إفساد الحياة السياسية الوطنية
بقلم - حامد سعيد
Hamedd_saeed@hotmail.com
كثير من الصحف اليمنية الرسمية والمستقلة وكذلك مثيلاتها من القنوات الفضائية اليوم تلعب دوراً إستخباراتياً بالوكالة من ناحية توجيه القارئ والشارع لقضية ما بل وجعله يتوه في قضايا متعددة عدائية وسلبية تعكس التخبط السياسي الحاصل في البلد وضعف اداء الأحزاب السياسية الحكومية منها و المعارضة مما يضعف وعي المواطن البسيط بالحزبية ويؤكد ثقافته القائمة بالأمس واليوم على عدم ثقته بالحزبية بل تصوره لها على انها السبب في ما يحدث من مصائب وكوارث لليمن بل ولما سيحدث مستقبلاً مبدياً تخوفه منها وابتعاده عنها رغم ان التعددية الحزبية هي اهم واعظم إنجازات الوحدة اليمنية حيث يفترض انها اتاحت مناخاً وطنياً سياسياً متعدداً اكثر اماناً وحرية مما كان عليه الوضع من شمولية الحكم وتفرد الحزب الواحد فيه وفي الحياة السياسية والطابع العام بل وفرض التعسف والإضطهاد واستخدام وسائل البطش والتنكيل والإخفاء لكل صوت معارض ومهدد لبقاءه وسيطرته على الحكم,وهذا الفشل السياسي لخطاب الأحزاب السياسية يفسره انتشار وكثرة الفئات الصامتة و الحانقة وعدم فهمها بعد لدورها السياسي في ترجيح الكفة الوطنية والعملية التنموية ,بل تخطاه لخروج كوادر مميزة من العملية الحزبية او رفض غيرها للإنضمام للعملية السياسية الحزبية لإدراكها بفشل دور الاحزاب في الجانب الوطني ولعجزها عن مجاراتها لضعف امكانياتها المادية واحتكار بقية الاحزاب للتمويل الحكومي والخاص والخارجي بل وعلى صعيد الظهور الإعلامي وتضييقه عليهم وإخفائهم من المشهد الإعلامي السياسي .
إن الأحزاب السياسية في اليمن اليوم تشبه التاجر القديم الذي يولي اهتمام بزبائنه وعملائه الذين عرفوه واعتادوا عليه وعلى بضاعته ولا يلقي بالاً لجذب واستقطاب عملاء جدد يوسع به نطاق عمله وتجارته وكأنه خارج نطاق التحديث العالمي للمنظومة التجارية المتجددة التي تضع نصبه عينيها على الحفاظ على عملائها القدامى وجذب عملاء آخرين لتوسيع نشاطها وتستخدم كل الوسائل والخدمات لهذين الهدفين وهو ما لا تلقي له الاحزاب اليمنية السياسية اهتماماً مما يعكس نظرة قاصرة لهذه الاحزاب للعمل السياسي واعتمادها على الاساليب التقليدية بل والمفجع بالامر ان تقوم هذه الأحزاب السياسية والمعارضة منها خاصة بما كان يقوم به النظام العربي الحاكم قبل الثورات العربية من سياسة تنفير العامة بتركهم بعيدين عن العملية السياسية المشاركة بفعالية وإيجابية لإبعادهم عن غرمائها السياسين إما بالتحريض الديني عليهم وهو ما يقع تحت مسمى الإرهاب الديني للعملية السياسية وهذا ما كان يفعله النظام العربي السابق سواء بنفسه او بإستخدام وسائل اخرى وجماعات تتولى المهمة بالنيابة ويتولى هو دعمها وتوسيع نشاطها ضد معارضيه وغرمائه في العمل السياسي وتنشط اكثر حين تحين ساعة الصفر في الإنتخابات او في قضايا إجتماعية يستغلها النظام لضرب خصومه السياسيين من تحت الحزام ولكسب نقاط عليهم وخاصة تنفير الناس منهم وحتى هنا لا يبالي بضم هؤلاء لصفه ولا يعطيه إهتماماً كبيراً بقدر ما يهمه ان يبعدهم عن خصومه وضمان عدم تأييدهم لهم ! ومثله في الإرهاب الثقافي الإعلامي والذي اشرنا اليه في بداية حديثنا حيث اصبح لدى كل حزب دائرة توجيه معنوي يشن به هجومه ضد خصومه وضد كل من يرى فيه عدواً مرتقباً سينافسه او يشاركه في تواجده المعتاد في الساحة او سيظهر عيوبه وقصر نظره السياسي والوطني وعجزه في تقديم الأفضل وذلك عبر صحيفته الخاصة وقناته او عبر صحفيين وكتاب تابعين له حزبياً او مالياً وهو ما للأسف تولاه وقام بمهمتها اقلام كان لها دور وطني مشرف ذات يوم في القضايا الوطنية بل بعضها ممن ساهم في تزكية وبث روح الثورة في الوطن والشعب ايام سباته العميق في ظل النظام السابق ولكنه هنا اعاد نفس اسلوب التوجيه المعنوي للنظام السابق ولكن هذه المرة لقمع غيره في سبيل مصلحة حزبه او لحفنة من المال ارتضاها سبيلاً له .
ان خطر تقوقع الأحزاب على نفسها ولمصالحها الذاتية والآنية وفشل خطابها الوطني وضبابية رؤيتها المستقبلية السياسية و الثقافية والإقتصادية لوضع الوطن لإنشغالها بترتيب وضعها في السلطة ومؤسساته الحكومية لم يضر فقط الوعي الوطني السياسي للمواطن والشارع اليمني العام الذي اصبح يقارن الحزبية باللاوطنية وبخطرها على مصلحة الوطن وقضاياه ووحدته ويصيبه بخيبة أمل ويزيده سلبية باللامشاركة في العملية السياسية والوطنية وهذه مصيبة كبرى وغفلة عظمى للمصلحة الوطنية العامة ولماهية الحزبية ودورها في الشارع العام ليس فقط بتقديم انفسهم وعرض خدماتهم للوطن والشعب بل وفي وعي المواطن والشارع العام لدوره الهام بالمشاركة بفعالية وإيجابية في العمل الوطني والذي يسهل لتلك الأحزاب عملها واهدافها سواء كمعارضة قوية تناضل من اجل قضايا وطنية او احزاب السلطة التي يجب ان تبحث عن شعب يؤيد اصلاحاتها ويكون هو ضمن ادواتها لهذه الإصلاحات وهذا التغيير ولس فقط احزابها واتباعها مما يعكس تدني في مستوى مشاركة المجتمع في قضاياه وتفاعله معها بإيجابية و انما الإكتفاء بالتاثير عليها في القضايا الكيدية السياسية للنيل من بعضها البعض او للمزايدة الوطنية لا غير بل بعيداً عن هذا تعداه لفسح المجال للدعاوي اللاحزبية والطائفية والمناطقية اللاوطنية الضيقة لتأخذ هذه المساحة وتتوغل لعلها تشغل هذا الحيز الكبير الغير مبالاً به المنشغل عنه .
ليس وحدها الأحزاب السياسية هي التي تراجعت في شعبيتها لدى المواطن العادي والذي اصبح اكثر عدائية لها ولدورها في قضايا الوطن بل اصبحت المنظمات الحقوقية خاصة والمؤسسات الخيرية الخاصة والحكومية في مرمى شك ونيل من الرأي العام فبعد ان تقدمت المنظمات الحقوقية بنشاطاتها واعمالها على احزاب سياسية كبيرة وعتيقة في العمل السياسي بل وكانت سبباً في تقدم تلك الاحزاب للسلطة بعد ان كادت تفقد كل امل في ذلك وبعد ان كانت تلك المنظمات الحقوقية بعيدة عن الشارع اليمني اعلامياً واصبحت بسرعة كبيرة في مقدمة المشهد السياسي والإعلامي إلا انها ايضاً اضحت في متناول الغضب الشعبي وما حققته في عملها السابق وتقدمت به على الجميع وخاصة تحسين صورتها امام الرأي العام الداخلي لم يشفع لها لتكون في فوهة الغضب الشعبي ولكن هذه المرة ليس فقط عبر إعلام النظام السابق وتشويهه لأدوارها والنيل منها وتحوير اهدافها وتأليب الناس ضدها دينياً وعرفياً وتقليداً بل لانها هي الأخرى ذهبت بعيداً عن الشعب واصبحت لها قضاياها الخاصة ومكايداتها مع الغير الحزبي والسياسي والإجتماعي وحين كانت بالأمس تأخذ الدعم المالي لتفعيل نشاطاتها الإنسانية والإجتماعية والحقوقية اصبحت تعتمد على هذا المال لتمكين نفسها فأضحى هذا المال إتكالاً وإعتماداً وتبعيةً للكثير ومحفزاً وشاغلاً للكثير للخوض في مضمارالحقوق والحريات للإستفادة منه واخذ حصته مهما كان الثمن فهو إن لم يقربك لمصادر السلطة والقوى في البلاد فإنه سيضمن له دخلاً في وطن يئن شعبه من الفقر والحاجة فمالم تجده في السلطة لإحتكار البعض لها فستجده في منظمات تدفع بسخاء او بما يعد لليمني سخياً وكثيراً ويستعد من اجله فعل او تنفيذ اجندات خاصة او اقلها الدعوة والتبشير بها وهكذا اصبحنا نرى تفريخاً مستمراً وزائداً لكثير من هذه المنظمات والمؤسسات.
وهكذا فشل الخطاب السياسي الحزبي للشارع اليمني ولم يقدم افضل ما لديه بل انشغل عنه واشغله بقضاياه وخصوماته الحزبية والسياسية الإنتهازية فكان تاجراً تقليدياً رجعياً بإمتياز فهو لم يسعى للمواطن العادي وللشارع العام لتقديم نفسه والبحث عن اسواق اخرى وعملاء جدد او دفعهم للعمل الوطني بل تعداه لفشله وعجزه عن تقديم مشروع وطني وثقافي وإقتصادي كضرورة وخدمة يجب ان يقدمها من يتصدر المشهد السياسي بل ويسعى لهرم السلطة وصلاحياتها ! ويكتمل مشهد الفشل الحزبي برجعيته التقليدية في مرجعيته الحزبية الخاصة المعتقة حيث وحتى ساسته المخضرمين فيه منشغلون في صراعهم لنيل السلطة ونفوذها وبكل انانية ورجعية يحتكرون المشهد السياسي والإعلامي والحزبي بتصدرهم له فلا هم من ترك لقواعدهم وخاصة شبابهم دوراً ليكمل فراغهم الشعبي ولا ان يمنحهم الفرصة لتقديم افضل ما لديهم من رؤى وتصور للوضع ومناقشته للعلن إلا من سقطات هنا وهناك دون دعم حزبي وإعلامي إلا تحت عباءة الكبار التقليدية او تحت إضاءات خافتة وكأنهم يخافون ان تسرق الأضواء عنهم او يسحب البساط من تحت ارجلهم ! لذا لا نرى تجديد في دماء الحزب وفكره من شبابه وقواعده بل نرى تجدداً لتبعية وبيعة لا توحي بالتغيير الذي يتطلبه المشهد الوطني اليمني ولا يبشر بمستقبل افضل .
اخيراً ما يجب ان تقوم به السلطة والاحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية وغيرها إعادة ثقة المواطن اليمني والشارع العام فيها وبأعمالها ونشاطاتها بتغليب المصلحة الوطنية عن غيرها وعدم فصل قضاياها سياسياً عن قضايا الوطن والشعب بل هي امتداد طبيعي له يعكس تطلعات الشعب للمستقبل الذي ينشده منها وينعكس على مفردات حياته من حياة كريمة وضمان حرية وكرامة ونشر ثقافة وطنية توعوية بحقوق وواجبات المواطن ومشاركته بإدارة البلاد سياسياً وثقافياً وإقتصادياً وصحياً وتنموياً وإلا فالمجال مفتوح لتقدم قوى جديدة وطنية لا مجالة ستسحب البساط عن الجميع وتعريهم وسيلتف حولها المواطن والشارع اليمني إن هي احسنت توجهها الوطني واخلصت النية لله في الوطن ومع الشعب وتقربت من الجماهير وشاركتها همومها وطموحها ونرشح لهذه المهمة الشباب الحر المستقل منهم خاصة وكل وطني غيور يدرك ان ترك الامر بيد من لا يهتم به إلا لمصالحة فيه خطر كبير ومحدق بالوطن وسيادته ووحدته ومستقبله وعليهم المبادرة في تنظيم انفسهم وصفوفهم لتقديم انفسهم في كيان خاص بهم ينطلقون منه للحياة السياسية ونحو المجتمع, وعلى الدولة والأحزاب السياسية إفساح المجال للشباب المستقل والحزبي الواعي ودعمهم لتشكيل مكوناتهم الخاصة ورؤيتهم والتمكين لهم في العملية السياسية الوطنية واعطائهم الفرصة الحقيقية في الإشراف والمراقبة على الدولة ومؤسساتها الحكومية لضخ دماء جديدة للعملية السياسية والإقتصادية والتنموية لانهم عماد الوطن ومستقبله ومنهم وفيهم من سيسطر للوطن ويعمد التغيير الحقيقي للأفضل الذي ننشده جميعاً .
التعليقات (0)