القانون لا يحمي المغفلين، لكنه يحمي المغتصبين. هذا على الأقل هو الإنطباع السائد في المغرب على إثر قضية انتحار الطفلة " أمينة" بعد إرغامها على الزواج من الشخص الذي اغتصبها. حادثة الإنتحار هذه أصبحت قضية رأي عام، وذلك لأنها تختزل واقعا اجتماعيا مسكوتا عنه. لكنها أيضا تكشف عن ثغرات خطيرة في القانون ينبغي إعادة النظر فيها.
" أمينة " المغتصبة وجدت نفسها زوجة لمغتصبها. المنطق السليم يرفض ذلك، لأن ما بني على باطل فهو باطل، لكن يبدو أن الفصل 475 من القانون الجنائي المغربي يعمل بقاعدة " عفا الله عما سلف" ... لذلك يستطيع مرتكب جريمة الإغتصاب أن يفلت من العقاب بحماية قانونية يضمنها الفصل المذكور الذي ينص على أن (من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنها عن الثامنة عشرة، بدون استعمال عنف أو تهديد أو تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين 200 و500 درهم. ومع ذلك فإن القاصر التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطف بها أو غرر بها، فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان حقا. ).مضامين هذا النص تنطبق على " أمينة "حرفيا فهي قاصر بحكم القانون، إذ لا تتجاوز السنة السادسة عشرة من عمرها، لكن ذلك لا يمنع من تزويجها من مغتصبها مادامت تتوفر فيها مواصفات البلوغ. وهذا يعني أن هذا الفصل الذي بموجبه تم تزويج أمينة لا يحمي الفتاة المعرضة للإغتصاب، بل يحمي الشخص المعتدي. وما يزكي ذلك أكثر هو تدخل العادات والتقاليد و ثقافة الشرف وتجنب العار. حيث تضطر أسرة المجني عليها في أغلب الأحيان إلى اختيار الحل الذي يحفظ ماء وجهها. وبالتالي تصبح الفتاة المغتصبة هي الضحية التي تدفع الثمن في كل الأحوال. وذلك تماما هو ما حدث في قصة " أمينة " التي قضت ستة أشهر من العذاب في بيت الزوجية. لكنها لم تقو على الصمود لأن ما حدث لا يحتمل هذا الصمود، فاختارت إنهاء حياتها بعدما لم تنصفها عدالة الدنيا في بلدها.
هكذا إذن يكرس القانون ثقافة الذكورة السائدة بامتياز، ويصبح الإغتصاب فعلا عاديا يمكن أن يفلت مرتكبه من العقاب بمجرد أن يقبل الزواج من ضحيته. أما مستقبل الفتاة المغتصبة في بيت " الذئب البشري" الذي سلبها كرامتها فلا أحد يهتم بالسؤال عنه. فكيف ستعيش هذه المرأة مع شخص تتمنى الموت ألف مرة كلما نظرت إليه؟. وكيف سيعامل رجل اقترف مثل هذه الجريمة النكراء تلك المرأة التي أصبح زوجا لها بالإكراه؟. القانون لا يبالي بمثل هذه الأسئلة، والمجتمع لا يتحدث عن الأضرار النفسية الجسيمة التي تعاني منها المرأة المغتصبة. المهم هو إنقاذ شرف العائلة أو العشيرة. والزواج القسري هو أفضل الحلول المتوفرة... حالة " أمينة " ليست إلا الشجرة التي تخفي الغابة. وما تعرضت له من ظلم ومهانة، عاشته وتعيشه أيضا كثير من الحالات المشابهة بسبب هذا التواطئ الممنهج بين القانون والأعراف والتقاليد. وبالرغم من أن المغرب يقدم نفسه كبلد حقق الكثير من المكتسبات القانونية التي تمنح للمرأة وضعها الإعتباري كما جاء في " مدونة الأسرة " مثلا، فإن النصوص التشريعية المنظمة لهذا الشأن مازالت تعرف بعض الثغرات التي تحول دون تكريس مطلب حقوق المرأة واقعيا. ويحدث هذا في الوقت الذي تعتبر فيه جريمة الإغتصاب سلوكا خطيرا يعرض مرتكبه لأقصى العقوبات في الدول الديموقراطية التي تحترم المرأة وتحفظ حقوقها وكرامتها.
إن الإغتصاب هو أفظع أشكال العنف التي تتعرض لها المرأة، وذلك لأن تداعياته النفسية لا يمكن أن تمحوها الأيام أو السنين. فما بالنا إذا تعلق الأمر باغتصاب طفلة؟. إنها جريمة تستحق أشد العقوبات. أما استمرار حالة الإفلات من العقاب فلن تزيد الظاهرة إلا استفحالا. لذلك آن الأوان لإسقاط الفصل 475 وغيره من النصوص التي تسمح بتكرار مأساة " أمينة " التي تستحق روحها تحية خاصة لأنها أزاحت الستار عن هذا الطابو الإجتماعي. فهل وصلت الرسالة؟. محمد مغوتي. 16/03/2012.
التعليقات (0)