرعبة في أكبر انفجار سكاني يهدد موارد الأرض و طبيعتها و يبشر بحروب لأجلها و أمراض متطورة مستعصية . دون أن يضع حد لذلك أو يرعوي و يدرك الخطر المحدق به .

15)- كل الحيوانات في الأرض و طوال مدة مكوثها و بقاؤها فيها منذ مئات الملايين من السنين و حتى الآن تتصرف بطريقة عقلانية تراعي فيها أمرين اثنين لا ثالث لهما .. مصلحتها الفردية لأجل الغذاء و المسكن .. و عدم إيذاء الآخر من حيوان و طبيعة و التعدي عليهما ، دونما سبب قاهر ، متقيدة بالقانون الإلهي المكلفة به . إلا هذا الحيوان فإنه لم يتصرف منذ وجوده على الأرض إلا ضد مصالحه و مصالح بني جنسه من عدوان و قهر و ظلم و اغتصاب و دمار .. الدمار و التخريب لا يوجد في قاموس الحيوانات . لا يوجد حيوان على وجه الأرض يدمر و يخرب ، هو فقط يأكل ، أسراب الجراد التي تهاجم الحقول ، يتراءى لنا أنها تخرب ... أبداً .. هذا ليس تخريب ، إنها تأكل فقط و تنتهي مهمتها عند الحقل الهدف فقط و لا تتعداه لغير ذلك مطلقاً مهما كانت الأسباب . إلا هذا الحيوان فهو الوحيد الذي يوجد في قاموسه التدمير و التخريب و الأذى المتعمد لأجل الأذى و هو الطغيان ، و هو مصداق الآية القرآنية (كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى) (العلق:6) . اقتصر الطغيان على الإنسان فقط و لم يقل ( كلا إن الدواب لتطغى ) فلماذا ؟؟؟ الأمر واضح . الحيوان لا يطغى .. و الطغيان هو من اختصاص الحيوان الناطق فقط .


16)- كل الحيوانات منذ بدء الخليقة و إلى الآن مستغنية عن الحيوان الناطق و لم تكن يوماً من الأيام بحاجة له أو مستفيدة منه أو فقيرة إليه ، بدءاً من أصغر بعوضة و يرقة إلى أكبر جاموس و جمل و حوت ، حتى على مستوى العلم و التدرب . بل على العكس من ذلك .. الحيوان الناطق هو من كان منذ اللحظة الأولى لظهوره و وجوده ، محتاجاً إلى هذه الحيوانات جميعها .. إلى فراءها و لحومها و قواها الجسمية و البدنية و حراستها له و لممتلكاته .. كان و ما يزال إلى الآن في فورته التقنية و التكنولوجية ، محتاجاً إلى هذه الحيوانات و لا يستطيع الاستغناء عنها ، بدءاً من أصغر حشرة إلى أكبر جاموس و جمل و حوت ، ليس ذلك فقط بل هو من تعلم منها كل شيء ( و هذا رأي الشخصي و أنا مسؤول عن كلامي ) ، تعلم منها الصيد .. تعلم منها بناء المسكن .. تعلم منها الملبس .. تعلم منها التعامل مع الطبيعة .. تعلم منها الدفاع عن النفس ، هذا غير استخدامه لها في الزراعة و الحراثة و الحراسة و المأكل و الملبس من صوف و حرير و غيره الكثير الكثير ، مصداق للآية القرآنية ( فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ... ) (المائدة:31) . ليس ذلك فقط بل حتى أن التكنولوجيا و التقنية الحديثة التي يتباهى بها الآن ، اعتمد بها على الحيوانات من تجارب و بحث ، و لولاها لما كان الذي نراه الآن ، قد كان .. حتى الفضاء الخارجي أرسلها قبله أولاً لخوفه و جبنه ، استعان بالحيوان ليستكشف له الفضاء قبله هو ، فكان للحيوان شرف الأولوية في الصعود إلى الفضاء الخارجي قبل الإنسان و هذه علامة فارقة جداً و لها إشارة و معنى كبير . حتى في حروبه و صراعه مع بني جنسه ، استعان بالحيوان من خيل و فيلة و حمام زاجل و كلاب و غيرها . و النتيجة التي نخلص إليها هي : تسعون بالمائة من حضارة الحيوان الناطق الماضية و الحاضرة ، تعتمد على الحيوان الغير ناطق . و مع كل هذا لا يلقى الحيوان الغير ناطق من الحيوان الناطق إلا كل أذى و مهانة و سوء . و لم يقدم له شيء على الإطلاق و لا للطبيعة التي يخربها و يدمرها يوماً بعد يوم .

17) ـ تعالوا نتخيل الأرض بلا حيوانات و ليس فيها إلا هذا الحيوان الناطق ، فما يكون مصيره و مآله ؟؟ هل يستطيع العيش لوحده ؟؟ و هل تعبر عن ذلك الآية القرآنية التي تناولت الإنسان أساساً .. ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل:61)  . فهل معنى ذلك أن الله يمكن أن يعاقب الإنسان على ظلمه و طغيانه و بغيه بالأرض ، بإهلاك كل الحيوانات ، فلا يبقى غير الإنسان نفسه وحيداً في الأرض .. أقرع من غير جنس آخر ، ما يتسبب بفنائه و هلاكه ، كونه محتاجاً دائماً و أبداً للحيوانات في الأرض و لا يستطيع العيش من دونها ؟؟

 

منذ فترة تلقيت دعوة لأحد الأمكنة السياحية ، و هناك صادف وجود ما يسمى ( الحنطور ) يجره بغل مزيَّن و بعد هنيهة توقفت أمامه سيارة فارهة حديثة و ترجل منها شخص عرفته يعمل في إحدى الكوادر التعليمية و معه زوجته و أولاده فأشار أحد أولاده إلى الحنطور و سأل عنه فأجابه والده بسخرية و مرح و تهكم مشيراً إلى البغل بصوت مسموع : هذا يا بني اسمه البغل و هو أغبى حيوان و معدوم العقل والتفكير ولهذا سموه البغل ، أحد والديه حصان و الآخر جحش . ثم تقدم الرجل و عائلته إلى المبنى ضاحكين . و لكن ما لفت انتباهي هو أن البغل أخذ ينظر بطريقة غريبة جداً إلى ذلك الرجل و كأنه فهم ما يقول ( لا أدري .. سبحان الله هكذا انتابني الشعور ) مثبتاً نظره عليه بطريقة ليست طريقة حيوان ، و ظل يتابعه بنظره و رأسه حتى دخل المبنى ، ثم أرجع رأسه مرة أخرى إلى الأرض أمامه مباشرة مثبتاً نظره عليها بصمت و هدوء . مشهد لن أنساه و كأنه ( الله أعلم ) يقول له : والله ماني شايف بغل غيرك ، و إذا في بغل بهذه الدنيا ، فهو أنت و الجحش الذي أعطاك الشهادة .

كلمة ما قبل أخيرة : بنظري أن الإنسان هو كائن غير أرضي طبقاً لطريقة الشكل و العقل و تركيب الأثداء بعيداً عن الجهاز التناسلي خلافاً لكل الثدييات ، والانتصاب وأمور أخرى كثيرة . و هذا بنظري يتوافق مع نظرية أو مفهوم ( الطرد من الجنة ) إن صح التعبير . و نظرية القول بخلق حيوانات على شكل الإنسان لتقوم بخدمة معينة ( بغض النظر عن صحة و خلفية المنشأ والمصدر ) ربما لها شيء من الصحة أو ما شابه ذلك .


كلمة أخيرة :
لا أخاف من الإنسان على شاكلة الحيوان ، بل الحيوان الذي على شاكلة الإنسان .


نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !