مواضيع اليوم

إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (6)

إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (6)

ومع إشكالية جديدة من إشكاليات العلمانيين، والتي تدور حول اتهامهم للإسلام بأنه يضطهد الأقليات الدينية، ويجبرهم على ترك دينهم، أو أن يعيشوا في ظل الدولة الإسلامية أذلاء لا قيمة لهم، محقرين ينظر إليهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية..
وللرد على تلك الإشكالية، نبدأ أولا بأقوال من يطرب العلمانيون بسماع أقوالهم وشهادتهم التي سجلوها للتاريخ بكل موضوعية بعد دراسة عميقة للتاريخ الإسلامي وللممارسات العملية للتعاليم الإسلامية على أرض الواقع في التعامل مع الأقليات الدينية في بلاد المسلمين..
يقول المستشرق الإنجليزي برنارد لويس في كتابه "العرب في التاريخ":
"...السمة الأولى التي تسترعي انتباهنا هي المقدرة الاستيعابية للثقافة العربية التي غالبا ما وصمت بأنها قائمة على المحاكاة والتقليد، فقد وحد الفاتحون العرب - ولأول مرة في التاريخ - الأقاليم الشاسعة الممتدة من حدود الهند والصين إلى تخوم اليونان وإيطاليا وفرنسا، ومن خلال قواهم العسكرية والسياسية لبعض الوقت، ثم لفترة طويلة بعد ذلك من خلال لغتهم وعقيدتهم؛ وحد العرب بين ثقافتين كانتا تتصارعان في الماضي، هما التراث المتنوع لحوض البحر الأبيض المتوسط البالغ من العمر ألف عام (تراث اليونان وروما وبني إسرائيل والشرق الأدنى القديم)، وحضارة فارس وأنماطها الخاصة في الحياة والفكر، وصلاتها المثمرة بالحضارات العظيمة في الشرق الأقصى. ذلك أنه في خلال التعايش بين الكثير من الشعوب والعقائد والثقافات داخل حدود المجتمع الإسلامي ولدت حضارة جديدة؛ متنوعة من حيث أصولها ومبدعيها، لكنها تحتمل في كل مظاهرها البصمة المميزة للعروبة والإسلام، ومن هذا التنوع الذي اتسم به العالم الإسلامي نشأت سمة ثانية لافتة بصفة خاصة لأنظار المراقب الأوربي، هي تسامحه بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى، فعلى النقيض من معاصريه الغربيين، نادرا ما شعر المسلم في العصور الوسطي بالحاجة لفرض عقيدته بالقوة على كل الخاضعين لحكمه، لقد ترسخ في وعيه مثلهم أن أولئك الذين يعتنقون عقيدة مغايرة سيحرقون في الجحيم في الوقت المقدر لذلك، لكنه على خلافهم لم ير ثمة فائدة في استباق القضاء الإلهي في هذه الدنيا، وكان قانعا في أغلب العصور بالانتماء إلى العقيدة السائدة في مجتمع متعدد العقائد، لقد فرض على الآخرين قيودا اجتماعية وتشريعية معينة كرمز لسيادته، وكان يذكرهم تذكرة فعالة إذا ما بدا أنه في سبيله للنسيان، وفي ما عدا ذلك ترك لهم حرياتهم الدينية والاقتصادية والثقافية، كما ترك لهم فرصة الإسهام البارز في حضارته هو"

ويقول (أي ويل ديورانت) في تاريخ الحضارات ص8914 :".... وعاشت الأقليات اليهودية آمنة في القسطنطينية وسالونيك وآسيا الصغرى وسوريا وفلسطين والجزيرة العربية ومصر وشمال أفريقية وأسبانيا تحت حكم العرب.... وعاشت الجالية اليهودية في الإسكندرية- كما وصفها الحبر أوباديا برتينورو في 1488- حياة طيبة، وشربوا الخمر بكثرة، وتربعوا على البسط كما فعل المسلمون، وخلعوا نعالهم عند دخول المعبد أو بيت أحد الأصدقاء.
وكتب اليهود الألمان الذين لجئوا إلى تركيا إلى أقربائهم وصفا خماسيا للحياة الطيبة التي ينعمون بها هناك.
ورخص الباشا (الوالي) العثماني في فلسطين لليهود هناك في أن يبنوا معبدا على جبل صهيون، وحج بعض اليهود الغربيين إلى فلسطين، واعتقدوا أن من حسن حظهم أن تفيض أرواحهم في الأرض المقدسة، والأفضل منها في أورشليم بالذات"
ويقول توماس أرنولد في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) ص 73:
"ولما بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن، وعسكر أبو عبيدة في بلدة فحل، كتب الأهالي النصارى في تلك البلاد إلى العرب الفاتحين يقولون: يا معشر المسلمين! أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، وأنتم أوفى لنا وأرأف بنا، وأكفُّ عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا".
وقال: "وغلَّق أهل حمص أبواب مدينتهم، دون جيش هرقل، وأبلغوا المسلمين أن ولايتهم وعدلهم أحب إليهم من ظلم الإغريق والروم وتعسفهم".
وقال أيضا: " لقد عامل المسلمون المسيحيين العرب بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع بحق أن نحكم أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح"

فما رأى العلمانيين في هذا الوصف الدقيق لحال أصحاب العقائد المخالفة للإسلام في المجتمع الاسلامى؟
هذا على مستوى الممارسة العملية، لكن للحق لابد أن نقول هذه الممارسة المتسامحة مع تلك الأقليات لم تأت من فراغ أو من استحسان من المسلمين، وإنما أتت من تعاليم دين أمر بالبر بهم، والبر هو أعلى مراتب الإحسان، مالم يحاولوا إيذاء المسلمين أو التآمر على دولة الإسلام يوما ما – وكثيرا ما فعلوا-، وإلا فالشدة هي الأمضى في مثل هذه الحالات، حتى ولو كان المتآمر مسلما.
وهل هناك تسامح أفضل من أن يتولى أصحاب العقائد المخالفة المناصب المختلفة في الدولة الإسلامية، ويسهموا بنصيب وافر في الحضارة العربية الإسلامية، وقد استخدم معاوية رضي الله عنه النصارى في مصالح الدولة، وقرب النابهين منهم، وعهد بالإدارة المالية إلى أسرة نصرانية، ظلت تتوارث فيما بينها تلك الإدارة وهي أسرة سرجون.
وأبقى في دواوين الشام الكتاب من النصارى من أهل البلاد لكثرتهم يكتبون باليونانية، كما اختار معاوية الطبيب النصراني " ابن أثال " ليكون طبيبه الخاص، وكتب " ابن بطريق " وهو رجل من أهل فلسطين لسليمان بن عبد الملك، وكتب " تاذري بن أسطين " لهشام بن عبد الملك.
وبرز من النصارى شعراء فحول فقربهم الخلفاء، ومنهم: الأخطل التغلبي، والذي يعد شاعر بني أمية. قال عنه عبد الملك بن مروان: إن لكل قوم شاعراً، وإن شاعر بني أمية الأخطل. ومنهم أيضاً " أعشى بن ربيعة " و " مرقص الطائي " و " نابغة بن شيبان ".

وذكر " السير توماس أرنولد " أسماء بعض الوزراء والولاة المسيحيين في الدويلات الإسلامية، وأسماء الأطباء المقربين من الخلفاء، ثم قال: "إن المسيحيين أحرزوا ثروات، وتمتعوا بنجاح عظيم في عصور الإسلام الأولى بفضل ما كفل الإسلام لهم من حرية الحياة والملك والعقيدة، حتى كان منهم أصحاب النفوذ العظيم في قصور الخلفاء"
ويذكر الدكتور الخربوطلي في كتابه أهل الذمة ما يلي:
"اشتهر من بين أهل الذمة في العصر العباسي كثير من العظماء مثل " جرجس بن نجتيشوع " طبيب الخليفة العباسي " أبي جعفر المنصور"، وقد وثق فيه الخليفة وأكرمه، ومن هؤلاء " جبرائيل بن نختيشوع " طبيب " هارون الرشيد " الذي قال الرشيد عنه: كل من كانت له حاجة إلي فليخاطب بها جبريل، لأني أفعل كل ما يسألني فيه ويطلبه مني. وكان مرتب الطبيب عشرة آلاف درهم سنوياً، ويصله كل سنة بعشرين ألفاً."
وقد ذكر صاحب كتاب " عيون الأنباء في طبقات الأطباء " عدداً من أهل الذمة الذين عاشوا في ظل الدولة الإسلامية نذكر منهم:
• في العهد الراشدي:
أرسل معاوية طبيباً نصرانياً من الشام ليداوي عثمان من مرض أصابه.
• في الخلافة الأموية:
1ـ كان لمعاوية طبيبان نصرانيان:
الأول: ابن أثال وكان خبيراً بالسموم .
الثاني: أبو الحكم الدمشقي وكان عالماً بأنواع العلاج والأدوية والطب.
2ـ حكم الدمشقي وهو ابن أبي الحكم السابق وكان من أطباء الدولة الأموية.
3ـ عيسى بن حكم الدمشقي وقد عمر حتى جاوز المئة.
4ـ تياذدق وكان الطبيب الخاص للحجاج بن يوسف الثقفي.
5ـ عبد الملك بن أبجر الكناني وكان طبيباً لعمر بن عبد العزيز عندما كان أبوه والياً على مصر وقد أقنعه عمر بالإسلام فأسلم.
• في الخلافة العباسية:
اشتهرت عائلة " نجتيشوع " بالطب وبرز منهم عدد من الأطباء في الخلافة العباسية ومنهم:
1ـ " جوريجوس بن جبرائيل بن نجتيشوع " وقد استدعاه المنصور فداوى المنصور من مرض أصاب معدته، فجعله طبيباً له ولأسرته، وكان المنصور يقول له: اتق الله وأسلم أضمن لك الجنة، فلم يُسْلِم.
2ـ نجتيشوع بن جورجيوس. وقد خلف أباه في الطب، وجعله هارون الرشيد طبيبه الخاص.
3ـ يوحنا بن نجتيشوع وكان طبيباً للخليفة العباسي الموفق بالله.
4ـ نجتيشوع بن يوحنا وكان طبيباً خاصاً للراضي بن المقتدر.
كما اشتهرت كذلك عائلة " ماسويه " بعد عائلة " نجتيشوع " وكان منهم:
1ـ ماسويه الخوري.
2ـ يوحنا بن ماسويه وكان من المقربين من الخليفة الواثق.
3ـ عيسى أبو قريش النصراني.

وقد صرح الإمام الفقيه الماوردي في كتابه " الأحكام السلطانية " بجواز تقليد الذمي " وزارة التنفيذ "، ووزير التنفيذ هو الذي يبلغ أوامر الإمام، وهذا بخلاف وزارة التفويض
فهل يوجد بعد هذا التسامح تسامحا مع الأقليات في أي دين أو شريعة أو نظام أو دولة؟
أم أنهم يريدون أن يتخلى المسلمون عن دينهم حفاظا على مشاعر الأقلية، فلماذا يطالبون المسلمون في الدول الأوربية أن يتخلوا عن مظاهر دينهم حفاظا على علمانية الدول التي يعيشون فيها؟ هناك يطالبون الأقلية بالتخلي من أجل الأغلبية، وفى بلاد المسلمين يطالبون الأغلبية بالتخلي من أجل الأقلية، هذا لعمري هو الغبن بعينه لو كانوا يعقلون..

 

محمد عبد الفتاح عليوة




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !