تعيش المجتمعات حالة حراك مستمرة لا تنقطع , حراك يستمد وجوده من طبقة المتعلمين والمثقفين التي هي جزءٌ من الطبقة الوسطى وهدف الحراك الإصلاح الشامل والجذري وثمرته الإستقرار وتحقيق مزيداً من التقدم والنماء وتحقيق المواطنة والمشاركة الشعبية عبر أدوات فاعلة وهذا ما تطمح له المجتمعات خاصة المجتمعات العربية التي أكلتها أنظمة مستبدة لم تراعي ضرورات ولا متغيرات .. الربيع العربي الذي لم يزهر حتى الآن رغم الثمن الباهض المدفوع من الدماء والكوارث والتدمير وعلى الرغم من إختطافه "الربيع " بقدرة قادر من قبل تنظيمات وحركات قفزت على المطالب والحراك في ليلةٍ ظلماء الإ أن الوعي المجتمعي أزداد بضرورة التعددية الشاملة فكرياً ومذهبياً وفقهياً وسياسياً وأزداد أيضاً بالإصلاح كضرورة وخيار وطني يحقق الإستقرار ويقطع الطريق على المتاجرين بالملفات الوطنية وأزداد وعياً بضرورة تحقيق مفهوم الدولة المدنية على أرض الواقع بعدما أحتضنتها مجلدات الكتب طوال عقود ماضية ذلك الوعي المتزايد يفشل عند أول تجربة تطبيق والسبب الجهل وغياب الوعي والتعصب الطائفي والمذهبي والفهم الخاطيء للديموقراطية التي تعني في أبسط صورها التعاون الكامل بين الأغلبية والأقلية السياسية في الإدارة والحكم فالعقل العربي يعيش في تراكمات الماضي ولا يستطيع التخلص منها بسهولة فالتسامح غائب لدرجة أن المتأمل لا يكاد يصدق ما يراه من دموية بشعة وتلك إشكالية بحاجة لمن يفكك رموزها ليعم التسامح وتبدأ عجلة المصالحة والإصلاح والتغيير بالإنطلاق , الإصلاح الشامل لا يكون في تطبيقات شكلية ولا يركز على ملف ويهمل آخرى بل هو عملية تكاملية مركزة تنعكس على أرض الواقع بإيجابية تحقق الرضى المجتمعي وتنزع فتيل الغضب وعدم الإستقرار . مشكلة العالم العربي الحقيقية تكمن في الجهل فالجهل أفضى للتعصب والطائفية والمذهبية , فالتعصب قتل المشاركة الشعبية وأستبدلها بفكرة المغالبة التي هي تطبيق عملي للتعصب والطائفية عبر ممارسات دموية أو إقصائية ممنهجة ولن يتقدم العالم العربي دون تحرير للعقل من نطاقه الضيق وإطلاق كوامنه ليحلق في سماء التفكير ويستبدل مدرسة النقل بمدرسة العقل . من المحيط إلى الخليج كل بلد لديه ما يسمى بالخصوصية الفريدة وتلك إشكالية أنتجها العقل المصاب بداء الجهل وتراكمات الماضي فالخصوصية لا تعطل تنمية ولا توقف تحديث اوتطوير اوإصلاح شامل "سياسي, إقتصادي , تنموي, فكري, ثقافي , إجتماعي " بل تدعمه لكن خصوصية العالم العربي عطلت الإصلاح الشامل وبرزت كلمة الله لا يغير علينا فالخصوصية هي اللصوصية وهي العقبة التي تواجه المجتمعات وطبقة المثقفين على وجه الخصوص , لكل بلد خصوصيته الغير معطلة للطاقات لكن تلك الخصوصية يجب أن تكون خصوصية مرنه تتجاوب مع أي خطوة تقدمية وتنصهر مع متطلبات المجتمع ومتغيرات العصر لكنها " الخصوصية " باتت جامدة بفعل غياب التفكير والبحث والمعرفة عن المجتمعات وهنا تتكرر إشكالية الجهل الذي هو سبب إنتكاسة العالم العربي .. محاولات إنتشال العالم العربي من واقعه المؤلم التي تقوم بها مؤسسات التعليم ودور الثقافة محاولات شكلية لان البداية تبدأ من البيت والمدرسة والمؤسسات التعليمية والدينية وتنتهي بتحقيق وتعزيز قيم المواطنة وصيانة الوحدة الوطنية وتحقيق المشاركة الشعبية عبر أدوات فاعلة شعارها المشاركة لا المغالبة وحماية الحقوق بدساتير وقوانين واضحة يكون الحارس لكل ذلك منصة القضاء العادلة , فالمحاولات الشكلية أو الغافلة عن ملف وتقديم أخر لا تنهي مشكلة ولا تحقق نتائج ملموسة بل تعمق المشكلة وتزيدها تصلباً وتنذر بكوارث مستقبلية لا يتخيلها العقل البشري وما يحدث اليوم ببعض البلدان من دموية بشعة أو حالات قتل للأراء وتضييق للافراد المنادين بضرورة التحديث وتحقيق القدر الأكبر من المعرفة ليتحرر العقل من النطاق الضيق مقدمات لما سيحدث مستقبلاً إذا لم تبدأ المؤسسات بالعمل الجاد لتحقيق القدر الأكبر من متطلبات الحياة للمجتمعات والمتمثلة في وعي ومعرفة وحماية للحقوق وتعزيز للمواطنة وإصلاحات شاملة ومراجعات فكرية وإشاعة للتعددية الشاملة فكرياً ومذهبياً وفقهياً وإطلاق الحوارات الجادة داخل المجتمعات فالمجتمعات تختنق لفترة ومن ثم الموت أو الإنفجار الشامل وهذا ما قرأناه في كتب التاريخ وما شاهدناه ببلدان الربيع العربي التي لم تتقدم خطوة إلى الأمام حتى الآن ... النخب العربية تنظر كثيراً لكن عند أول تجربة تطبيقية يختفي التنظير وتظهر على السطح حقيقة مختصرها التنظير في وأد والواقع في وأد أخر ولا يمكن أن تنجح اي فكرة دون أن تمر عبر أوعية الحضارة المختلفة فالحضارة ترتكز على النماء والمعرفة والعلم إرتكاز يفضي لقيام مجتمعات متسامحة مع ذاتها ومع غيرها فالعقل الخطوة الأولى لأي عملية إصلاح شاملة فالبداية الحقيقية تكون بإصلاح العقول وتحريرها من تراكمات وعقد الماضي ومن النقل الذي أنتج مجتمعات تردد ما حفظته دون أن تفكر ولو قليلاً فيما حفظته أو سمعته فالعقل هو البداية ولن يتقدم العالم العربي خطوة إلى الأمام وعقله معطل جراء تراكمات وتصورات تاريخية أو فكرية خاطئة فالعقل هو المدار ولنا في قولة تعالى " إقرأ بإسم ربك الذي خلق " درس وأمر عظيم لتحرير العقول من واقعها المؤلم فلا يمكن للمجتمعات العيش بسلام وعقولها معطلة مخطوفة فأعتبروا ياأولي الأبصار ...
التعليقات (0)