مواضيع اليوم

إكسير الحياة

محمد مزكتلي

2017-02-23 14:09:10

0

الموت في سبيل قيمة عليا؟.
قضية شغلت المفكرين والفلاسفة و علماء الاجتماع و السياسة,منذ فجر الوجود.
وإلى اليوم لم تستطع أيمنظومة فكرية تبرير هذا السلوك البشر,ومعرفة دوافعه الحقيقية تماما.
وحدهم المشتغلون بالعقائد و الأديان استطاعوا أيجاد مخرج لهذه القضية واحتالوا عليها عبر استيراد الإجابة من عالم الغيب.
عالم فيه ما فيه من ملائكة و شياطين يتجاذبون البشر ما بين النعيم و الجحيم,وآلهة تراقب هذا و تنتظر.
فبعضهم عطل التفكير فيها عبر فكرة الفداء.
وآخرون أعدموا القضية برمتها, و قالوا ما مات من مات في سبيل الله),وعلى منوالهم نسج الجميع و قرروا ما يشبه.
فالموت في سبيل الله أو الشرف أو لأجل الجماعة أو الوطن.
هي أفعال حميدة,يعظم صاحبها بعد موته,ويعامل معاملة خاصة,من طقوس دينية و مزايا اجتماعية.
فهذا الكريم النبيل جاد بنفسه لأجلهم.
وبما أن الأموات لا يتكلمون,ساد هذا المفهوم وسلم الإنسان به راضياً بالثواب المؤجل و النعيم الموعود.
لكن ظل في هذه القضية ما يريب,و التمعن فيها يعيدنا دائماً إلى الإنسان نفسه.
في البداية لم يكن بمقدور الإنسان ارتكاب الأخطاء,فالأرض متسعللجميع,والطرائد لمن يصيدها,و الثمار لمن يقطفها,والكهوف متاحة لمن يريد.
الخطيئة الوحيدة الممكنة في ذلك الوقت,هي الاعتداء على الأنثى,التي كان الذكر يعتبرها ملكه الوحيد والخاص.
هتك العفة و سيلان الدم..الدم الأحمر القانئ.
هنا لا شيء يمحو هذه الخطيئة إلا الدم نفسه.
امتثالا لهذا المفهوم الذي ساد طويلاً,دأبوا على تقديم العذارى قرابين لنواب الآلهة, عسى أن ترضى عنهم و تمحوا خطاياهم.
حتى تطور العقل البشري و بدأ يرفض هذا السلوك الوحشي و يراه ثمناً باهظاً أمام خطاياه الصغيرة.
وخوفاً من العصيان تنازل نواب الآلهة,ورضوا بالحيوان بدل الإنسان,شرط أن يكون لحمه لذيذاً عوضاً عن لذة أكبر حرموا منها.
مرة ثانية بقي ثمن الخطيئة هو لم يتغير..الدم.
على مر العصور اتخذت القرابين أشكلاً مختلفة, تبعاً لتنوع المجتمعات والتطور الفكري و التقدم العلمي و كشف أسرار الظواهر الطبيعية التي كانتتخيفهم.
لكنها ظلت تدور حول الفكرة الأساسية وهي الذبح و سيلان الدم.
و اليوم بلغ العقل البشري مراحل متقدمة في العلوم كافة,و نشأت مع التقدمالعلمي و الاجتماعي و التقني مفاهيم حضارية واقعية أدت لظهور روائز معقدةمتشابكة,لم يكن لها في السابق أي معنى.
ولهذا فإن تطور الإنسانية قد تم على حساب نواب الآلهة لأن تجمع أفرادالمجتمع هو فكرة,كفكرة العدالة الاجتماعية ,أو سيادة الوطن,أو فكرة تحضيرالعالم.
مما جعل نواب الآلهة يتنازلون عن فرديتهم,ويندمجون مع هذه الفكرة.
فرضوا بالنقود المعدنية و الورقية,والهبات العينية,ورواتب شهرية لقاء الدعاء و الموعظة و النصح و الإرشاد.
ورغم أنهم تركوا الذبائح لأصحابها,فقد ظل الذبح و فوران الدم الوسيلةالوحيدة ليشعر الإنسان بالرضا عن نفسه,ويسكت صوت الغيب الذي يؤرقه علىالدوام.
الخلاصة إن الحقيقة الواقعة,هي أن الإنسان كغيره من سائر الأحياء يخضع لناموس الطبيعة المحكم, الذي لا خروج لأحد عليه.
والإنسان ما يزال يعتقد أن موت الآخرين هو حياة لآخرين غيرهم.
وجاء الشرائع لتضع هذا المفهوم ضمن إطار مقدس,وتقلدهأوسمة الفضيلة و الأيمان.
وما نرى اليوم من اقتتال بين الأفراد و الجماعات و المجتمعات, ومن حروبمهما كانت أسبابها و أهدافها,ماهي إلا دليل واضح,وتعبير صارخ عن عشقالإنسان لرؤية الدم.
هذا العشق الذي ولد كبيراً,مع أول لحظة لذة عارمة,رأى معها الدم الأحمر القانئ يسيل.
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِوَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَاوَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب 72)




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !