مواضيع اليوم

إشكالية النظام الديني الموروث

نزار يوسف

2009-01-22 22:07:58

0

إن المصيبة الكبرى و الكارثة الرهيبة التي تعاني منها امتنا العربية منذ أكثر من ألف عام و حتى الآن ( و هي نفس المصيبة ذاتها لم تتغير ) سببها الأول و الأخير و الأساسي هو الإنسان العربي و بمعنى أدق عقلية الإنسان العربية و أنا اختلف تمام الاختلاف مع الطروحات التي تحمل الحكام العرب المسؤولية مما نحن فيه من الخراب و الضعف الذي وصلنا إليه و إلى ما ذلك من كلام لا أساس له من المنطق و الصحة . إن عقلية الإنسان العربي تعمل منذ مدة طويلة على مبدأ النظرة الخاطئة للمفاهيم المتعارف عليها ، كالدين و السياسة و المجتمع ... الخ بالإضافة إلى سوء استخدام هذه المفاهيم . و بمعنى آخر فإن النظرة إلى مفهوم ما و التعامل معه ، تأخذ عدة أوجه : ـ سوء فهم هذا الموضوع ، الذي يستتبع بالضرورة الحتمية سوء استخدامه ( لأنه قائم على سوء فهمه ) فمن غير المنطقي أن يقود شخص ما ، طائرة مقاتلة مثلاً و هي تمثل بنظرة دراجة هوائية . ـ حسن فهم هذا المفهوم . الذي يستوجب إما إجادة التعامل معه أو سوء استخدامه عن قصد لأن الشخص الذي فهم أبعاد هذا الشيء أو المفهوم و أدرك أبعاده ، لن يسيء استخدامه إلا عن سوء نية . إذاً لا نستطيع في هذه الحالة أن نحكم بشكل دقيق على أن مفهوم ما ( قد يكون المفهوم الديني ) هو السبب في التخلف و الانحطاط . فقد تعاملت الشخصية العربية منذ القدم مع بعض الأشياء و المفاهيم من منطلق سوء الفهم ، و بالتالي سوء الاستخدام ، سواء عن حسن أو سوء نية . كان العرب قبل الإسلام قبائل متفرقة مشتتة ، و أحياناً متناحرة . فجاء الإسلام بمفهومه التوحيدي الشامل .. توحيد إلهي ( و إلهكم إله واحد ) . و توحيد نظرة إلى المفاهيم و الأشياء (تعالوا إلى كلمة سواء ) . جاء الإسلام فلم شمل العرب و وحدهم تحت قيادة دينية اجتماعية واحدة هي قيادة الرسول الكريم (ص) ، و من بعده قيادة الخلفاء الراشدون . و في أواخر هذه الفترة بدأت بوادر الخلافات بالظهور و التي تجلت في مقتل الخليفة عثمان ( رض ) و انتقال الخلافة إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، لينفجر بركان الخلاف مدوياً بشكل معارك بين المسلمين تجلت في حرب الجمل و حرب صفين ، لتستمر بعد ذلك في ظل الدولة الأموية التي تبلور فيها المفهوم السياسي بشكل كامل ، و كان له النتيجة الإيجابية الوحيدة و هي توحيد الكيان العربي السياسي في ظل أمة أو إمبراطورية عربية قوية ، و لكن الخلل الديني و السياسي العربي الداخلي كان آخذاً في التفاقم و الازدياد ، مما أفرز فيما بعد الطوائف و المذاهب و الحركات و الأحزاب الدينية ، و ليظهر فيما بعد و نتيجة لكل ذلك مفهوم التعصب الديني الذي دفع العرب ثمنه غالياً ... غالياً و كان السبب الرئيسي فيما وصل إليه العرب الآن . هناك ثلاث أطراف في المفهوم الديني ، و هي السلطة الدينية و السلطة السياسية و الإنسان العربي . و لقد تحدث الأستاذ عن طرفين هما السلطة الدينية المتمثلة برجال الدين و السلطة السياسية المتمثلة بالحكام الزمنيين أو غيرهم . و أنا أريد الحديث هنا عن الطرف الثالث و هو المواطن او الإنسان العربي الذي يتم إغفاله دائماً و أبداً في كل المقالات و الأبحاث و الكتب و الدراسات التي تتناول الواقع أو الوضع العربي و التي تسلط الضوء على الحكام أو رجال الدين ، بينما يبقى المواطن أو الإنسان العربي المتهم الأول بنظري ، مختبئاً في الظل ... دائماً الضرب و القصف يطال الحكام أو أصحاب القرار العرب ( و لست هنا في وارد الدفاع بل التحليل و المناقشة ) بينما ينجو المواطن العربي بفعلته . و قد يتساءل أحدهم : ما هي فعلة المواطن العربي ؟؟؟ و الجواب هو العقلية ... العقلية و الذهنية التي تحكم هذا الإنسان منذ القدم و إلى الآن .. إن المواطن العربي هو نتاج عقلية متأصلة مستحكمة ضاربة بجذورها في التاريخ العربي . و السلطة الدينية أو السياسية هي بشكل أو بآخر متفاعلة مع واقع المجتمع العربي و من نتاج الإنسان العربي نفسه ، بإيجابياته أو سلبياته لأن أفرادها هم في الأساس جاؤوا من المجتمع العربي ( بكل مفاهيمه و مقوماته ) و لم يأتوا من المريخ كما يصور لنا البعض بشكل بسيط ينحو إلى السذاجة و البساطة . إن المواطن العربي الآن هو حصراً إنسان طائفي مذهبي أو عشائري و ليس له صفة ثالثة . إنه إنسان متعصب لطائفته و مذهبه أو عشيرته بالدرجة الأولى و إن كان هذا لا يبدو عليه بالظاهر أحياناً ، و ليس هناك إنسان العربي مهما تغنى بالأمة العربية أو القومية العربية فإنه يبقى في النهاية مرتبطاً بمذهبه الديني أو عشيرته ... و للأسف فإن هذه هي الحقيقة التي نتجاهلها و نحاول الهروب منها و لكن عملياً ندفع ثمنها يومياً . من كل ما سبق ، أخلص إلى القول أن مشاكلنا نحن العرب أو نحن الإنسان العربي م متعلقة أيضاً بالوهم ... إننا نعشق الوهم بشكل غير طبيعي و نعشق الهروب نم الواقع و التظلم و التشكي و إلقاء اللوم على الغير و بالذات الاستعمار .. و نهرب من أنفسنا ... نهرب من عقلنا و تفكيرنا . تسألوني ما هو الحل ؟؟؟ أقول لكم لا أعرف ..... إن الحل معقد و صعب لأن المشكلة معقدة و عويصة و متشعبة إلى فروع و أقسام و جذور ضاربة في عمق التاريخ العربي . و هي ليست بنت هذه اللحظة ، بل إنها متراكمة عبر قرون و قرون و متغلغلة في العقل الباطني العربي . و لكن كل ما أستطيع قوله هو أن نبدأ من الصفر أن نبدأ م التعصب .. أن نزيل التعصب الطائفي و المذهبي و العشائري من عقولنا و تفكيرنا نحن الإنسان العربي ..... لا ضير في وجود الطائفة أو المذهب أو العشيرة ( باعتبارهم أمر واقع و يستحيل إزالته ) و لكن بدون تعصب .. أنا أنتمي إلى طائفة دينية و مذهب ديني معين ... لا باس ، و لكن لا يجوز أن أكره أخي العربي المنتمي إلى طائفة أخرى أو مذهب أو عشيرة أخرى و أكفره و أعاديه و أتخذ منه موقفاً سلبياً و أتبره نكرة ، و وبنفس الوقت أطالب بتحسين الواقع العربي و ألقي باللوم على الاستعمار و على أمريكا و على الحكام العرب ، و أنزه نفسي من كل خطأ و نقيصة . الأمر كبير جداً و ضخم و متشعب و لا يمكن حله بمقال أو صفحة ، بل يحتاج إلى كتاب و ربما مجلد . لأن الأخطاء كثيرة .. أخطاء دينية ... أخطاء سياسية .. أخطاء اجتماعية .. أخطاء فكرية .


التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !