جاء في صحيفة "النهار": يدرك النائب وليد جنبلاط خطورة الوضع السوري ، لكنه يدرك اكثر دقة الوضع الداخلي اللبناني بعدما تكاثرت في المدة الاخيرة الاحتكاكات الداخلية في اكثر من منطقة. ولعل حادثة حرق الحافلة (في منطقة جبلية) التي عتم عليها بعد حادثة جنوبية، تعبر تماما عن القلق الذي يخالج جنبلاط والرئيس نبيه بري و"حزب الله"، مما يمكن ان تكون عليه الحالة لحظة انهيار النظام السوري.
ثمة انطباعات امنية وسياسية ان هذه اللحظة اقتربت، من دون ان يكون التصور واضحا حول السيناريو الفعلي الذي يجعل النظام السوري في حكم الساقط، سواء بعملية داخلية على الطريقة المصرية من داخل الطائفة العلوية او خارجية على الطريقة اليمنية.
وتؤكد مصادر سياسية لبنانية مطلعة على السياق السوري للاحداث، ان النظام يسقط تدريجا بالنقاط، لكن لا يزال يتوجب الحذر في القول ان سقوطه بالضربة القاضية أصبح أمرا واقعا. وعلى رغم ان هذه الضربة يمكن ان تقع في اي لحظة، إلا أن مؤشر اقترابها سيكون لحظة تتحرك الحشود العسكرية على الحدود مع الاردن او تركيا، او تحلق طائرات في سماء المناطق الحدودية. وهذان الامران لم يحصلا بعد. فسقوط نظام دولة كسوريا، لا يمكن ان يتم من دون ترتيب موجباته دوليا واقليميا، حتى لو عنى ذلك الفوضى في الشرق الاوسط. لان سوريا بما لها من امتدادات في العراق ولبنان وفلسطين ومجاورتها لتركيا والاردن، تمثل "حيثية" تختلف عن تونس او ليبيا. لذا فسقوط النظام السوري أيا يكن نوع سيناريو هذا السقوط، سيكون محكوما بموجبات اقليمية ودولية لها ارتداداتها على دول الجوار ولبنان أولها.
وهنا أهمية كلام جنبلاط وكذلك الامر تغاضي بري و"حزب الله" عنه. لان موقف الزعيم الدرزي، لا يدخل ضمن التكتيكات الظرفية، او حتى التحولات التي اعتادها اللبنانيون من عام 2005 وصولا الى 7 ايار. بل في مواقف استراتيجية يعول عليها اكثر من طرف، لان مكمن الخلل الداخلي بلغ ذروته في اكثر من منطقة ولا سيما تلك الواقعة على تماس مذهبي واضح. ويعبر جنبلاط عن مخاوفه من اي احتكاك مذهبي يولده سقوط نظام الرئيس بشار الاسد والشظايا التي تصيب لبنان، وتجعل طائفته اذا ما اشتعلت جذوة الخلاف السني – الشيعي، في مهب الريح والنار. ويتغاضى بري و”حزب الله” عما يقوله حتى لو مسَّ جوهر النظام السوري، لان الطرفين يدركان انهما قد يكونان في حاجة الى وسيط، يرسل رسائل طمأنة الى الفريق السني، كما يفعل اليوم جنبلاط . ولا سيما انه يلاقي استحسانا لدى “المستقبل” حين يصر الرئيس سعد الحريري دوما على الثناء عليه، ويطمئن بري اليه.
والمخاوف المتزايدة من احتمالات ما بعد الاسد، باتت مشرعة في اكثر من منطقة، بعدما تكاثرت الخشية من تكرار سيناريوات سورية مذهبية على غرار ما حصل في حمص. لذا وجهت رسائل طرابلسية رفيعة المستوى تطمئن قادة بعل محسن، وجرت اتصالات للتخفيف من اي توتر يمكن ان ينتج، وهو ما يتطلب جهدا من الطرفين العلوي والسني في طرابلس وعكار، لمنع اي عناصر استفزازية من جر المنطقة الى ما لا يحمد عقباه، ولا سيما ان عدم قدرة الاسد على اخضاع حمص، من شأنه ان يضاعف عوامل التوتر في المنطقة الشمالية، لان “قصة سوريا بدأت في حمص ولم تنته بعد”، بحسب قول احد المطلعين من كثب على الوضع السوري.
لكن الامر لا ينحصر في الشمال، ففي البقاع بؤر توتر، وكذلك في بيروت. وبحسب معلومات سياسية بدأت رسائل تمر عبر القنوات التي لم تنقطع يوما حتى في عز أحداث 7 ايار، تفضي الى ما يمكن اعتباره محاولات استيعاب اللحظات الدقيقة لانهيار النظام السوري.ثمة أسئلة يتداولها أصحاب الرسائل والنصائح، تتحدث عن المغزى من فتح قضايا جانبية يمكن ان تؤجج الحساسيات الداخلية، كما حصل في قضية الحديث عن تهريب سلاح من فريق دون آخر، من دون ان يعني ذلك ان لا مستفيدين من تهريب السلاح. لكن بحسب المعلومات الامنية أصبح السلاح في لبنان تجارة مربحة، ولا يتندر مسؤول أمني حين يؤكد ان عدم اطلاق النار ليلة رأس السنة لم يكن بسبب القرارات الامنية، انما بسبب ارتفاع سعر الذخائر، التي اصبح بيعها تجارة مربحة ويرسلها الى سوريا تجار من كل الطوائف شيعة وسنة، وموارنة أيضا. وقد ارتفع سعر الكلاشنيكوف نتيجة لذلك ، من 150 دولارا الى 2000 دولار، وارتفعت أسعار الذخائر عشرة أضعاف، وقاذفات “آر بي جي” وذخائرها ، التي بيعت حتى من فلسطينيين.
وما ينطبق على تهريب السلاح ينسحب ايضا على قضية وجود عناصر “ القاعدة”. اذ لم يعد سرا ما حصل في المجلس الاعلى للدفاع حول بيان وزير الدفاع فايز غصن، ومحاولات تطويق مضاعفاته، وقد بدا البيان اقرب الى الجو السوري منه الى جو “حزب الله” الذي يدرك تماما، بحسب المعلومات الامنية، ان هذه العناصر لم تمر عبر لبنان الى سوريا بقدر ما عادت الى سوريا، التي انطلقت منها ، بعدما عملت طويلا في العراق. واذا كان من أهمية لقنوات التواصل السياسية والامنية، فهي في استيعاب اي أخطار يمكن ان ترتد على لبنان، اذا اراد اي طرف دولي او اقليمي اللعب بهذه الورقة لتأجيج الصراعات الداخلية المذهبية الموجودة اصلا، وعدم تحويل لبنان ساحة مواجهة مفتوحة على فلتان سوريا. لان أي لعبة دولية لها مصلحة في تأجيج الصراعات المذهبية لسبب او لآخر، لن تترك مجالا للعقل او للتفاهمات الداخلية، حين تقع الواقعة، كما دلّت التجارب السابقة خلال حرب لبنان الطويلة.
حتى الآن ثمة ادراك وإن بالحد الادنى من جانب “حزب الله” لهذه الحقيقة. والمتصلون به متفائلون بقيامه بخطوات مدروسة، بدت واضحة في اسلوب تمسكه بالحكومة، اكثر منه بتمويل المحكمة، وفي تبريده الجبهات الداخلية عند اشتعالها سياسيا حتى لو اقتضى الامر بعض التضحيات من حلفائه. لكن العبرة تبقى بحسب سياسيين مطلعين في ان يتمكن “الجناح اللبناني” في الحزب من تطويق اي محاولة سورية او ايرانية، لإدخال لبنان في حلقة التجاذب الاقليمية. وهذا ما ستبرهنه الايام المقبلة
التعليقات (0)