إسطرلاب الغيمةِ والوقت
" يا ملكا يبكي على عتبات الشعر:
هل نغم إزميله دمه"
م.ع.مطر
-1-
كالغيمةِ حين تُلاحقُها الرّيح
ويُضْحكُها الوقْت
ويجرفُها التيّار،
تعودُ خديجة
منهَكةً من سفر.
أنهض نحْو أريكتِها الزّرقاء،
ثمّ أوسوِس في نفْسي:
ألهذا الحدِّ يصيرُ الدّم ماءً
والدمعُ تراباً،
وتصير خديجة ذكرى،
ألهذا الحدّ يموت النبع،
فيصبح صحْراء
ويُمسي أرضاً
لا تُنبتُ غيرَ الريحْ،
ألهذا الحدّ تفرُّ خديجة
منْ ألقِ الصّبح
فتدخلُ في الظلمةِ ..
عارية
إلا منْ اسمٍ لا يعني شيئاً،
اسمٍ كانَ كبيراً..
ثمَّ تضاءلَ
ثمَّ هوى كالنّجمِ
على بُركانِ البيْداء.
-2-
كالغيمةِ حينَ تغادرُها الزّرقة
أوْ كالنّبتةِ حينَ تموت
تمْضي امرأةُ المرآةِ
نحو سُدوفِ الليلِ،
تمْضي نحْو سُدوفِ الحُزنِ،
فأغرقُ في ضحكاتي
كالطفلِ المُتخَلِّصِ منْ سوْطِ أبيهْ
أوْ كالنّملةِ …
حين تمُجُّ العتْمةَ والحزنَ
وأوراقَ العُشبِ الصّفراء،
وتقرِّرُ أنْ ترسمَ سطراً
يُنْهي كلَّ تجاعيدِ الوجْهِ
المقبورةِ في الرّيح.
-3-
كالغيمةِ حين يُلامسها القبر
أوْ حين يُجافيها الوقت
ويَسكنُها الصمت
تعودُ خديجةُ عارية
إلا منْ أحلامٍ،
وصليلِ سيوف قاطعة
ورُؤى كابية
وأباريقَ مهشّمة
وحريقٍ آخرْ
بين الحُرقةِ
والحدقات.
-4-
آهٍ.. لم يبقَ خديجةُ ..
في هذا القلب
سوى نبض
يتسارعُ كالوقت،
إلى سدْرةِ منْ أهْوى،
لمْ يبقَ سوى غيم
يتبخّرُ فوقَ سُدوفِ الرّوح
وتعْريشِ الأطيار،
لمْ يبقَ سوى ضوْءٍ
يتوارى خلفَ الغيْمةِ،
ثمَّ يصيرُ مداداً
لقصائدَ كانتْ..
ولأخْرى ستجيءْ.
-5-
آهٍ .. لمْ يبقَ خديجةُ
منْ ولَه في القلبِ،
ولمْ يبقَ سوى حجر.
هذا حجري لبقيةِ عُمْري
يعلو فوقَ تباشيرِ الوقتِ،
وفوقَ تلاويحِ الريحْ
في غابةِ منْ أحرقَ
أطيافَ البحْرِ الزّرقاءْ.
هذا حجري ،
أحملهُ للرّيح
وأرْفعهُ … لهتافِ الأسلافْ.
السعيدية: دجنبر 2006
التعليقات (0)