إطلالة على عالم خليل الفزيع ـ الإنسان والفنان
ـ حسن توفيق:
هناك أناس قد يكونون قريبين مكانيا, ومع ذلك نحاول تفادي الاقتراب منهم، وهناك آخرون نحاول دائما أن نقترب من عوالمهم بكل حب، رغم أنهم قد يكونون بعيدين عنا ولا يتاح لنا أن نلتقي معهم إلا بين الحين والآخر، وعلى امتدادات فترات متباعدة، ومن هؤلاء خليل إبراهيم الفزيع الذي يأسر من يعرفونه من أصدقائه وقرائه على حد سواء بجمال الإنسان ونبله وتسامحه وبساطته، وبشفافية الفنان وإخلاصه ودقة التزامه بقضايا مجتمعه، ودفاعه المستميت عن الحق والحرية والمحبة.
على امتداد أكثر من عشرين سنة عرفت خلالها خليل إبراهيم الفزيع، أستطيع القول بكل اطمئنان أن صفاته الإنسانية لم تتغير أو تتكدر، بل أنها تتأكد دوما وتتجدد، لأنها ينبوع صاف من المحبة التي لا تعكرها عواصف الزمان، بما تحمله من تقلبات وشوائب، والحق أن الصفات التي يتحلى بها خليل إبراهيم الفزيع قد انعكست على إبداعه الأدبي المتمثل في القصة القصيرة، وعلى مقالاته المتنوعة التي تنضح بالبساطة وبالعمق في آن واحد، بل أن هذه الصفات قد تغلغلت ـ بدورها ـ في كتابات خليل إبراهيم الفزيع النقدية، فهو لا يقف موقفا متشنجا أو متعاليا أمام الأعمال الأدبية التي يقول فيها كلمة نقدية، وإنما يحاول أن يطرح آراءه بكل الحب، دون أن يوقعه هذا الحب في شراك المجاملات.
الذي أقوله هنا عن خليل إبراهيم الفزيع، قاله غيري من قبل، وكأن هناك إجماعا منهم على ذلك، وهنا لابد أن استشهد بما قاله عنه الكاتب الكبير رجاء النقاش، حين كتب في الراية 27 يوليو 1980 يقول: (التقيت بخليل الفزيع منذ سنوات، فلفت نظري منذ عرفت تلك الشخصية، هذه الوداعة الآسرة والطيبة الثابتة، التي تعمل بغير جزع، بل تصبر وتصابر في سكينة ورضا عميقين، وهذا النوع من الناس الذي يمثله الفزيع يعتبر في حقيقته شفاء ودواء من هموم الحياة المختلفة التي يتعرض لها الإنسان..) ولتأكيد ما سبق أن قلته من أن صفات خليل إبراهيم الفزيع الرائعة لم تتغير أو تتكدر بل إنها تتأكد دوما وتتجدد، فإن ما سبق أن قاله رجاء النقاش منذ أكثر من عشرين سنة، قد عاد إليه ليستشهد به أحد الذين كتبوا دراسات متكاملة عن خليل إبراهيم الفزيع، وهو الدكتور محمد الصادق عفيفي الذي أصدر خلال هذه السنة ـ 2001 ـ دراسة بعنوان "الفزيع بين الأدب والصحافة".
قسم الدكتور محمد الصادق عفيفي دراسته إلى ثلاثة أقسام، يتصدرها عرض موجز لسيرة حياة خليل إبراهيم الفزيع ومؤلفاته وإسهاماته ودوره في جريدة "اليومط السعودية، وقد تحدث الدارس في القسم الأول عن "الفزيع عبر مجاميعه" القصصية على امتداد أربعة مباحث وهي: "ملامح من جيل البدايات" و"البعد المكاني" و" الفزيع والقرية" و"الفزيع بين الواقع والخيال".
ويتناول الدارس في القسم الثاني "عناصر الفن القصصي" من خلال ثلاث مباحث عن مسميات الأقاصيص واللغة الفصحى والعامية والوصف الذي اتكأ فيه على دراسة الوصف المكاني والتحول المكاني والوصف الزماني ووصف الشخصية والوصف النفسي ووصف الطبيعة والوصف الشاعري، أما القسم الثالث من دراسة الدكتور محمد الصادق عفيفي، فإنه يتغلغل "في دنيا المقالة" مشيرا إلى أن خليل الفزيع باعتباره صحفيا ودوره في مجلة "العهد" القطرية المحتجبة والتي عمل مديرا لتحريرها، وموضوعات خليل الفزيع التي تتجلى في مقالاته، حيث تحدث الدارس عن المقال الثقافي والنقدي والاجتماعي والسياسي، ثم تناول خصائص المقال عنده ورأى أنها تتميز بـ "التحديد" و"الوضوح" و"تبسيط اللغة" و "الإقناع والجدة".
وإذا كانت هذه الدراسة تتناول الثراء والتنوع عند الكاتب خليل إبراهيم الفزيع، فلابد أن نتذكر هنا دراسة قد سبقتها، وهي دراسة جاسم علي الجاسم الذي اختار لها عنوانا محددا هو"الفزيع وعالمه القصصي" وقد أشرت إلى هذه الدراسة منذ فترة ليست بعيدة، وأن كان الدكتور محمد الصادق عفيفي قد أشار إلى إبداعات وكتابات الكاتب الفزيع، فإنه ذكر ـ بكل أمانة ـ أنه لم يطلع على كتاب "أحاديث في الأدب" الذي صدر سنة 1966 وكتاب "أفكار صحفية" الذي صدر سنة 1981، ومع تقديري العميق لهذه الأمانة، فإني كنت أتمنى أن يحاول صاحب الدراسة الحصول على هذين الكتابين، لأنهما في صلب دراسته التي يؤكدها عنوانها "الفزيع بين الأدب والصحافة" فالكتاب الأول الذي ليس تحت يدي الدارس هو "أحاديث في الأدب" أما الثاني فهو "أفكار صحفية"، وهذا الذي أقوله لا يقلل بالطبع من قيمة الدراسة وإن كنت أتصور أن هذين الكتابين كانا سيضيفان إليها، خاصة أن المسافة الزمنية كبيرة بين صدور كل منهما، وهذا ما يفيد الدارس حين يتحدث عن البدايات ومرحلة النضج، ويتسنى له ـ في هذه الحالة ـ القيام بمقارنات مستحبة، بل مطلوبة. وما دمت قد أشرت إلى أمانة الدكتور محمد الصادق عفيفي، وهو يشير إلى كتابين من كتب خليل إبراهيم الفزيع، ليسا تحت يده، فمن باب الأمانة أيضا أن أذكر أنني لم أطلع حتى الآن على هذين الكتابين، بالإضافة إلى كتاب "فصول في عشق الوطن"، متمنيا أن أحصل عليهما ذات يوم. وكم كنت أتمنى كذلك لو أن الدكتور محمد الصادق عفيفي قد تغلغل في دراسته إلى أدب الرحلات عند خليل إبراهيم الفزيع الذي أصدر "أيام في بلاد العم سام" والذي قدم له بمقدمة مهمة يرى خلالها إن (أدب الرحلات لون أدبي يمكنه أن يشمل كل ألوان الأدب، إذا لقي عناية خاصة من كاتبه، وإذا امتلك ذلك الكاتب أدوات الخوض في مجالات وألوان الأدب المختلفة، فالرحلات نوافذ يطل منها الكاتب على حياة الشعوب وآدابها وثقافتها المتنوعة، معتمدا في كل ذلك على معرفته الخاصة بتلك الآداب والثقافات، ليضيف إلى تلك المعرفة الخاصة ما يكتسبه من معلومات جديدة عنها عنها خلال رحلته..).
الحق أن كتاب أيام في لابد العم سام كتاب مشوق وممتع من كتب أدب الرحلات، وفيه عرض ذكي لرؤية صاحبه للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه ليس الوحيد الذي كتبه خليل إبراهيم الفزيع ضمن أدب الرحلات، فقد كتب سلسلة مقالات جميلة عن إحدى رحلاته إلى الأندلس ـ العربية ـ إسبانيا المعاصرة ، وكان يمكن لدراسة الدكتور محمد الصادق عفيفي أن تنظر من هذه الزاوية إلى مكان "الولايات المتحدة" الذي ننظر إليه نحن العرب بطريقة تختلف عن مكان آخر "إسبانيا" من حيث الحب والنفور، ومن حيث الإحساس بالانتماء أو عدم الانتماء.
ومع هذا لابد من توجيه التحية للدكتور محمد الصادق عفيفي على الجهد الجاد الذي بذله في دراسته عن الكاتب الإنسان والفنان خليل الفزيع.
(جريدة الراية القطرية 4 أغسطس 2001)
التعليقات (0)