مواضيع اليوم

إشعاع الفكر الإسلامي في الغرب الحديث


إشعاع الفكر الإسلامي في الغرب الحديث

إعداد: خالد التوزاني

مقدمة
يعتبر التصوف "ركنا أساسا من أركان الهوية الإسلامية للحضارة المغربية" وقد تميز خطابه الفكري والروحي بمقومات أهلته للانتشار خارج المغرب, وجعلته مقبولا ومرحبا به في أوساط اجتماعية لم يكن متوقعا أبدا أن تتبنى التصوف. ويتعلق الأمر بمجتمعات مادية لا تؤمن إلا بالعقل وحده, وتنكر ما لا تراه وما لا برهان عليه، فأن تعشق التصوف وتمارسه, تلك ظاهرة تستحق أكثر من وقفة وتتطلب تأملا عميقا ودراسة علمية.
في هذا الصدد صدر كتاب: التصوف الإسلامي في الغرب: الأثر الصوفي المغربي في بريطانيا, الزاوية الحبيبية الدرقاوية نموذجا. للباحث الأستاذ: عزيز الكبيطي إدريسي. يرجع أصله إلى بحث جامعي قام به الباحث في إطار الدراسات العليا بكلية الآداب بفاس تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي.
كما عملت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بفاس وبتعاون مع المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية, الشرق أوسطية والخليجية, وبمشاركة ماستر التصوف في الأدب المغربي الفكر والإبداع, على تنظيم يومين دراسيين في موضوع: إشعاع الفكر الإسلامي في الغرب الحديث. تكريما للباحثة الأمريكية المسلمة الدكتورة مارسيا هيرمانسن Marcia Hermansen , وذلك يومي 15 و16 دجنبر 2008, بقاعة المحاضرات لشعبة اللغة العربية وآدابها.
شارك في هذين اليومين الدراسيين عدد من أساتذة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس بمختلف شعب الكلية ومن خارج الكلية, إضافة إلى مشاركة الأستاذة مارسيا هيرمانسن, وحضور طلبة ماستر التصوف في الأدب المغربي الفكر والإبداع, وماستر Cultural Studies, وعموم المهتمين بالتصوف.
وفيما يأتي تقرير عن أعمال هذين اليومين الدراسيين اللذين أطرهما أربع جلسات علمية إضافة إلى الجلسة الافتتاحية.
أشغال اليومين الدراسيين
ترأس الجلسة الافتتاحية (صبيحة يوم الإثنين 15 دجنبر 2008) السيد نائب عميد الكلية الأستاذ, حيث افتتح الجلسة بالحديث عن التصوف باعتباره ظاهرة تعم العالم الإسلامي, أما التصوف في العالم الغربي فهو شيء جديد ومثير, وهذه الندوة مناسبة هامة للإطلاع على الحركة الصوفية خارج البلدان الإسلامية, ويمكن اعتبار التصوف كجواب إيجابي روحاني ضد طغيان الماديات في عالمنا.
بعد ذلك, ألقى الأستاذ الدكتور عبد الله بنصر العلوي كلمته, حيث عبر عن سعادته بحضور هذا المحفل العلمي الكبير معتبرا الفكر الصوفي فكرا مشعا في الغرب عند المسلمين وغيرهم, وأنه في عصر العولمة, في عصر الأسلمة, الفكر الإسلامي أثبت حضوره الفعال بقدراته, وبعطاءاته وإسهامه في الحضارة العالمية. الآن لم يعد وجود المسلمين في الغرب أقلية, بل أصبح من الكثرة الفاعلة, ووجودهم ليس فقط في ممارسة العبادات, بل ينتجون ويطورون في مجال الفكر, مما جعل الفكر الإسلامي متطورا ومتجددا. كما أن التصوف أصبح اليوم مناخا ومرتعا للإنسان في مختلف الأديان, لتمارس الذات وجودها, سواء بالذوق أو غيره. يجب أن نضيف منهجا جديدا هو"المنهج الصوفي" يحمل نظرة خاصة للنص وله طريقته الخاصة في التعامل مع النصوص. ثم ختم الأستاذ كلمته بعبارات الترحيب بالأساتذة المشاركين في الندوة, خاصة الأستاذة مارسيا هيرمانسن.
أما الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي فقد أكد أن التصوف "منهج" يمكن اعتماده لمقاربة النص, فللصوفية طريقة خاصة في التعامل مع النصوص, مثلا لو اطلعنا كيف شرحت الأجرومية وكيف قرأها الصوفية, ندرك أهمية المنهج الصوفي, فهناك اليوم من يشتغل من داخل الحقل العلمي الحق ويوظف التصوف بنجاح فيتوصل إلى نتائج مبهرة.


بعد ذلك, انطلقت الجلسة العلمية الأولى بمحاضرة علمية قدمتها الأستاذة الأمريكية الباحثة مارسيا هيرمانسن Marcia Hermansen تحت عنوان:
Sufi Modernism Oxymoron or engagement ?.
تناولت فيها ظاهرة التصوف والفكر الإسلامي المعاصر , وقد قسمت الحداثة الإسلامية إلى اتجاهين: الاتجاه الأول يضم العقلانيين, ويمثله محمد عبده. الاتجاه الثاني يضم المثاليين ويمثله محمد إقبال. كما تطرقت إلى أشكال من التصوف في الغرب, كالتصوف ما بعد الطريقة وتمثله جماعة الدعوة والتبليغ, والحكمة الدائمة (السرمدية), والحركات التفقهية وغيرها. فأكدت الأستاذة المحاضرة على عالمية التصوف بل أقرت بوجود التصوف في كل الديانات وأنه في الغرب يميزون بين الدين والروحانية, وتبعا لذلك يمكن للمرء أن يكون صوفيا بدون إسلام , مثلا التنظيم الصوفي في الغرب , والرقص الصوفي.
تعرضت الأستاذة أيضا إلى قضايا أخرى مرتبطة بالإسلام في الغرب كالإسلام التقدمي الذي يركز على التصوف المؤتلف, والترقي الروحي الفردي, والرقي الاجتماعي, والعدالة النوعية, والعدالة السوسيو اقتصادية, وأخيرا الحفاظ على البيئة. ثم ختمت المحاضرة بطرح التساؤل حول: الإسلام والثقافة.
ولأن المحاضرة كانت باللغة الإنجليزية فقد تدخل الأستاذ الباحث عزيز الكبيطي إدريسي لتوضيح أهم ما جاء في هذه المحاضرة, مؤكدا أن الظاهرة الصوفية الآن في الغرب أثبتت نفسها, سواء في الواقع الميداني أو على مستوى البحث الأكاديمي, حيث تصدر الآن في كل دولة كتب حول التصوف في تلك البلدان, كالتصوف في بريطانيا, والتصوف في ألمانيا.. بعد هذا التمهيد, قدم الأستاذ بعض التوضيحات في محاضرة مارسيا هيرمانسن:
حركة الرؤية الدائمة في الغرب الحديث حركة ينادي أتباعها بالرجوع إلى القديم, فهم يقولون بأن التصوف جاء قبل الإسلام. أما حركة التفقه movements Fiqh sation فتقول بأن التصوف ظهر مع الإسلام. والحركتين معا يستمدان الأصل من الزاوية الدرقاوية العليوية, فمعظم المتصوفة الغربيين انطلقوا من الشيخ أحمد العلوي. التصوف بالنسبة لعموم الغرب يمثل "الرقص", فيه يرتاحون. ولم يعد التصوف آدابا وأخلاقا, وهذا دور الباحثين والعلماء اليوم.
بعد ذلك, تناول الكلمة السيد رئيس الجلسة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي, حيث فتح باب المناقشة. وكان من أبرز المتدخلين الأستاذ الدكتور أحمد الأزمي الذي لفت انتباهه في محاضرة الأستاذة الأمريكية نقطتين: النقطة الأولى تخص العلاقة بين الإسلام والثقافة, لماذا هذا الطرح؟ فالإسلام ثقافة, وكان ينبغي أن نقول: "الإسلام كيف يستوعب الثقافات الأخرى؟". النقطة الثانية تخص قضية "التصوف مابعد الطريقة", حيث ليس هناك تصوف في الفكر الصوفي بدون طريقة, فماذا يقصد بالتصوف ما بعد الطريقة.
الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي بدوره طرح وجهة نظره قائلا: "لا يمكن أن يكون الإنسان صوفيا دون أن يتفقه في دينه أولا", ثم أشار إلى قضية ترجمة مصطلح التصوف, معتبرا التصوف بالمعنى الإسلامي هوSufism أما التصوف في الديانات الأخرى فهو Mysticisme.
حاولت الأستاذة المحاضرة تقديم أجوبة للأسئلة المطروحة, معتبرة أشكال التصوف غير الإسلامي في الغرب خطوة إيجابية نحو التصوف الحقيقي مستقبلا.
وهكذا اختتمت الجلسة العلمية الأولى بتقديم شهادة تكريمية للباحثة الأمريكية مارسيا هيرمانسن من طرف اللجنة المنظمة, حيث سلمها إليها الأستاذ الدكتور عبد الله بنصر العلوي, كما قدمت للباحثة أيضا هدية تذكارية من طرف طلبة ماسترالتصوف في الأدب المغربي الفكر والإبداع قدمها لها الأستاذين : عبد الوهاب الفيلالي وأحمد الأزمي.
الجلسة العلمية الثانية ترأسها الأستاذ الدكتور أحمد صابر, وقد كانت بعنوان: قراءات في أعمال الدكتورة مارسيا هيرمانسن. حيث قدم الأستاذ الباحث عزيز الكبيطي إدريسي عرضا باللغة العربية حول "تيمة التصوف الإسلامي في الغرب من خلال أعمال الأستاذة هيرمانسن" مع تقديم ملخص بالإنجليزية (Islamic Sufism in the West), وقد تحدث عن وضعية التصوف في الغرب قائلا بأن أغلب المسلمين في الغرب لهم أصول صوفية, فالعديد من الغربيين تحولوا إلى الإسلام عن طريق التصوف الطرقي. التصوف في الغرب بدأ كحضور فلسفي وفكري ثم تحول إلى طريقة للتربية إبان الحركات الإستعمارية.
ختم الأستاذ الباحث عرضه بذكر أهم أعمال الباحثة الأمريكية مارسيا هيرمانسن وهي:
- دراسة الظاهرة الصوفية في سياقها العام والخاص.
- دراسة شخصيات صوفية كالشيخ خواجة نظامي والشيخ ولي الله.
- التأويل الصوفي للقرآن الكريم.
- التصوف والحداثة.
- جرد الدراسات الأمريكية التي اهتمت بالتصوف في الغرب, وخاصة أمريكا.
- دراسة ظاهرة النوع والمرأة وتفاعلها مع الظاهرة الصوفية.
وتأتي مداخلة الأستاذ الصديق الرداد باللغة الإنجليزية حول تيمة « Gendered Traveling Sufism » . مع ملخص باللغة العربية "الجنس يسافر عبر التصوف" لتؤكد على عالمية الظاهرة الصوفية.
وخلال المناقشة, خلص الجميع إلى أهمية الاستماع إلى الآخر والحوار معه, فنحن نجهل الكثير عن الغرب, والغرب أيضا يجهل الكثير عنا.
أما الجلسة العلمية الثالثة والتي ترأسها الأستاذ الدكتور رشيد العرجيوي. فقد كان محورها هو تقديم وتوقيع كتاب: التصوف الإسلامي في الغرب: الأثر الصوفي المغربي في ابريطانيا, الزاوية الحبيبية الدرقاوية نموذجا. تأليف الباحث عزيز الكبيطي إدريسي.
حيث قدمت خلال هذه الجلسة قراءات للكتاب:
- رئيس الجلسة الأستاذ الدكتور رشيد العرجيوي حث الأساتذة والطلبة الباحثين على ضرورة التساؤل الجاد والموضوعي عن الدوافع الحقيقية وراء حضور باحثين غربيين من أقصى الغرب وأمريكا إلى البلاد العربية بغرض إلقاء محاضرات حول موضوعات مرتبطة بالتصوف وقضايا الدين الإسلامي. ولعله أراد بهذا التوجيه المنهجي دفع الطلبة الباحثين إلى إعمال الفكر والنظر في المعارف التي يتلقونها والتي يمكن أن تخفي وراءها أهدافا غير علمية.
- المؤلف الباحث عزيز الإدريسي اعتبر كتابه خطوة أولى نحو مشروع كبير, هو دراسة التصوف الإسلامي في الغرب.
- الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي أكد على أهمية موضوع الكتاب, فالتصوف في هذا الأخير يسافر من الغرب الإسلامي إلى الغرب الحديث.. إضافة إلى وجود ثنائية الثابت والمتحول, فالحركات الصوفية في الغرب متعددة لكن المنطلق واحد هو الإسلام.
- الأستاذ الصديق الرداد قرأ "قراءة الأستاذ الدكتور مارك سيد غويك للكتاب" وقد كانت تحت عنوان: العولمة المحلية والتصوف. وهي مداخلة يمكن الرجوع إليها في "تقديم" الكتاب.
اختتمت الجلسة بحفل توقيع الكتاب.
خلال اليوم الثاني (الثلاثاء 16دجنبر 2008) كانت الجلسة العلمية الرابعة, والتي ترأسها الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي, وحضور الأستاذ الصديق الرداد, وحضور الأستاذة مارسيا هيرمانسن. حيث تم خلال هذه الجلسة مشاهدة شريط فيديو بالإنجليزية حول: "الحركات الصوفية في الغرب" Varieties of Sufi Movements in the West " . وقد تخلل عرض الشريط شروحات قدمتها الأستاذة مارسيا هيرمانسن. كما طرحت بعض التساؤلات, كان من أبرزها تساؤل الأستاذ عبد الوهاب الفيلالي حول "سر اختلاف لون الزي عند المتصوفة ذوي الأصول الإيرانية في أمريكا, لماذا اللون الأبيض؟ ولماذا أثناء الذكر يقوم الرأس بدورة شبه كاملة . ما دلالة ذلك؟". إضافة إلى تدخل الأستاذ الصديق الرداد في تصحيح ترجمة بعض الكلمات والمصطلحات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.
خلال المناقشة قدمت الأستاذة مارسيا هيرمانسن أجوبة للأسئلة المطروحة, حيث بدأت بسؤال الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي, قائلة بأن معظم الصوفيين الإيرانيين هاجروا من إيران إلى أمريكا بعد الإنقلاب , فكان لهؤلاء المتصوفة المهاجرين "بغض للدين الرسمي" , فهم يقبلون بنوع من الليبرالية والرأسمالية, لذلك نلاحظ عندهم عدم ارتداء الحجاب. وعموما طرق التصوف متنوعة, واللباس الأبيض ليس إسلامي ولكنه لباس موحد لجميع الصوفية الإيرانيين في الغرب. وهكذا بقيت تساؤلات الأستاذين عبد الوهاب الفيلالي والصديق الرداد مفتوحة للبحث من جانب الطلبة وربما من طرف الأستاذة مارسيا هيرمانسن أيضا في وقت لاحق.
وخلال نفس المناقشة طُرحت عدة قضايا أخرى, منها: طبيعة العلاقة بين التصوف والإسلام . التصوف والموسيقى. الإستغلال السياسي للتصوف. اتخاذ شيخة للطريقة بدل الشيخ.
بعد نهاية الجلسة شكرالأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي جميع المشاركين في أشغال اليومين الدراسيين من أساتذة وطلبة. ثم قدم تلخيصا لما يمكن استنتاجه من هذين اليومين. وفيما يلي أهم الخلاصات:
- التصوف في الغرب متنوع, لكنه تنوع مختلف عن التنوع الحاصل في المغرب, ففي المغرب النبع واحد هو الإسلام, لكن في الغرب يمكن أن نتحدث عن نوعين من التصوف: التصوف الإسلامي, والتصوف غير الإسلامي.
- الحركة الإسلامية قائمة في الغرب, لكن ما أحوج هذا الغرب لأن يزداد احتكاكا بالشرق والغرب الإسلامي, والنموذج هنا هو الأستاذة مارسيا هيرمانسن.
هكذا انتهت أشغال اليومين الدراسيين بعدما خلفت انطباعا حسنا لدى الطلبة والباحثين, وأثمرت معلومات قيمة حول ظاهرة التصوف في الغرب.
في ختام هذا التقرير المتواضع, أتقدم بعظيم شكري وامتناني لكل من أسهم في نجاح هذين اليومين الدراسيين, وأخص بالشكر الأساتذة عبد الوهاب الفيلالي ورشيد العرجيوي والصديق الرداد وأحمد صابر وعزيز الكبيطي إدريسي.
وفق الله الجميع لما فيه خير أمتنا وبلدنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

touzani79@hotmail.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات