منذ إستضافهم الشعب الاردني قبل حوالي تسعة عقود ، وأنزلهم المنزلة السامية التي أنعم بها عليهم ، أمراء ثم ملوكا ، والهاشميون يقرون بفضل هذا الشعب ومكارمه العظيمة . وقد تلازم ذلك الإقرار مع تبني الهاشميين ، كما يشير تاريخ إدارة الدولة ، للمبادئ الحديثة في علم الاقتصاد وإدارة الأعمال ضمن إدارتهم لشؤون البلاد كشركة ناجحة لم تواجه خطر الإفلاس الا في نهاية الثمانينيات وفي المرحلة الحالية ، جاعلين الموارد البشرية تحظى بالاولوية مقارنة بالاصول المادية ، فكان الشعب الاردني الجزء الاهم في رأس مالهم ، كما تشير مقولة الملك الراحل الشهيرة (الإنسان أغلى ما نملك).
كان الإنسان الاردني أغلى ممتلكاتهم ، ويؤكد تلك الحقيقة ، الحرص على عدم سفك الدم الاردني دون ضرورة أو ثمن . فكان من نتيجة ذلك إنخفاض أعداد الشهداء الذين سقطوا بسبب لجوء النظام الى العنف والقمع المباشر، وهو الأمر الذي لم يحدث الا في حالات نادرة كإجتياح جامعة اليرموك لفض الاعتصام المفتوح الاول في تاريخ المملكة الاردنية في أيار من العام 1986 حيث سقط ثلاثة شهداء وهبة نيسان من العام 1989 حيث سقط بضعة عشر شهيدا ، وسواها من الحالات النادرة.
وفي المرحلة الحالية التي أعقبت برنامج التصحيح الاقتصادي وخصخصة أصول الوطن المادية ، تبرز الحاجة الى الحفاظ على الموارد البشرية بشكل أكبر ضمن شركة الوطن ، وهي الموارد التي يمكن إستثمارها وتوظيفها من قبل النظام ولمصلحته عبر التصدير الى أسواق العمل في الدول العربية ، التي قد تشهد مرحلة إعادة إعمار، مثل ليبيا ، وكذلك في التعاون الأمني - الإقتصادي ، حيث يمكن مبادلة الدم الاردني بالنفط ، وقد يكون هناك فرصة في البحرين لصفقة من هذا النوع في المستقبل .
حالة الشهيدين المطارنة والزعبي ، تبرز مجموعة من الحقائق التي يتوجب الالتفات اليها وعدم تجاهلها ضمن سياق الحقائق السابقة .من تلك الحقائق أن الكثيرين من أبناء الشعب الاردني ،وهو اخر ما تبقى من أصول الدولة ، هم من ضحايا الظلم و الظروف الاقتصادية الصعبة ،كما تبرز حالة الشهيد المطارنة تحديدا ، الذي كان ضحية تجاهل أمانة عمان لمظلمته ، مما أدى الى وصوله الى وضع مادي بالغ البؤس لم يتمكن معه من دفع فاتورة الكهرباء حتى انقطع التيار الكهربائي عن منزله وعدم قدرته على تأمين رغيف الخبز ومتطلبات المعيشة لأسرته . لم يكن المطارنة ضحية قمع وعنف مباشر كشهداء جامعة اليرموك ، ولكنه كان ضحية للظلم وغياب العدالة وتراجع مبدأ الحفاظ على رأس المال البشري ،واحترام الحياة الانسانية كما يظهر التجاهل الرسمي لحادثة إستشهاده ، مقابل التركيز الكبير على حادثة إحراق صورة الملك في مادبا ، رغم أن الحادثة الأولى أهم و قد تكون مؤشرا على بداية إحتراق صورة النظام ، كما كان الحال بالنسبة للحوادث المشابهة التي سبقت ثورة الياسمين وثورة 25 يناير في مصر.
كما تظهر حادثة إستشهاد المطارنة عدم قبوله ، كما هو حال غالبية أبناء الشعب الاردني ، لفكرة التسول سواءا بشكله القانوني عبر اللجوء الى الديوان الملكي لطلب المساعدة وسعي المواطن لتحصيل حقه على شكل مكرمة ملكية ، أو التسول غير المشروع بأشكاله التقليدية مجسدا بذلك شعار أبناء الوطن الأحرار (الموت ولا المذلة).
دلالات حادثة إستشهاد المطارنة ، والحالات الأخرى التي تلتها ، وكان اخرها في محافظة الزرقاء هي دلالات هامة ولا يمكن التعامل معها عبر مقال واحد ، ولكن في النهاية لا يمكننا الا أن نسأل الله أن يتغمد شهداء الوطن بواسع رحمته وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان وأن يلهم قادة البلاد الحكمة اللازمة لإستقرار الوطن عبر رفع المظالم وحل المشكلات التي تعاني منها البلاد و تبني نهج الإصلاح فعلا بعد أن تم تبنيه قولا.
التعليقات (0)