أنتشرت فى السنوات الأخيرة موضة موائد الإفطار التى يقيمها المسيحيين ليفطروا فيها مع المسلمين ليعبروا عن أخوتهم ووحدتهم الوطنية يعنى أكلوا عيش وملح مع بعض وهذا هو أكبر دليل على الوحدة الوطنية .
دخلت مأدبة الإفطار كأسلوب سياسى شجعه النظام المصرى ليخدع المسيحيين والمسلمين أنفسهم بأنهم مواطنين إخوة يعبرون على مأدبة الإفطار هذه عن الوحدة الوطنية التى يفضحون فيها أنفسهم بأجتماعهم على هذه الموائد بأعتبارهم مسلمين ومسيحيين وليس بأعتبارهم مواطنين مصريين فقط يتبادلون الزيارات والعوائد الشعبية فى الإطار الأجتماعى المصرى.
كنت أعتقد أن الشعب المصرى تخطى سنوات السذاجة التى يعيش فيها وأنه بدأ يتمتع بالنضج الذى يتيح له التمييز بين الشعارات السياسية العلنية وبين معتقداته التى تتناقض مع تلك الشعارات والعادات والتقاليد التى يبتكرها النظام السياسى لينشغل المسيحيين خاصةً بلحظات من الصفاء المزعوم ولو فى أثناء مأدبة إفطار يتمتعون فيها بكلام حلو لذيذ كالعسل المنزوع منه السم الهارى المختبئ لوقت اللزوم .
من بين تلك الموائد الرمضانية بأطعمتها الفاخرة الشهية تلك المائدة التى أقامتها الطائفة الأنجيلية وأستضافت من بين ضيوفها شيخ الأزهر الذى وجدها فرصة سانحة " ليدعو المسلمين والمسيحيين إلى مزيد من الدعم للوحدة الوطنية فى ظل التحديات الخطيرة التى تواجه الأمة العربية فى ظل المآسى التى يعيشها شعب العراق وفلسطين " وكأن شعار الوحدة الوطنية يحوى كنوز التقدم والحضارة لبنى مصر الغلابة الذين يجيدون التهليل والتصفيق وأصبحت المآسى مقصورة فقط على شعبى العراق وفلسطين أما مصر بلد الوحدة الوطنية فهى بلد يتيمة خالية من المشاكل والمآسى الدرامية التى تدمى القلوب ويعيشها المواطن يومياً ، ولأنه كلام يرضى الحاكم والمحكوم عليهم فهو كلام سهل الهضم أسرع من الفول المدمس .
يستطرد شيخ الأزهر حديثه ويقول " بأن محاولات التفرقة بين المصريين مسلمين ومسيحيين قد فشلت عبر التاريخ " ، إن هذه التفرقة التى تكلم عنها هى تفرقة دينية فى صلب العقيدة الإسلامية وهنا ليس مجال الدخول فى تفاصيلها ، لأن كل إنسان له حرية الأعتقاد فيما يراه صحيحاً وأنا أحترمه كإنسان له معتقدات خاصة به ، لكن للتوضيح الممل نقول بأن هذه التفرقة بدأت فى مصر منذ دخول العرب الغزاة مصر لنشر الإسلام ووضعوا قواعد جديدة للمواطنة الأستعمارية ، تلك القواعد التى قامت على معتقدات الإسلام التى وصفت السكان الأصليين لمصر بعد أحتلال بلادهم بأنهم أهل ذمة يدفعون الجزية وهم صاغرون ، بل وذمتهم أخر خراب لأنهم متهمون بتحريف كتبهم الدينية، هذه هى التفرقة التى تملأ خطب وكتب وعقول ، وهذه هى المشكلة التى لا تنفع معها شعارات إفطار أو صيام رمضان ، لأن شيخ الأزهر عندما يقول بأن " دين الإسلام كفل المساواة فى الحقوق والواجبات لغير المسلمين " ، هذا الكلام لا يهضمه ابن القيم أو ابن تيمية أو كل تراث الإسلام العقائدى ، هذا الكلام المخالف للتاريخ وللحقيقة لن يتبرع مصرى واحد يعيش فى مصر للرد عليه فى وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ، لأنه سيكون قد فتح على نفسه أبواب جهنم ولا أعرف كيف ستكون نهايته ، وبالطبع يفضل الكثيرين الأستماع والتصفيق عشقاً فى الوحدة الوطنية التى أخترعها المصريون الفراعنة .
التفرقة نبعت من تأصيل الدين فى دستور العباد لأنهم لو كانوا متساوون لكان أُزيل من الدستور الحديث عن أى دين أو إضافة الحديث عن كل الأديان بكل مساواة ، لكن الواقع يتناقض مع هذه النزعة الدينية التى تفتح فاها لتبتلع الأخضر واليابس .
كيف يمكن قبول " حديث المساواة والتآخى بينما كلمة " وهم صاغرون " لا تبارح فكرى تقتل آدميتى وتدمى العيون وتعمى الأذهان وتغلق كل باب للإجتهاد أو التفسير أو للنفاق ؟ كيف يفهم المصرى المسلم أنه متساوى مع المسيحى الذى فرض عليه إلهه دفع الجزية وهو صاغر ؟ وكيف يصدق أنه متساوى مع الكافر المسيحى ؟
الموضوع ليس موضوع موائد إفطار فى رمضان وبقية السنة صيام عن هذه الوحدة بأنتهاك حقوق الإنسان المسيحى والمسلم أيضاً ، ليس الموضوع هو وحدة وطنية بل الموضوع هو نشر الوعى الدينى بالتأكيد على أنه لا دخل للأديان فى المواطنة أو فى إنسانية الإنسان ، عندما يفهم كل مواطن أن الدين شأن فردى خاص جداً ، عندما تختفى كلمة هذا مسيحى وذاك مسلم من أفواه المصريين ووسائل إعلامهم وأماكن أعمالهم ، ساعتها يمكننا أن نستشعر مستقبل يبشر بالخير والسلام لمواطنى مصر الحبيبة .
أقول إيه .. رمضان كريم جداً !
2004 / 11 / 5
التعليقات (0)