مواضيع اليوم

إشكال( قصة قصيرة)

حمادي بلخشين

2010-03-29 22:09:52

0

 

إشكال

وقف وزير الداخلية أمام رئيس الجمهورية كتلميذ مذنب. تردّد طويلا قبل أن يقول بلهجة مرتبكة:
ـ سيدي الرئيس، لقد وقع اختيارنا أخيرا على مفتي جمهورية و وزير  شؤون دينية، و رئيس مجلس اسلامي أعلى جدد.
تفرس فيه رئيس الجمهورية ثم سأله:
ــ ما سرّ اضطرابك إذن .. هل حدث شيء؟
أجاب وزير الداخلية و هو يبتلع ريقه بصعوبة:
ــ كل الأمور على أحسن ما يرام غير أن هناك مجرد إشكال بسيط سيدي الرئيس .
ــ ....؟!
ــ تبين لنا بعد الإختيار، أن المعيّنين الثلاثة هم من ذوي الإحتياجات الخاصّة!
أخرج رئيس الجمهورية سيجارا كوبيا، دسه في فمه ثم قال:
ــ آش الحكاية... ثم ماذا تعني بالإحتياجات الخاصة؟
مسح وزير الداخلية زخة عرق سالت من جبينه ثم قال:
ــ سيدي الرئيس، لقد تبين لنا بعد التعيين و نشر الأسماء في الرائد الرسمي، و وسائل الأعلام أن الثلاثة بصراء !
ــ إشرح
ــ أي انهم عافاك الله ــ، عميان!
صاح رئيس الجمهورية جذلا:
ــ الثلاثة؟!
ــ نعم يا سيدي... على بكرة أبيهم!
ضحك رئس الجمهورية حتى سال مخاطه، حين هدأـ سأل وزير داخليته:
ــ و ماذا تريد مني الآن؟
ــ اردت أن اسـتأذن فخامتكم في إستبدالهم كلهم أو بعضهم!
أشعل الرئيس سيجاره الكوبي، نفث دخانه عاليا ثم قال:
ــ و لماذا نستبدلهم يا مغفل؟ أليس في صالحنا، حتى على المستوى
الدّعائي، أن يقال إننا نحترم و نشجّع ما سميتهم منذ قليل بــ..
سارع وزير الداخلية قائلا:
ــ ذوي الإحتياجات الخاصةّ.
ــ... نعم ذوي الإحتياجات الخاصة!
ــ نعم الرأي يا سيادة الرئيس... ولكن المعارضة.
ــ ما دخل المعارضة في الأمر؟
ــ هناك بعض التلميحات الخفية من بعض الجهات الراديكالية ( خصوصا و قد عينتم في العشرية الفارطة و على التوالي مفتيّين ضريرين) تفيد بأن اختياركم للعمي من أهل الإفتاء، يعكس ـ لا سمح الله ـ رؤيتكم للدين وأهله، خصوصا، وقد كانت لفخامتكم الريادة في إبتكار مصطلحات إكتسبت فيما بعد صفة العالمية، بعد أن سارت بها الركبان و أصبحت تترد على كل لسان، كمصطلح " الظلاميين" و مصطلح " خفافيش الظلام" و غيرها كثير! فكيف تكون ردود فعل المعارضة و قد اختير ثلاثة عميان دفعة واحدة!
ضحك رئيس الجمهورية، هرش خصيتيه ثم قال:
ــ ومتى كان للمعارضة الكرتونية أي أثر في تحديد إختياراتنا؟
ثم وهو يستدرك:
ــ ثم لو قصدت بالجهات الراديكالية نواب الإخوان المسلمين،فأنت تعلم قبل غيرك، أن مصلحة الدين هي آخر إهتمامتهم، فمتى رمي لهم عظم فتركوه، ومتي كلفوا بمهمة قذرة فلم يؤدّوها على أقبح وجه مطلوب!
ثم وهو يسحب منديلا ورقيا ليميط به نخامة اكتشفها على ذراعه:
ــ انظر مثلا كيف تتنافس حماس( وهي التي كانت الي وقت قريب أشرف و أقدس فصيل إخواني) مع ساسة فتح( خونة أمس، و إخوة اليوم) على إرضاء إسرائيل بكل السبل، ثم انظر كيف أقدمت قبل أسبوعين و بجرأة و شراسة ودموية، أحسدها عليها شخصيا، على اقتحام مسجد جماعة جند أنصار الإسلام و قتل المسلحين المناوئين " لأحفاد القردة و الخنازير"... هاها ها... احفاد القردة و الخنازير سابقا، و " شركاء السلام" حديثا؟!!
ثم وهو يرمي بالمنديل الورقي في صندوق اينوكس بجانب مكتبه:
ـــ..أعني" السلام المحرم" قديما، و" المحلل" أخيرا. بعد ما اكتشفوا له تسمية" هدنة شرعية!" سماها أحد الظرفاء سكرة شرعيّة بخمرة الكراسي الوزارية!!!.
ـــ ...
 ـــ على العموم... لو أخترتم العميان الثلاثة لكي يترأسوا المسيرات، و يتقدموا المظاهرات، و يشعلوا الثورات الشعبية و يتسلقوا الجبال لمعاينة التحصينات و المواقع الدفاعية، و فحص مناظير الهاون، و تحديد مكان النجمة القطبية، اذا اخترتموهم لهذا السبب فأرموهم جانبا، و عينوا بدلهم ذوي البصر الثاقب و الضمير الديني اللاهب!

إبتسم وزير الداخلية، ثم أطال الثناء على بعد نظر الرئيس و ذكائه الوقاد و بصيرته الحادّة. وقبل أن يغادره المكتب الرئاسي، إستسمح فخامته في إلقاء طرفة تراثية شديدة الشبه بقضيّة الحال... حين رأى من سيادته إقبالا و إنشراحا طفق يقول:" جاء رجل الى الإمام الشعبيّ رضي الله عنه وقال: اني تزوجت امرأة فوجدتها عرجاء، فهل لي أن أردّها؟! فأجابه: إن كنت تزوجتها و انت تريد أن تسابق بها فردّها"! دمتم ذخرا للوطن، و عوننا لنا في المحن!


اوسلو 30/8/2009
(قصة قصيرة من المجموعة القصصية "ادانة")

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !