نبذل جهدا بالغا لكي نقنع أنفسنا والآخرين أيضا بأن الإرهاب لا دين ولا وطن له. تجارب التاريخ تؤكد ذلك طبعا، والطبع العدواني في البشر يشهد بذلك حتما، لكن سلوك بعض المسلمين يثبت العكس تماما. لقد أصبح الإرهاب ماركة مسجلة باسم الإسلام والمسلمين. وبات مفهوم الإسلام مرادفا للعنف والتكفير والإنغلاق.
آخر مظاهر إساءة المسلمين لأنفسهم ودينهم جاءتنا من نيجيريا، حيث عمدت الجماعة الإسلامية المتشددة "بوكو حرام " إلى اختطاف أكثر من مئتي تلميذة من داخل مدرستهن، وبعد مرور عدة أيام نشرت الجماعة شريطا مصورا يظهر جزءا من الفتيات وهن يرددن آيات قرآنية في الهواء الطلق بعد أن اهتدين بقدرة قادر إلى اعتناق الدين الإسلامي وارتداء الحجاب. هذه الصورة جاءت في سياق اهتمام دولي كبير بواقعة الإختطاف، حيث عرف العالم حملة تضامنية كبيرة مع التلميذات المختطفات من خلال شعار: "أعيدوا لنا بناتنا". لذلك عمدت الجماعة إلى تصوير الشريط المذكور كرسالة مطمئنة لأهالي وأسر الفتيات " السبايا". ويبدو أن " بوكو حرام " تحاول أن تظهر أمام العالم بأنها جماعة مسالمة، فهي مستعدة للإفراج عن الفتيات مقابل إطلاق سراح السلطات النيجيرية لسجناء ينتمون للجماعة.
منطق " بوكو حرام " كما عبر عنه زعيم الجماعة " أبو بكر شيكاو " يزاوج بين الدعوة والإرهاب، فقد قال ردا على الإهتمام الدولي الكبير بحادثة الإختطاف : " هذه الفتيات اللواتي تهتمون بهن كثيرا، قد حررناهن (..) وهل تعرفون كيف حررناهن؟ إنهن اعتنقن الإسلام. ". هذا هو الإسلام الذي يراد تسويقه، وتلك هي الصورة النمطية التي رسم ملامحها السوداوية تفكير التكفير والعنف. فالجماعة أقنعت عددا من الفتيات المختطفات باعتناق الإسلام، لذلك لن يتم تسليمهن في إطار صفقة التبادل التي تحاول إبرامها مع الحكومة. يقول شيكاو في هذا الصدد: ( هذه المبادلة لن تشمل إلا "اللواتي لم يعتنقن الإسلام" أما اللواتي قبلن اعتناق الإسلام فإنهن أصبحن "أخواتنا " ). اللافت في الأمر أن الزعيم يستخدم عبارة :( قبلن)، وكأن أمر اعتناق الفتيات للإسلام من عدمه كان اختياريا. والحال أن مرجعية الجماعة تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن المشهد المصور تم إخراجه تحت الإكراه طبعا، فماذا تستطيع مختطفات ضعيفات أمام جلاديهن؟. " بوكو حرام " فرضت أحكامها على التلميذات، فمنحت لقسم منهن صكوك غفران إسلامية، وطبقت مع الأخريات آية : " لا إكراه في الدين ". وهي تحاول بذلك أن تضرب عصفورين بحجر واحد: استغلال اللواتي لم يسمح لهن باعتناق الإسلام في صفقة المبادلة، وتوظيف الأخوات المؤمنات في مآرب أخرى، فقد تم تحريرهن وتحليلهن (من الحلال) لمقاتلي الجماعة. وفي الحالتين معا تبدو الجماعة وفية لخطاب التشدد والعنف الذي أصبح ملازما لصورة الإسلام في العالم.
هذه العقيدة المتطرفة التي يرفضها المنطق السليم، مازالت تلقى ترحيبا واسعا لدى المسلمين، وحتى بعض الآراء المعتدلة التي تجرم الإرهاب وترفضه، تبدو في كثير من الأحيان متعاطفة مع سلوك " البنلادنية "، وذلك على الأقل من حيث تبريرها للتطرف، واعتباره بمثابة رد فعل على معاداة الإسلام والمسلمين، وخصوصا ما تتعرض له الأقليات المسلمة في بعض الدول... ومثل هذا الخطابات تكرس الصورة السلبية التي رسمها منهاج التطرف عن ديننا الإسلامي. وها هو العالم بأسره يعبر عن تعاطفه وتضامنه مع مختطفات " بوكو حرام "، لكننا لا نجد في بلاد المسلمين صدى واضحا لهذا التضامن الدولي. ربما لأن هذا ليس شأننا، بل شأنهم وحدهم.
محمد مغوتي. 16 – 05 – 2014.
التعليقات (11)
1 - بوكو حرام ..
زهرة التوليب - 2014-05-28 06:34:13
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ذكرت مافعلته جماعة بوكو حرام وكيف اسائة للأسلام بأفعالها نعم انا استنكر مافعلته فمثل هاؤلا الفتيات لاذنب لهن في الصراع الدائر بين الجماعه والحكومه هناك.. لكن لو نظرنا ابعد من ذالك الى بداية قيام هذه المجموعه وكيف جمعل منها الغرب عدو.. عندما بدأت او تشكلت جماعة بوكو حرام كانت سلميه .. وكان الهدف من تأسيسها مقاطعة مدارس النصارى وتعليم ابناء المسلمين في مدارس اسلامية بحته بعيدا عن التنصير.. ولكن لم يرق اﻷمر لبعض النصارى في نيجيريا واسيادهم في الغرب فقد عمدو إلى اقامة \\\\\\\"مجزرة\\\\\\\" جماعيه لايستطيع احد ان ينكر ذالك حينما تم اعدام اكثر من ثلاث مئة رجل بما في ذالك زعيم الجماعه لا اذكر اسمه رحمهم الله ...تم اعدامهم امام العالم اجمع ولم يستنكر احد او يندد بهذه الجريمه لا ابرر للجماعه فعلتهم ولكن الحكومه النيجيريه واسيادها في الغرب هم شريكون ايضا في هذه الأحداث ..
2 - وضعت باﻷمس تعليق
زهرة التوليب - 2014-05-29 06:26:35
السلام عليكم استاذ محمد مغوتي اين تعليقي ؟
3 - شكرا لك
محمد مغوتي - 2014-05-31 23:03:21
أعتذر عن هذا التاخر في تفعيل تعليقك. العنف أمر مرفوض بغض النظر عن الجهة التي تستعمله. ولا يجب تبريره تحت أي مسمى من المسميات. مع تحياتي.
4 - عجز ثم عجز ثم عجز ثم لا شيئ
بسام زيم - 2014-06-07 15:25:21
لماذا لا يستطيع الجيش النيجيري القضاء على تلك الجماعة؟ هم أكثر عددا وتسليحا. أم أن وجود تلك الجماعة مرتبط بأهداف وغايات سياسية عابرة للحدود؟
5 - صعب
محمد مغوتي - 2014-06-20 22:15:58
أعتذر عن هذا التأخير. من الصعب التعامل عسكريا مع هذه الجماعة أو غيرها من الجماعات الإرهابية. الأمر لا يمكن أن يحسم من خلال مقاربة أمنية فقط. نحن أمام إيديولوجية تكفيرية متغلغلة في مختلف مناطق العالم وتنتهج العنف كوسيلة للتعبير عن مواقفها. مع تحياتي.
