الأبتزاز الصريح فى أعمال الجماعات الإسلامية المبتكرة فى عالم اليوم ، يخيم بظلاله على أذهان البشر فى الكرة الأرضية ، كل المراحل العمرية تعرف جيداً صورة الإسلامى وسلاحه وشعاراته وبياناته التى تخفى فى طياتها الموت أو الخراب والدمار .
تعددت حوادث الخطف والقتل فى العراق وكان أخرها أختطاف وقتل الصحفى الإيطالى ، وكللوها الآن بخطف الصحفيين الفرنسيين لأبتزاز دولة بأكملها لإلغاء قانون الحجاب والتراجع عنه ، وفجأة أنفتحت أبواب السماء وهطلت أمطار البيانات الشاجبة لعملية الخطف والمتضامنة مع الأفراج الفورى عن الصحفيين ، لكن كل نداءات الجماعات والهيئات والمؤسسات الإسلامية لم تجرؤ على وضع النقط على الحروف وذلك بأن تصف هؤلاء الخاطفين بأسمائهم الحقيقيية أى " المجرمين " الخارجين على شرائع الدين والدنيا بتلك الأعمال ، هذا الصمت وهذا التساهل ساعد على تغلغل هذه الخطيئة الكبرى التى يرتكبها الجميع والتى تساهم فى تشجيع غيرهم على أرتكاب مثل هذه الجرائم ولكن مع مراعاة مصالح الإسلام والمسلمين كما جاء على لسان الكثيرين .
بدأ تتصاعد حمى حملات الأستنكار والتنديد الإسلامية فى كل مكان من العالم ضد أختطاف الصحفيين الفرنسيين ، أخوان مسلمين فى مصر وفى سوريا ووزير الخارجية المصرى وأمين الجامعة العربية وفى الأردن والسعودية وهيئات علماء مسلمين فى العراق وروابط ومجالس إسلامية فى فرنسا ، حتى عرفات طالب بالأفراج الفورى عن المختطفين وحركة حماس والجهاد ، كذلك الحركات الإسلامية فى لبنان والبقية تأتى ، الكل أتفق لأول مرة على شجب وأستنكار هذه العملية الإرهابية بالذات وليس ( كل عمليات الخطف والإرهاب السابقة واللاحقة ) .
وتوالت التحركات الإعلامية التصحيحية المريبة بأن أدان القرضاوى عملية الخطف وقال أنها ليست من مصلحة الإسلام ، وقناة الجزيرة تدين ما يتعرض له الصحفيون من قتل وأختطاف وتضييق وطالبت بالإفراج ( الفورى ) عن المختطفين الفرنسيين وأصدرت بياناً بذلك وناشد وزير الخارجية الفرنسى الخاطفين عبر ( قناة الجزيرة ) بإطلاق سراح المختطفين وحاول التأكيد على أحترام البشرية ومبادئ الإنسانية وما تخلل كلماته من كلمات نفاقية لكسب ود الخاطفين والقناة التى تذيع بيانه ، إلا أنه أكد على حقيقة واقعية هامة وهى أن المسلمين فى فرنسا يمارسون شعائرهم الدينية بحرية كاملة .
ما الذى حدث فى عالمنا الإسلامى؟ هل هى حالة عارضة تعبر عن أهمية الحفاظ على المصالح الأستراتيجية الإسلامية وعدم تشويهها بعملية خطف مثل هذه لم يخطط لها جيداً وأحدثت إحراجاً كبيراً لكثير من المسلمين ؟
فجأة أستيقظ ضمير الإسلاميين ليساند ويندد ويشجب ويرفض و و و .. عمليات أختطاف الصحفيين الفرنسيين ، وأعلن مسلمى فرنسا أحترامهم لقانون إلغاء الحجاب ، وقالوا أن هذا لا يعنى أن يقوم البعض بعمليات أختطاف لكسر ذراع الحكومة الفرنسية على إلغاء هذا القانون ، وتظاهروا تضامناً مع الصحفيين .
فجأة رجعت الذاكرة للعرب ليكتشفوا أن الصحفيان هما صديقان للمسلمين وفرنسا صديقة للشعب المسلم ، وأصبح الرفض الفرنسى للحرب على العراق مبرراً كافياً فى نظر الإسلاميين للإفراج عن الرهائن ولإصدار البيانات التضامنية مع المختطفين ، وذلك لحماية صورة الإسلام وليس لحماية حياة الصحفيان .
وأحدث تلك المفاجآت فى كرنفال القتل الإسلامى هو نبأ قيام جماعة أنصار السنة بقتل أثنى عشر نيبالياً رمياً بالرصاص فى العراق ، وسارعت قناة الجزيرة لتستضيف سفير النيبال فى قطر الذى أبدى أستياءه لمقتل هؤلاء العمال النيباليين الذين جاءوا إلى العراق للعمل وكسب لقمة العيش ، ووصف السفير النيبالى عملية القتل بأنها إجرام دموى وعمل دنئ ضد مبادئ الإنسانية .
متى يستيقظ الضمير العربى ليفرق بين الحق والباطل ؟ آن الآوان أن يقولوا بأعلى صوتهم أن القتل هو قتل مهما كانت المبررات ، وأنه لا حق لإنسان تحت أى ظرف من الظروف دينية أو دنيوية أن يقيم نفسه قاضياً وسيافاً يعبث بحياة الآخرين حسب مزاجه ومشاعره الدينية ، المسئولية كبيرة فى إزالة هذا السلوك الطغيانى الفردى الذى يعتنقه تابعى تلك الجماعات .
إنها اللحظة المناسبة لعمل نقد ذاتى يزيل من الأذهان العشق النرجسى للدموية وأستبدالها بالحب الطبيعىحتى للأعداء ، والعمل على إسقاط قيم العنف والإرهاب من على عرش القيم الإنسانية العربية ، ليعود الإنسان العربى إنساناً يعشق الحياة ويخرج من بؤرة التصورات الوهمية التى أرهبت ذاته وتقوده لإرهاب الآخرين .
2004 / 9 / 1
التعليقات (0)