حسنا فعل الشيخ يوسف القرضاوي، عندما قال في خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها من جامع الأزهر: " إن العلمانيين والليبراليين ليسوا كفارا ولا ملحدين." فقد أصبح التكفير وصفة جاهزة يطلقها أوصياء الدين في وجه كل من يختلف مع توجهاتهم ويعارض مشاريع "الإسلام السياسي" بشكل عام. وتعيش مصر هذه الأيام ردة إعلامية غير مسبوقة حيث تتنافس " القنوات الملتحية " في استقطاب التكفيريين والمتشددين الذين لا يتورعون عن الإساءة إلى المعارضين لأخونة الدولة هناك. وهكذا ترك أغلب الشيوخ "الدعاة " لغة الوعظ والإرشاد وخلعوا جلابيب الورع والتقوى، ولبسوا جبة السياسة مدافعين بكل قواميس الوعد والوعيد عن دولة " الإخوان المسلمين".
المشهد كما يصوره "الإسلاميون" يتقاسمه قطبان: فسطاط الخير وفسطاط الشر. وكل من سولت له نفسه معارضة قرارات الرئيس ( عفوا، المرشد)، أو تظاهر ضد الإخوان أو رفض الدستور، فهو في صف الضالين والمتآمرين، لأنه بذلك يقف في وجه الشرعية الإلاهية، باعتبار أن حكام مصر الجدد يأتمرون بأمر الله، ويريدون إقامة شرع الله. لذلك لا عجب من الإستغلال البراغماتي للمساجد مثلا في الترويج للدستور الجديد، فالعزف على وتر الشعور الديني للمسلمين في مصر كان له دور حاسم في توجيه نتيجة الإستفتاء إلى ما يشتهيه الإخوان. بل إن بعض محترفي "الفتاوى العجيبة" بلغ بهم الأمر إلى درجة تكفير كل من يصوت ب " لا" على الدستور. ومن الطبيعي جدا أن تجد مثل هذه "الفتاوى الترهيبية" آذانا صاغية في ظل ثقافة تعيش على الأمية والفقر والخوف.
الديموقراطية تتأسس على الإختلاف وحرية الإختيار، وعندما يتم حصرها في العملية الإنتخابية، فإنها تفقد دلالتها، خصوصا عندما يتم استخدام الدين للحشد والتجييش في إطار ما يراد له أن يفهم على أنه صراع بين الخير والشر، بين الإيمان والكفر. ودستور الإخوان تم تسويقه على أنه مشروع لا يقبل الرفض لأنه يحظى بشرعية إسلامية. ومن تم يصبح كل من يرفض سياسات الإخوان معاديا للإسلام طبعا. هكذا إذن تسقط مصر في متاهات الدولة الدينية التي لا تؤمن يالإختلاف والتعدد. وفي وضع كهذا لا معنى للديموقراطية إلا بوصفها الوسيلة الأكثر "حضارية" لاختطاف السلطة والتمترس خلف إرادة الشعب كما عبرت عنها صناديق الإقتراع... وعندما يتكلم القرضاوي عن العلمانيين بتك اللغة المنفتحة والعاقلة فهو يحاول أن ينزع فتيل التوتر حرصا على المصير المشترك لكل الفرقاء وخوفا على البلد من المجهول. وهو بشخصيته النافذة وشهرته الواسعة ومرجعيته الدينية يستطيع أن يقنع الكثيرين بضرورة التسامح واحترام الرأي الآخرصونا لمستقبل مصر والمصريين، لكن مثل هذا الصوت "المعتدل" مع ذلك يظل مبحوحا أمام الآلة الإعلامية القوية للخطاب الديني المتشدد الذي ينفث سموم التكفير والتخوين في وجه المعارضين بمناسبة أو بدونها.
إن ما يحدث في مصر ليس استثناء، بل هو القاعدة. ففي ظل غياب الشرط الديموقراطي بمعناه التعاقدي الذي يسمح لجميع المكونات الإجتماعية بالمشاركة في صياغة توافقية لدستور الدولة، وعندما يتم اعتبار الأفراد رعايا لا مواطنين، فإن كل الطرق ستؤدي إلى تأبيد الإستبداد الذي تكون وطأته أشد عندما يتوشح بأزياء أوصياء الدين. محمد مغوتي. 30 – 12 – 2012.
التعليقات (0)