إضبطوا ساعاتكم على المونديال...
إنه المونديال. كل أنظار العالم تتوجه هذه الأيام إلى بلاد " مانديلا " حيث كرة القدم تصنع الحدث، وتسحب البساط لمدة شهر كامل من تحت كل الأحداث السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية، فلا صوت يعلو على نقاشات المشجعين وهتافاتهم وتحليلاتهم.
في عالم يمتلئ بالمفارقات و يختنق بالخلافات والعداوات، تبدو الرياضة - وخصوصا كرة القدم – الإستثناء الوحيد الذي يشذ عن القاعدة. ولا يعرف فرقاء العالم مجالا للإلتقاء إلا في ملاعب الكرة. حيث تنجح هذه الرياضة الشعبية بشكل ملفت للإنتباه في خلق جو من الفرجة والمتعة ينسى معه جميع عشاقها متاعب حياتهم وينخرطون في الاحتفال و الفرح سواء في مدرجات الملاعب أو خلف شاشات التلفزيون. وكأس العالم يمثل مناسبة تتكرر كل أربع سنوات وتجعل هذه الإحتفالية ذات بعد عالمي. وإذا كان الشعور بالانتماء والهوية محددا رئيسيا للمتابعة الكروية وطقوس التشجيع، فإن جمال اللعبة و سحرها يلغي كل الحدود والإنتماءات عندما يمتلك منتخب محدد أو لاعب معين قلوب الجماهير و حبهم بغض النظر عن جنسياتهم. وهكذا تبدو الكرة على هذا المستوى حاملة ولو شكليا على الأقل لمعاني التعايش و التواصل و المودة بين الشعوب. وهذه هي الدروس التي ينبغي أن تستخلص من المونديال لعلها تومض قبسا من النور في ظلام العتمة التي فرضتها أحكام السياسة وحسابات السياسيين. فالأمر لا يتعلق بمجرد ترف زائد يتنافس فيه اللاعبون على الفوز بكأس ذهبية تنتقل من دولة لأخرى كل أربع سنوات.
جميل جدا أن تكون كرة القدم حاملة لمعاني المحبة و التنافس الشريف على أساس مبادئ الروح الرياضية، لكن زمن العولمة والهوس المادي و نزعة التملك الرهيبة جعلت هذه اللعبة الجميلة ( التي كانت إلى وقت قريب رياضة الفقراء) مجالا واسعا للربح والإغتناء. وبدأت المعايير المادية تدريجيا تفقد هذه الرياضة براءتها، فقد أصبحت سوقا عالمية للبورصة تفرض نفسها بشكل كبير على الساحة الإقتصادية. واستطاعت مجموعة من الفرق أن تمتلك ميزانيات ضخمة تفوق في أحيان كثيرة ما يتوفر عند دول بأكملها، وبلغت أسعار اللاعبين في سوق الإنتقالات ( بلغة أهل الكرة ) أرقاما قياسية لم يسبق لها مثيل. وفي عز الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تعرفها دول العالم، تبدو المؤسسات الكروية وفرق كرة القدم بمنأى عن هذه الحالة، وكأنها تنتمي إلى كوكب آخر. وهكذا تصرف ملايير الدولارات سنويا على اللاعبين والمدربين بسخاء شديد. لذلك أصبحت أقوى دولة في العالم هي " دولة الفيفا " التي تتحكم إلى حد بعيد في المساهمة في التأسيس لعلاقات عالمية جديدة تتجاوز مجالات وحدود اختصاصها. و قرارات هذه الهيئة الرياضية تفوق في أهميتها القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة... و باتت مناسبة مثل احتضان " كأس العالم " محطة تجند لها الدول المرشحة كل إمكانياتها المادية و المعنوية طلبا لإرضاء " حكومة الفيفا".
لقد نجحت قارة إفريقيا لأول مرة في كسر استحواذ الكبار على تنظيم المنافسات الرياضية العالمية، و ستكون أرض " جنوب إفريقيا " مسرحا للمنافسة الكروية التي تسكن ألباب الجماهير في كل مكان طيلة شهر كامل. وهي فرصة للفت الانتباه إلى قضايا هذه القارة بأكملها. وتلك هي الرسالة الحقيقية التي يجب أن تنهض بها كرة القدم، حتى لا تتحول إلى مجرد مخدر يغيب الوعي الجماعي في هيستيريا الفرح بفوز فريق ما، أو الحزن والغضب لخسارة فريق آخر. محمد مغوتي.11/06/2010.
التعليقات (0)