إلا إسرائيل..
" بحق السماء، فليخرج اليهود من أرض فلسطين. فليعودوا من حيث أتوا، هذه أرض محتلة تعود للفلسطينيين وليست أرض الألمان أو البولنديين. " كانت هذه الكلمات كافية لخروج عميدة الصحافة الأمريكية " هيلين توماس " من الباب الضيق، بعدما أجبرتها ردود الفعل على تقديم استقالتها.
" هيلين توماس " التي ستحتفل في الرابع من غشت المقبل بعيد ميلادها التسعين أنهت بذلك حياة حافلة في الصحافة، حيث تعتبر كبيرة المراسلين من البيت الأبيض. وقد حافظت على علاقتها بهذا المكان منذ ستينيات القرن الماضي عندما كان جون كينيدي رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. غير أن ذلك كله لم يشفع لها عندما لقيت تصريحاتها معارضة شديدة بين أوساط إعلامية وسياسية مختلفة في الولايات المتحدة. وكانت هذه الصحافية المخضرمة قد عبرت عن موقفها هذا في مقابلة غير رسمية تم تسجيلها بالفيديو. فكانت القطرة التي أفاضت الكأس، خصوصا والمحافظين في الإدارة الأمريكية كانوا قد ضاقوا ذرعا بمواقف " هيلين " خصوصا من خلال انتقادها الشديد للرئيس السابق " جورج بوش". ونظرا للمكانة البارزة لهذه المرأة في الإعلام الأمريكي فقد سارع البيت الأبيض إلى رفض تصريحاتها، حيث وصفها المتحدث باسم البيت الأبيض بأنها " مؤذية ومعيبة "، وأضاف قائلا: " من الواضح أن تلك التصريحات لا تعكس آراء معظم الموجودين هنا. وبالتأكيد فهي لا تعكس وجهة نظر الإدارة الأمريكية. "
لا يهم في هذا المقام رأي الإدارة الأمريكية فهو منتظر ولا يقدم أي جديد، فالدعم الأمريكي لإسرائيل لا يحتاج إلى توضيح من أحد. لكن تقديم هذه الصحافية لاستقالتها يؤكد قيمة اللوبي " الإسرائيلي " ولا أقول " اليهودي" في الولايات المتحدة الأمريكية. ولا يمكن لأي كان مهما علا شأنه أن يذكر إسرائيل بسوء. فالدولة العبرية تعتبر خطا أحمر ممنوع الإقتراب منه. وفي أمريكا يستطيع أن يقول الإنسان ما يشاء، ويتحدث في كل المواضيع والأمور، لكنه ينبغي أن يفكر جيدا قبل الحديث عن إسرائيل بأية نغمة تشذ عن الإيقاع العام. و من هذا المنطلق وحده يمكن فهم الدفاع الأمريكي المستمر عن إسرائيل حتى ولو كانت أخطاء الحكومات الصهيونية لا تحتمل. والفيتو الأمريكي يحطم كل الأرقام القياسية في مجلس الأمن كلما تعلق الأمر بقرار يدين إسرائيل.
الإسرائيليون يدركون جيدا لعبة السياسة و دهاليزها، لذلك لا يتركون أي شيء للصدفة. وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف إلا بمصالحها الخاصة وفق أدبيات الفلسفة البراغماتية، فإن اللوبي الإسرائيلي يعرف من أين تؤكل الكتف، وهكذا استطاع أن ينزل بكل ثقله الإعلامي و الإقتصادي والسياسي من أجل مصالح دولة إسرائيل، وفرض اختياراتها الإستراتيجية على الإدارة الأمريكية ومعها الرأي العام الأمريكي الذي لا يرى في إسرائيل إلا دولة مظلومة من طرف جيرانها. وهي بذلك تستحق كل أنواع الدعم والمساندة. ولا يمكن لهذه الصورة النمطية أن تتغير بسهولة في ظل غياب الخطاب الآخر الذي يفترض أن يواجه التفرد الإسرائيلي بصياغة القرار الأمريكي في ما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط. إذ لا وجود لقوة ضغط عربية أو إسلامية تستطيع توجيه بوصلة الموقف الأمريكي. ولا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تتخلى عن مصالحها الإستراتيجية من أجل سواد عيون العرب، غير أن هذه الحقيقة لا يدركها هؤلاء، أو هم على الأٍرجح لا يريدون إدراكها.
ما حدث للصحافية " هيلين توماس " ليس مجرد حالة معزولة. إنه نوع من الإجماع الذي استطاعت إسرائيل أن تحصل عليه في الولايات المتحدة بفضل قوى الضغط التي تغلغلت بشكل كبير في كل المؤسسات التي تصنع القرار الأمريكي.
تنويه : الإقتباسات والصورة مأخوذة عن موقع إيلاف الإلكتروني.
التعليقات (0)