6 - الى مغوتي
أبـن الأنبـار - 2014-06-20 23:16:42
امريكا لديها سجل ضخم بالحروب وقتل الابرياء الي يومك هذا ومع ذالك لاتطلقون عليها ارهاب وهي داعمه رئيسيه وحقيقيه لليهود المجرمين في فلسطين عموما هؤلاء الارهابين يا محمد مغوتي لدي هم قضيـه ويجب احترامها ولديهم طريقتهم بأسترداد حقوقهم اما المتطرفين بالعراق خلصونا من الملشيات الشيعيه المدعومه من ايران انت كـ علماني ماذا صنعت لي كوني عراقي سني مهدد بالقتـل الطائفي بالعراق وهي ارضي وخرجت من بطنها ماذا فعلوا لقضيتنا بالعراق العلمانين اخبرني افعل لنا شئ قبل ان تتهكم على المجاهدين وتنعتهم بلقب انتم اولى بـه يامن تقبلون ايادي حامية الصليب امريكا . تحياتي ارجوا ان تظهر تعليقي هذا
7 - شكرا
محمد مغوتي - 2014-06-21 14:15:20
أحترم كل الآراء، وها أنا أنشر رأيك هنا. العنف مرفوض أيا كانت الجهة التي تتبناه. هذا هو موقفي الشخصي. لكن ما نشهده في عالمنا اليوم يجعل العنف مرادفا للإسلام والمسلمين. ولأنني مسلم ومقتنع بقيمة هذه العقيدة لا يمكن أن أقبل هذا السلوك وأدافع عنه أيا كانت المسببات. مع تحياتي.
8 - من يرفض الشريعه فهو كـافر
ابن الأنبـار - 2014-06-21 14:28:39
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . وانت لاالذي صنع للمسلمين بالعراق والشام شيئ ولاهم الذين سلموا من لسانك وتهكماتك عليهم افعل لنا شيئا حرك قضايانا افعل مايمليه عليك نهجك العلماني واترك المجاهدين يفعلوا مايملي عليهم دينهم وضميرهم هؤلاء خلصونا من الشيعه واطاحوا بثاني اكبر مدينة بالعراق بعد بغداد واليوم سنة نينوى بأمان بفضل الدوله الاسلاميه اما انتم العلمانين افاعي سامه تلدغنا بأسم الحريه
9 - الشريعة
محمد مغوتي - 2014-06-21 23:14:40
وهل الشريعة تعني القتل والتنكيل والإعدامات؟. لا أتعجب من لغتك، لأن هذا الخطاب التكفيري هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من طائفية وتخلف وعدائية.
10 - الى محمد
ابن الأنبار - 2014-06-22 01:19:18
لماذا عندما قتل السيسي الابرياء للحصول على الحكم وقفتم معه ولم تقولوا ارهاب ثانيا حسك الانساني دائما يقع بالمكان الخطأ اذ تتهم المظلوم وتدافع عن الظالم عندما تشاهد امك تغتصب امام عينك وترا جنود الكفر يتعمدون اغتصاب شقيقتك امام عينك ستفهم لماذا نحن نفجر ونقتلهم وهناك حادثه بسوريا مجموعه نصيريه سحلوا فتاه مسلمه واغتصبوها داخل المسجد وشغلوا المايكروفونات ليسمع الناس صراخها ثم تريد مني سلام واستسلام لكن اقول لك كلمه لعلها تكون ضربه على رأسك لتفوق من تشويه المجاهدين قال الرسول عليه الصلاة والسلام فيما معناه من اعان كافر على قتل مسلم ولو بشطر كلمه كفر على ماانزل على محمد وانت من هذا النوع فالحذر الحذر الدين ليس لعبه بل عقيده ويجب الأخذ بمقتضياها من جميع جوانبها وبالنهايه ستموت وتلتف بقطعه قماش وينتصر الأسلام فلا انت الذي نصرته ولا انت الذي جعلت غيرك ينصره فأما ان تحكم شريعة الله واما ان نحارب حتى نموت او تموتوا
11 - الإسلام
محمد مغوتي - 2014-06-22 12:58:56
أنا مسلم وأعتز بديني وسماحته، ولا أحتاج إلى شهادتك أو شهادة غيرك. العنف سلوك غير إنساني وينبغي رفضه والتصدي له. أنت تحكم على مواقفي دون الإطلاع عليه، وبما أنك تحدثت عن السيسي أدعوك إلى قراءة مقالاتي حول الوضع المصري قبل أن تحكم على آرائي وتنتقدها. تحياتي.