إعادة صياغة قبل الافتنان
يعتقد الكثيرون من البسطاء أن تقدم مظاهر الحياة وازدهارها يجعل ركب الحياة برمته يتحلل من الدين يوماً بعد يوم، وخير دليل على هذا الاعتقاد ما اشتهر على ألسنة الناس من قولهم: لقد صعد الغرب إلى القمر، ونحن لا زلنا نناقش في جواز شرعية بعض الأمور من عدم جوازها!!
وهذا الفهم المحدود في حقيقة الأمر ناتج عن مزيج من الأخطاء المركبة، سواء تلك التي تولت كبرها وسائل إعلامنا فاقد الهوية، والتي فتحت الباب على مصراعية للمادة الإعلامية الصهيونية، كي تخترق عقول وقلوب أبناء أمتنا، موجهة لهم خطاب واحد، مفاده أن التقدم والحضارة يتلخصان في الاتباع الأعمى للغرب في كل خطواته، وأخذ كل ما لديهم من الغث والثمين، وأن التخلف والتأخر يكمن في التمسك بأي شيء يمت للدين بصلة – في إشارة لما وصفه الكفار من قبل بأنه أساطير الأولين- حتى تم الافتتان التام بالغرب، وصاروا مضربا للمثل العليا، ونموذجاً للإنسان الحضاري، على الرغم مما هم عليه من الكفر والفجور، والشذوذ الجنسي، والانحطاط الاخلاقي!!
ويرجع السبب بالطبع في هذا التردي إلى إعلامنا المتحضر، الذي ما فتئ يجلب للأمة أنواع الرذائل على اختلاف ألوانها وأشكالها، لتدمير عقول وقلوب أبناء أمتنا، إذ لم يكن في الحسبان يوماً ما، أن يتبوأ سفلة الخلق هذه المكانة، لولا ما قدمه لهم إعلامنا الممعن إخلاصا لوطنيته!!
والحق لمن يريد أن يزن الأمور بميزان العقل المطلق، يجد أنه ليست هناك أي ثمة حاجة للتقدم العلمي أن يتحلل من الدين، أعني بذلك أن التكنولوجيا التي أوصلتنا لصناعة الطائرات، لا تكمن في هذه الملابس الخليعة التي ترتديها مضيفات الطائرة، حين تقدم للركاب المشروبات، كما أنها لا تكمن في كؤوس الخمور التي يتناولها رجال الاعمال على متن الدرجة الأولى، بالاضافة إلى أنها لن تتوقف كذلك إذا ما ركب بداخلها رجل يرتدي ثوبا على السنة أو بدلة بربطة عنق، وإنما كل ذلك مجرد تقليد اعمى للغرب، ولا يمت إلى تطور الحياة بصلة، ولكنه فقط إرث التخلف الذي ورثناه عن إعلامنها الحائز على أعلى مراتب العمالة والخيانة.
ومن هنا تأتي حتمية قيام المسلم بدوره الأساسي في توعية الأمة، مستخدماً في سبيل ذلك كل وسائل الإيضاح الحديثة، غير مكتفٍ بمواعظ المساجد، ودور الندوات، وإنما يجب عليه الخروج للساحة بأساليب متجددة، كي ينقذ ما بقي من أبناء الأمة من الغرق في هذه الهاوية السحيقة، وهذا لن يتحقق إلا بجهود جبارة يكون مبعثها الاخلاص، مع ما يكتنفها من العلم الشرعي الصحيح، والوعي الشامل لواقع الأمة المنهارة، إن الدور المناط بكل مخلص اليوم، لا يمكن أن يغاضى عنه بأي شكل من الأشكال، وذلك على الرغم من السجون والمعتقلات وحملات البطش والتنكيل التي تجتاح أرجاء أقطارنا الإسلامية، إلا أن كل ذلك لا يمثل عذرا ًمن القيام بهذا الدور، لأنه مناط النجاة يوم القيامة، قال تعالى: "فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين"
التعليقات (0)