ترددت كثيراً في الكتابة عما حدث في هولير خلال الأيام القليلة الماضي، و عن إعلانها الأخير و وثيقتها، و السبب الرئيسي في ذلك هو أن الحوارات و الإتفاقات التي جرت كانت برعاية و إشراف لا بل و بمشاركة السيد الرئيس مسعود البرزاني، المرجعية القومية الكُردية و الشخصية المحترمة التي يمكن للمرء أن يفتخر بها دائماً، و لذلك لست في وارد الإقدام على فعلٍ يخالف روحية وثائق هولير أو يكسر للرئيس كلاماً، مثلي في ذلك ـ كما أعتقد ـ مثل غالبية الكُرد السوريين الذين إن سنحت لهم الفرصة يوماً للأدلاء بأصواتهم، و كان أحد المرشحين للرئاسة الأخ مسعود مقابل أي شخصية كُردية أخرى، سورية أو من أية جهة من جهات كُردستان الأربع، لأمتلآ صندوق الإنتخاب على آخره بأسم كاك مسعود وحده.
و لكن لا بدُ لي رغم ذلك من أن أُعرج بشكلٍ رئيسي على ما لم يرد في الإتفاقات التي أتمنى لها النجاح، و التحدث في الوقت ذاته عن هواجسي بشأن العملية برمتها، و التي يمكنني إيجازها في الفقرات الثلاث التالية:
1. من أجل طمأنة المواطنين الكُرد السوريين و توفير الأرضية اللازمة لنجاح أي إتفاق يخصهم فإنه ينبغي لهذ الإتفاق أن ينص و بوضوح على إنسحاب حزب العمال الكردستاني و مسلحيه و أسلحته من الإقليم الكُردي السوري إلى ساحته الرئيسية، و الكف عن التدخل في شؤون الكُرد السوريين، و تركهم يقررون مصيرهم بأنفسهم بعيداً عن وصايته، و دون أية ضغوط منه، و كذلك حل الميلشيا المسلحة التي إنشأها تحت مسمى (اللجان الشعبية) أو غيرها، و الكف عن نصب الحواجز العشوائية و خاصةً في المنطقة المشتركة مع إقليم كُردستان العراق، فوجود الحزب يشجع على عسكرة المنطقة الكُردية و يمنح الطرف الآخر المبرر للجوء إلى السلاح و البحث عن حلفاء يدعمونه، و هو شئٌ ليس في مصلحة أبنائها، الذين هم من يجب أن يقرروا الطريقة التي يرونها مناسبة للدفاع عن أنفسهم، و هم أقدر على ذلك.
من جهةٍ أُخرى، و لأن هناك عدداً لا يمكن إحصائه من المؤسسات التي إنشأها حزب العمال الكُردستاني في سوريا، حيث كل بضعة أفراد من أعضائه يعملون تحت مسمى معين، في حين قامت جهة واحدة فقط و هي التي يطلق عليها أسم (مجلس شعب غربي كُردستان) بالتوقيع على الإتفاق، فقد كان ينبغي ضم كل التشكيلات له، و التوقيع عليه من قبلها جميعاً، أو قيامها بالتعهد بالإلتزام به، حتى لا يضيع المواطن، الذي قد يتعرض يوماً لواحد من مثل التصرفات اللامسؤولة السابقة من قبل أي جهة تابعة للحزب، بين مراجعتها جميعاً.
2. و لأن الإتفاق يتوجه إلى المستقبل فلا بد من التذكير، و من باب الوفاء، بالضحايا الذين سقطوا في الطريق للوصول إليه، فماذا عن الدماء التي سالت، و الناس التي أُهينت، و البيوت التي أُحرقت؟ هل من مقتضيات العدالة عدم مواجهة مثل هذه الوقائع و التنكر لهذه الحقائق؟ قد يقول قائل لننسى هذه الأشياء، و لنطوي صفحة الماضي، و عفى الله عما سلف، و لكن ليضع كل واحدٍ منا نفسه في موضع عائلة أي شهيد أو جريح أو شخص تعرض للخطف و الإهانة أو أعتدي على ممتلكاته، فهل سيرضى بإتفاقٍ يبنى على عدم إنصافه مهما كان مثالياً، و على عدم تصفية تركة الماضي؟ أليس من العدالة الإعتذار لهؤلاء الضحايا، و إعادة الإعتبار لهم، و التعويض عليهم عما لحق بهم من أضرار، خاصةً أن تضحياتهم و صمودهم هي ما يمكن أن يشكل درساً و رادعاً إذا ما سلط المرء الضوء عليها، و أعاد الحديث عنها مراراً و تكراراً دون خجل، كما تفعل الدول و المنظمات المتحضرة في سعيها للإستفادة من أخطائها، و عدم تكرارها مرةً أخرى.
إن (تجريم العنف و نبذ كافة الممارسات التي تؤدي إلى توتير الأجواء في المناطق الكوردية) الوارد في الإعلان يقتضي أيضاً إدانة المجرمين، و ذكر كل ممارساتهم التي أدت إلى توتير الأجواء، و لعل من أهمها منع المواطنين من التظاهر ضد النظام السوري تحت ظلال العلم الكُردي، و التعبير عن تضامنهم مع باقي السوريين من خلال رفع علم الثورة السورية و شعاراتها، و إرغامهم على ترديد شعارات لا علاقة لها بالثورة السورية و لا تضيف لها شيئاً، و وقف بناء الحواجز من قبل الملثمين و خطف الناشطين و الإعتداء عليهم و التدخل في حياة الناس و خصوصياتهم من خلال أحكام قراقوشية و تصرفات متخلفة.
3. و أخيراً فإن هناك مجموعة من الملاحقين من قبل حزب العُمال الكردستاني بسبب آرائهم المعارضة له أو إصطدامهم مع أعضائه، و قد صدرت بحق بعضهم تهديدات علنية مكتوبة و شفوية، قسمٌ منهم لا زال متوارياً عن الأنظار و القسم الآخر فر خارج سوريا للنجاة بنفسه، و الكثير من هؤلاء موجودين في إقليم كُردستان، و البعض منهم في قيادة الحركة الكُردية السورية، فحبذا لو تمت حل الإشكالات الخاصة بهؤلاء جميعاً كتعبير عن حسن النية، فيما إذا ما كانت هناك إجتماعات مقبلة لتقييم إتفاقات هولير و ما تم تنفيذه منها و العقبات التي واجهت التنفيذ، و كذلك عواقب عدم قيام أي طرف بإحترام توقيعه و تنفيذ واجباته.
إن الملاحظات أعلاه لا تشكل نيلاً من إعلان هولير أو تقليلاً من أهميته أو الموقعين عليه، و ليست كذلك جزءاً من الحملة الإعلامية التي نص الإعلان على ضرورة وقفها، و هنا ينبغي تحديد المقصود (بوقف الحملات الإعلامية) بدقة، و عدم ترك الفقرة التي نصت على ذلك على إطلاقها، فرغم أن الإعلام و خاصةً المستقل منه ليس جزءاً من إعلان هولير و لا ممثلاً فيه إلا أنه يجد نفسه في جميع الأحوال معنياً به، و هنا يجب عدم إنكار الدور الإيجابي الذي لعبه من خلال الضغط الرئيسي على الجميع، و خاصةً على المعتدين من خلال فضح أفعالهم، و على الطرف الآخر من خلال فضح هشاشته، و أوصل القضية بالتالي من خلال تسليط الضوء على خطورتها إلى هولير، فهل يتوجب على الإعلاميين و خاصةً المستقلين منهم تجاهل ما قد يحدث من خروقات مثلاً بإعتبار أن تدخلهم سيزيد الأمر سوءاً؟ و إذا كان البعض سيذهب بغير هذا المنحى فليعتبر الملاحظات برمتها حملة إعلامية على الماضي بكل سلبياته، ليس أكثر.
التعليقات (0)