مات العفريت سعدون عن 246عاما وكان من كبار حكماء عفاريت قرية سادر في سفح جبل أرارات علي مقربة من مدينة قترلابش وكانت هناك صداقة حميمة بين سعدون ورجل يدعي حامد البعلي من قرية في مصر اسمها شبراهون ...كانت وصية سعدون لحامد أن يحضر جنازته عندما يفارق الحياة ليدعو له ويبارك الجنازة لأنه كان يحبه ويصفه دائما بالآدمي المؤمن....جاء زاهر وهو أحد أولاد سعدون في صبيحة يوم من أيام الربيع ليبلغ حامد خبر موت والده فقرر حامد المشاركة في الجنازة تنفيذا لوصية الصديق سعدون...حمل زاهر صديق والده وفي لحظات كانا في سادر... بعد تجهيز سعدون ووضعه في النعش تجمع العفاريت من أهل سادر والقري المجاورة لتشييع الجنازة ....كان النعش يشبه تماما النعش الآدمي وله أربعة أرجل وأربعة أيدي يحملها العفاريت بالتناوب وسارت الجنازة من أمام بيت سعدون بعد أن ودعها أهل بيته ...المشيعون العفاريت ولشدة دهشة حامد كانوا يضحكون والنعش يقفز فوق أكتاف الأربعة الذين يحملونه ويتحرك بهم يمينا وشمالا في حركات تفقدهم التوازن وبين حين وآخر يلتفت النعش فجأة إلي اليمين 90 درجة فيلقي الذين يحملونه أرضا ويقف النعش يرقص بأرجله الأربعة مثل رقصة الحصان العربي في ليالي السمر.... وبينما يغرق العفاريت في الضحك يعتدل سعدون في النعش ويضحك أيضا ولكن من تحت الكفن الذي يغطي وجهه تماما...تعجب حامد من هذا المنظر العجيب وتملكه الخوف علي عقله ...حاول حامد أن يسأل العفريت الذي يسير بجواره في الجنازة عن كل الذي يحدث فلم يستطع أن يرد عليه وهو غارق في الضحك ويضرب رجله في الأرض من شدة السرور ويضع يده علي فمه مشيرا لحامد أن يسكت ...كانت هذه هي حال كل المشيعين ويكاد كل واحد منهم أن يقع علي الأرض بسبب عدم التوازن لشدة الضحك وبسبب دموع الفرح التي تحجب الرؤية......في أثناء هذه المشاهد كان بعض العفاريت يوجهون اللكمات إلي الهواء فوق رؤوسهم ...في هذه الأثناء كان حامد يسمع ضحكات عالية في الهواء لكنه لا يرى أحدا فوق الرؤوس ...وصل المشيعون إلي مدافن العفاريت بعد مناوشات كثيرة بينهم وبين النعش والأشقياء الذين فوق الرؤوس ولا يراهم حامد....... وضع المشيعون النعش أرضا بينما ظل النعش يمارس رقصة الحصان ...صنع المشيعون حلقة دائرية حول النعش الراقص بينما ارتفعت أصوات الضحك والصراخ وارتمي المشيعون علي الأرض يرفسون بأرجلهم ويطوحون أيديهم في الهواء ضاحكين .... وقف النعش علي قائمتيه الخلفيتين ودار حول نفسه وهو يقفز دورة واحدة كاملة ثم قفز عاليا إلي ارتفاع ثلاثة أمتار واختفي فجأة..... بدأ المشيعون سريعا في الانكماش حتى صار كل واحد منهم في حجم البرتقالة ثم اختفى..... في لحظات اختفي النعش والمشيعون .....وساد صمت رهيب ووجد حامد نفسه وحيدا في وادي سادر الموحش قرب مدينة قترلابش عند سفح أرارات.....إجتاحت حامد مشاعر الخوف والرهبة وارتعشت كل أعضاء جسده النحيل ...حاول بطريقته أن ينادي زاهر لكن زاهر لم يجبه فقد كان مشغولا باستقبال المعزين في أبيه....مرت الساعات طويلة كالدهر وتهالك حامد على صخرة بارزة ينتظر الفرج ثم غاب في نوم عميق ...لم تمض ليلته في سلام حيث سمع أصواتا صاخبة في الوادي أرغمته على الانتباه فانتفض واقفا ينظر إلى مصدر الصوت ....رأي عيونا حمراء تلمع في ظلمة الليل والمكان ...ولكنها تتحرك حركات عصبية سريعة ...وترتفع وتنخفض بينما يزيد اللمعان حين تعلو فوق رأسه تصاحبها الضحكات العالية ...ربما بعثت الضحكات في نفسه بعض الطمأنينة فهي على كل حال أفضل من الصراخ المزعج...كان حامد يتحسس كل حين جسده ليتحقق من يقظته وليشعر أنه لم يصب بشيء ...ثم رأى من بعيد راية ينعكس عليها ضوء القمر فتلمع وتنطفئ مع نسمات الهواء البارد تقترب منه في سرعة ملحوظة ...في لحظات وصل حامل الراية ....الحمد لله إنه زاهر وفي لمحة شعر حامد أنه يطير فوق السحاب وصدره يعلو ويهبط كأنه بالون ينفخ ويفرغ بسرعة مما أحدث في رئتيه نوع من الألم.....بينما كان زاهر يحمل حامد عابرا وادي سادر الشاسع سمع نداء يعرفه جيدا....وحينئذ غاب زاهر عن المشهد تماما .....
التعليقات (0)