الإضاءة الأولى للفلسفة
لكل إنسان عصره الذهبي في رحلة الحياة القصيرة...والمرحلة التي كانت بين أيامه مضيئة أكثر من غيرها....وبالنسبة لي فالعصر الذهبي كان مرحلة مراهقتي رغم أنها لم تكن مثالية بتاتا، لكنها من منحتني الحرية للتأمل بعمق فريد وتركيز فقدته فيما بعد...وكأني كنت أمنح نفسي متسعا من الوقت الذي أصبح ضيقه أحد هواجسي في المراحل التي عقبت ذلك.
فالدنيا كانت كاللاشيء..و لم تكن لتبكي (رجل المستقبل)الذي عليه أن يتعلم كيف يقهر الدموع...ويتعلم كيف يفكر ، ويترك الأحاسيس الفياضة للنساء....وعلى ذكر النساء فهن من كُنّ يمنحنني الإلهام...في حركات توخز عقلي ليكون (فيلسوفا).
وفعلا كنت سعيدا لولا نوبات (التعكير الفكرية) التي كانت تنتابني في كل شيء وحول كل شيء....فازداد توقي للقاء من يستطيع أن يفسر لي (كتاب تساؤلاتي) الذي عجزت عن قراءته وقتها ...فقد كانت لي أسئلة أردت أن أسأل عنها أمي لكن خجلي منها منعني من ذلك ..وكانت لي أسئلة لأبي أيضا لكن (العرف) غذى حيائي فعفوت عن أمي و عن أبي وبقيت تساؤلاتي تعذبني في رحلة إنتقامية مريرة مني لإبقائي لها سجينة فكري..؟!..وبينما أنا كذلك إذ فُرِجت علي بأن أضافوا لنا مادة جديدة في منهاجنا..في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة إليها..فكانت غيثا نزل علينا من السماء.
وبحكم عمري فقد كنتُ سريع التعلق بكل أستاذ مضافة إليه (ة) ... لأن عطره (ا) كان كالإبر التي تمنع عن عقلي الشرود (بعيدا)....وبالفعل أحببت المادة بمجرد أن كتب (ت) الأستاذ(ة) العنوان لأول مرة على السبورة.....:فلسفة...تعلقت بالكلمة في تشبيه بالحب من أول نظرة.
أخذ (ت) الأستاذ(ة) في الشرح و(التفصيل)..فكان التعريف الأول بمثابة المفتاح الذي كان سيحرر أفكاري التي تعذبت وعذبتني.....الفلسفة هي ((حب الحكمة)) ..؟! فقط..؟! نعم ـ فقط ـ الفلسفة هي حب الحكمة...فانفرجت أسارير وجهي وأسفرت عن ما يشبه إبتسامة الإنتصار والحرية معا...إنتصرت على خجلي من أمي وحيائي من أبي...وتحررت أفكاري وتحررتُ من الأرق الذي كاد يصيبني بالجنون...
إذن يكفيني أن (أحب)لأن ( أحاول)وليس لأن أكون فالحكمة ليست لنا نحن البشر بل هي مقتصرة على المولى تبارك وتعالى وهو (الحكيم)..وهذه إضاءة أخرى وحكاية سنفصل فيها ..لكن هذه المرة (تفصيلا حقيقيا)...إن شاء الله.
التعليقات (0)