مواضيع اليوم

إصلاح المنابر الإسلامية

الزبير محمد علي

2010-07-14 07:59:50

0

                          المنابر الإسلامية رؤية اصلاحية
                                 خطبة الجمعة كمثال

الزبير محمد علي                                                                                  
ا
لمنابر الدينية هي أحد آليات تعليم وتثقيف المجتمع، وتعتبر إحدى وسائل الاتصال المباشرالتي لا يمكن للمجتمع الاسلامي الاستغناء عنها، ذلك أنها لا يمكن أن تكون موسمية، لكونها مرتبطة بالالتزام الروحي للمسلمين الذي يوجب حضور المساجد بصورة مستمرة لأداء التكاليف والواجبات المفروضة.
من بين هذه التكاليف صلاة الجمعة الجامعة لكل المسلمين، ويكمن بيت القصيد في ذكر هذه الصلاة بالذات أن الواجب لأدائها أن تسبقها (خطبة) وهذا ما يعنينا هنا، إذ تندرج الخطبة ضمن سياق موضوع المنابر الدينية.
هذا لا يعني أننا بصدد حصر المنابر الدينية في منبر الجمعة، لكن يظل تحليل هذا المنبر أمر ضروري وهام لتعلقه بحضور حشود كبيرة من عموم الناس قد لا تتوفر في أي وقت آخر ،باستثناء صلاة العيدين.
مما يوجب تسليط الضوء على هذا المنبر بشكل مدرك وواع بمضمون الخطاب الإسلامي الذي يقدم الآن للناس.
ويجب هنا طرح تساؤل مهم فحواه ؛هل يوجد منهج محدد يرتكز على أساسه الخطاب الإسلامي الموجه في هذه المنابر؟ (ونعني بالمنهج مجموعة الأسس والقواعد والأساليب التي تضع القالب الأمثل لمضمون وأسلوب الخطابة) أم أن المسألة عمل ارتجالي فردي غير مخطط له بصورة مدروسة؟
في تقديري أن المقيِّم للخطاب المقدم في المنابر يجد غالبا أن الموضوع يسير بصورة فردية ارتجالية غير آبهة بأهمية وخطورة ما يقدم في هذه المنابر وأثره على المتلقي، وربما يوجد تصور جزئي لبعض المدارس الفكرية في موضوع منبر الجمعة كتجربة هيئة شئون الأنصار عندما كونت لجنة مختصة لصياغة الخطب المنبرية بصورة مدروسة، لكن للأسف هذه الخطة لم تعمم على كل المساجد التي تنضوي تحت ظلال الهيئة.
وهناك تجربة بعض أئمة المساجد المستقلين أو المنضوين للجماعات الحركية الحديثة الذين يهتمون بالتخطيط للخطبة، ولكن يمكن القول بصورة واضحة أنه لا يوجد تصور شامل للخطاب الإسلامي في المنابر الدينية لأية مدرسة فكرية إسلامية في السودان يمكن مشاهدته على أرض الواقع.
لأن الذي يتأمل ويقيم هذا الموضوع يجد تخبطا وعشوائية واضحة في تناول المواضيع، وأحياناً تكاسلاً من قبل أئمة المساجد في البحث والإحاطة بأطراف المواضيع التي تقدم والاكتفاء أحياناًَ بتسميع الخطب التي سطرها علماء السلف كخطب الإمام النووي وغيرها، وللأسف هذا الأسلوب موجود في جل المنابر الموزعة على شتى بقاع العالم الإسلامي باستثناء قليل من المنابر التي تحاول ربط الخطاب الإسلامي بالمستجدات والعقبات التي تواجه المجتمع المسلم.
أيضا نجد أحياناً أن الخطاب يركز على الجانب التعبدي في الإسلام ويغفل جانب المعاملات والجانب الذي يتعلق بالتفكّر والتأمّل في الكون وكأن الإسلام عقيدة لاهوتية معزولة عن واقع المجتمع، وهذا مفهوم خطير لأن جل عوام الناس يعتقدون أن الإسلام معنيٌ بالجوانب الروحية و الخلقية فقط ولا علاقة له بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والبيئية.
هذا التصور الخاطئ عن فهم الإسلام يجافي حقيقة ما أنزله الله على خير البرية سيدنا محمد (ص).
إن الإسلام يختلف عن كثير من الأديان – السماوية والوضعية- في أنها تعني بالمسائل الروحية فقط ولا علاقة لها بجوانب الحياة المختلفة، بينما الإسلام يعنى بإصلاح كافة جوانب الحياة الفردية والجماعية مما يؤهل الإسلام للقيام بدور حضاري كبير يمكن أن يساهم في سد الثغرات التي صاحبت الحضارة الحديثة كإغفال الجانب الروحي في المجتمعات الغربية، ويمكن أن يلعب دوراً إيجابياً في القضايا المطروحة في الساحة المحلية والعالمية كقضايا المرأة، حوار الأديان، حوار الحضارات، المواطنة، قضايا الاقتصاد الحديث ،قضايا البيئة ، حقوق الإنسان وموقف الأديان منها، العولمة، القضايا الطبية كالموت الدماغي والاستنساخ والخلايا الجزعية، موقف الأديان من الفنون والرياضة ..الخ.
هذه القضايا وغيرها حظيت بمناقشات في عدد من المؤتمرات وشهدت جدلا واسعا بين الفقهاء وعلماء التخصصات المختلفة، لكن النصوص القطعية الإسلامية في اعتقادي لها موقف إيجابي حيال هذه القضايا مما يحتم علينا أن نتناول هذه القضايا وغيرها مما يغطي كافة المجالات الحياتية للناس في المنابر الدينية، إضافة لما يقدم فيها من وعظ وإرشاد واعتبار بقصص الأنبياء عليهم السلام.
كما أن المنابر يمكن أن تساهم في تغيير الواقع إذا تم ربط الموضوعات المقدمة بشئون المجتمع المعاصر وتلمس مشاكل الناس لأننا لسنا بحاجة إلى الدفاع النظري عن الإسلام وإنما لبرنامج يخاطب تحديات العصر التي تواجه المجتمع ،ووضع كبسولة علاجية ملائمة لها من وجهة نظر إسلامية.
وهذا يتطلب من المدارس الفكرية الإسلامية أن تدرك أن مصلحة الإسلام ليس في الهروب إلى الماضي ومحاولة الاحتماء به في مواجهة الحاضر؛ لأن هذا الأسلوب يجعل المسلم المعاصر في تجاذب بين الثبات على التراث واللحاق بركب العصر، لذا يجب أن نعمل على استنبات أسلوب يعمل على استقراء التراث والاستبصار به دون الركون والإنكفاء عليه، مع أهمية الإستفادة من منجزات الحضارة الحديثة. هذا الإسلوب يُجنَب أمتنا التقوقع في الماضي؛ كما يُجنَبها أيضاً الارتهان والاستلاب الفكري والاستنجاد بالآخر لتعويض الإبداع، وهذا يتطلب دراسات وخطط لكي تستوعب المنابر الإسلامية هذه المعاني حتى نتمكن من الابتعاد عن الخطاب المتكرر الذي اعتدنا على سماعه، والله المستعان.

صحيفة أجراس الحرية 2008




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !