مواضيع اليوم

إعادة إدماج بالطريقة الجزائرية !

عبدالسلام كرزيكة

2009-05-09 06:46:17

0

لإعادة إدماجهم ومسح صورة العار

 
ورود وولائم لاستقبال المفرج عنهم من السجون الجزائرية

بعدما كان وجود أي سجين لأسرة جزائرية داخل مؤسسة عقابية مصدرا للعار والفضيحة، أصبحت أغلب العائلات اليوم تحتفل بخروج مساجينها، وتستقبلهم بالورود وإقامة الولائم. ويرى المختصون في علم الاجتماع أن السجين أصبح من خلال هذه الأموال التي تصرف والولائم
 التي تقام يبحث عن شراء إعادة إدماجه في المجتمع.
 لم تعد العائلات الجزائرية اليوم تخجل من وجود ابن لها أو قريب وراء القضبان، فالخروج من المؤسسة العقابية أصبح حدثا مهما يتم التحضير له من قبل. ويحتفل بالمناسبة في جو أشبه بالأعراس، يبدأ بتنظيم مواكب السيارات وإطلاق الزغاريد، انطلاقا من المؤسسة العقابية، وإقامة الولائم التي يكون فيها طبق الكسكسى واللحم سيـدا، ليصبـح السجـين بذلك عريسـا، بينمـا تـرى العائـلات أن من شأن ذلك أن يشعره بأنه مرغوب فيه، وبإمكانه العيش حياة عادية فلا يتأثر بنظرات المجتمع على أنه خريج سجون ويتمكن من العودة إلى حياة طبيعية.
الخبر لمست مظاهر الفرح على أبواب سجن الحراش بالعاصمة، هناك كانت كل الأنظار مشدودة نحو البوابة الرئيسية، حيث تنتظر العائلات طلة سجينها بفارغ الصبر، بعد انتظار قد يدوم ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة، ولكن التعب سرعان ما يتبدد لتكتمل الصورة بالعناق، وذرف الدموع وتبادل القبلات.
هو حال عائلة ع التي كانت تنتظر خروج ابنها شوقي، 22 سنة، بعد قضائه عامين حبسا نافذا بتهمة السرقة، وذلك منذ التاسعة صباحا. لم تزح الوالدة  عينيها البارزتين عن البوابة الرئيسية. وفي حدود الساعة الثانية عشرة إلا ربع تعالى الصراخ، وراحت الوالدة تركض رفقة ابنها وابن أخيها وابنة أختها نحو البوابة، والدموع تنهمر من أعينهم، فقد خرج شوقي شاحب الوجه، يلتفت ذات اليمين والشمال وعانق والدته وسط الطريق المحاذي للسجن مطولا، لدرجة أن السيارات توقفت. أما العائلات التي كانت بصدد زيارة أولادها فلم تستطع هي الأخرى حبس دموعها في مشهد درامي مؤثر جدا. اقتربنا من السجين شوقي لجس نبضه بعد خروجه من المؤسسة العقابية، فقال ديت لاكي، في إشارة منه إلى أنه أنهى سنوات الخدمة في السجن، بدل الخدمة الوطنية. أما والدته فأخبرتنا أنها حضرت لهذا اليوم منذ شهور، اشترت كل لوازم الحلوى، وأعدت الكسكس لتقيم وعدة يحضرها الأقارب والجيران وأصدقاء ابنها.
ودعنا السجين شوقي، بعدما صعد سيارة من نوع 307، تتبعها سيارات أخرى لأصدقائه، أطلقت العنان لمنبهاتها.
وغير بعيد عن سجن الحراش، وبالضبط بالقرب من محل لبيع مختلف المواد الغذائية، لمحنا حوالي 8 أفراد من عائلة س، يحمل كل واحد منهم باقة جميلة من الورود، طغى عليها اللون الأحمر، حينها اكتشفنا أنهم بصدد استقبال ابنهم القاصر عبدو، 16 سنة، والذي لم يتجاوز  مكوثه في السجن 10 أيام فقط، لتورطه في قضية مخدرات. لكن فراقه لعائلته كل هذه المدة وصفها والده بأنها سنوات طويلة وثقيلة، تجرع فيها جميع أفراد العائلة مرارة الفراق، كما أكد أن الاحتفال بابنه سيكون كبيرا خاصة بعد تبرئته من التهمة الموجهة إليه. خروج عبدو كان في حدود الحادية عشرة إلا ربع، ولحظات اللقاء كانت مؤثرة، لفتت فيها انتباهنا الحاجة عائشة التي بكت بحرقة، لدرجة أننا كنا نظن أنها قريبة له، ولكن هذه المرأة، أو بائعة المحاجب الحارين، مثلما هو معروف لدى المترددين على المؤسسة العقابية للحراش، تذكرت ابنها محمد، 27 سنة، المسجون منذ 29 شهرا بالمؤسسة العقابية لخميس مليانة غرب العاصمة بتهمة السرقة والمعاقب على أساسها بـ3 سنوات سجنا نافذا.
قالت الحاجة عائشة إنها اشترت اللوز بالأموال التي تجنيها من بيع المحاجب، وذلك لصنع الحلوى بعدما يخرج ابنها من السجن، ولكن الاحتفال، حسب محدثتنا، لا يهمها كثيرا بقدر ما تصر على تزويج ابنها مباشرة بعد خروجه، كحل تراه مناسبا ليعود لجادة الصواب.
من الجانب السوسيولوجي، يعد الاحتفال بخروج المساجين من المؤسسات العقابية، حسب السيد رابح درواش، أستاذ علم الاجتماع بجامعة البليدة، بمثابة انتصار على المجتمع وتجاوز لمحنة السجن بالنظر لتغير طبيعة الجريمة في المجتمع، والتي أصبحت تقوم على النصب والاحتيال وسرقة المال العام، وذلك على عكس ما كانت عليه في الماضي، حيث طغت جرائم الأرض والعرض التي غالبا ما تسيء لسمعة الأسرة. فالسجين، حسب محدثنا، أصبح اليوم يشتري ذمة الناس، وإعادة إدماجه في المجتمع من خلال الأموال التي تصرفها عائلته في الاحتفال به.

 

التقرير لجريدة الخبر الجزائرية منشور في : أحوال الناس.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات