إرهاصات الحرب الأهلية في جنوب أفريقيا
في الوقت الذي يحتضر فيه نيلسون مانديلا على فراش الموت في المستشفى . فإن التوقعات بمستقبل جمهورية جنوب أفريقيا بعد رحيله تبدو متشائمة في معظمها بالنظر إلى أنه كان الرجل الأيقونة والحكيم الذي يحسب لكلمته ألف حساب . وبوصفه سياسياً معتدلاً غير ميال للعنف وردود الأفعال الغير مدروسة.
وبالنظر إلى أن جمهورية جنوب أفريقيا تتكون من عرقين أبيض أوروبي مستوطن متحضر منظم ولكنه أقلية . ثم وأكثرية سوداء من الأفارقة أهل البلاد الأصليين ولكنهم متخلفون . وأن البيض كانوا يحكمون هذه الدولة بقبضة حديدية . ويمارسون أقصى درجات الفصل والتفرقة العنصرية الممنهجة ضد السود الأفارقة . وسيطروا بذلك على الثروات التي تزخر بها تلك البلاد من معادن نفيسة (الذهب والماس) والأراضي الزراعية الخصبة الشاسعة . فإن الذي يجري الآن في داخل جنوب أفريقيا يؤكد أن البلاد ماضية إلى تصفية حسابات دموية لامثيل لها . وأن الأفارقة السود يشتعلون ناراً وحقداً على البيض المستوطنين الأغنياء العنصريين.
وخلال الفترة من 1994 وهي السنة التي تولى فيها مانديلا رئاسة البلاد . فإنه وحتى تاريخه تزايدت عمليات العنف ضد المستوطنين البيض ، وبلغ عدد الذين قتلوا منهم 4000 شخص . وفي شهر مايو الماضي فقط قتل 25 شخص من ملاك الأراضي البيض على يد مجهولين . ولكن أصابع الإتهام تشير إلى متطرفين من السود ينادون بطرد البيض من البلاد.
جاكوب زومــــا
والرئيس الحالي جاكوب زوما لايبدي تعاطفاً مع الأقلية البيضاء . وقد شارك قبل فترة في إحتفال وطني إقتصر على المواطنين الأفارقة فقط. وشارك بالغناء خلال الإحتفال بترديد أغنية شعبية تنادي بقتل البوير .. والبوير هو مسمى الأغلبية من البيض المستوطنين .
تقول بعض أبيات هذه الأغنية:
أقتل البوير
سنطلق عليهم الرصاص
سيهربون
لنطلق الرصاص على البوير
سنضربهم
سيهربون
روبرت موعابي ... محط إعجاب جاكوب زوما
وفي الوقت الذي كان فيه نيلسون مانديلا لاينفك يعلن إعجابه بالزعيم الهندي غاندي . ويسعى دائماً لتكريس مثاليتة ونزعته للسلام . فإن جاكوب زوما لايخفي إعجابه حتى النخاع بالرئيس الزيمبابوي "روبرت موغابي" ، ويتشبه به حتى في ملامح وجهه وطريقته في توضيح ردود أفعاله وأحاسيسه الداخلية التي يشكل فيها جميع أعضاء وجهه. خاصة عيناه وفمه.
جمال عبد الناصر .. المثل الأعلى لروبرت موغابي
ولمجرد إنعاش الذاكرة ينبغي التذكير بأن زيمبابوي كانت هي الأخرى تعاني من نفس نظام الفصل العنصري الذي حكم به المستوطنون البيض جنوب أفريقيا . وكانت زيمبابوي قبل إستقلالها تسمى "روديسيا" برئاسة أيان سميث الذي أعلن الإستقلال من جانب واحد عن بريطانيا . ووضع البلاد تحت قبضته العنصرية البيضاء المتشددة. ثم سرعان ما اتخذ روبرت موجابي عقب توليه منصب رئاسة البلاد قرارات (على الطريقة الناصرية) شجاعة سياسيا مميتة إقتصادياً ، صادر جراءها كافة الأراضي وثروات الماشية من الملاك البيض ، وقام بتوزيعها على المواطنين الأفارقة . لكن هؤلاء (ربما لعدم الخبرة) لم يفلحوا في إدارتها على النحو المنضبط الجاد الذي كان يديرها به المستوطنون البيض ؛ مما أدى إلى تدهور الإقتصاد الزيمبابوي إلى درجة شارفت على الصفر . وكادت الدولة تنهار لولا وقوف جمهورية جنوب أفريقيا إلى جانب موجابي ودعمها له بقوة.
جوليوس ماليما (جـوجـو)
ولكن ربما يكون الرئيس الجنوب أفريقي "جاكوب زوما" بعد كل هذا مجرد مهرج أفريقي ، وملاك أسمر في شكل إنسان عند مقارنته بغريمه الشاب القادم على الطريق لرئاسة جنوب أفريقيا ؛ وهو "جوليوس ماليما" الذي يدلعونه بإسم "جوجو" لصغر سنه مقارنة بمنافسيه على الرئاسة في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم ANC.
"جوجو" الذي كان أحد قيادات الكوادر الشابة في الحزب متعصب ويخطط ويفكر بصوت عالي للإنسلاخ عن ألـ ANC وتأسيس حزب جديد يدعمه الشباب ليدخل به الإنتخابات البرلمانية القادمة ؛ وسعيا حثيثاً نحو مقعد الرئاسة .
"جوجو" أكثر تزمتا وتشددا من خط "روبرت موجابي" العام في العلاقة مع المستوطنين البيض في زيمبابوي ... ففي الوقت الذي صادر فيه ربوبرت موجابي الأراضي من الملاك البيض (سنة 2000م) ودفع لهم تعويضات مالية . فإن "جوجو" يعلن أنه لن يدفع للملاك سنتاً واحداً كتعويض . بل وسيطردهم من البلاد بوصفهم أجانب.... ويستقبل الشباب الجنوب أفريقي الأسود في الأرياف خطبه النارية وعباراته ووعوده هذه بترحاب ، وهتاف وتصفيق حار وحماس منقطع النظير.
وفوق كل هذا وذاك .. وفي الوقت الذي يشارك فيه الرئيس الحالي "جاكوب زوما" الغناء بأغنية "الصراع" المشار إليها أعلاه . فإن "جوجو" يشارك بالغناء في أغنية شعبية جماعية أشد وقعـاً وأعنف بعنوان "أحضروا لي مدفعي الرشاش".
.............
وصل أوباما اليوم إلى جنوب أفريقيا في زيارة مفاجئة بزعم زيارة مانديلا ... فهل كان هذا هو غرض الزيارة فعلا ؟ أم أنه طالب الرئيس جاكوب زوما بتطمينات؟
واقع الحال أن هناك صراع عرقي وقلق وإحباط لدى المواطن الأسود في الأرياف كونه عاطل عن العمل ويعاني الفقر . في حين يمتلك الرجل الأبيض كل الأراضي الخصبة حوله ....
وربما يظل الحال أفضل وأقل تشاؤماً في المدن الكبرى مثل جوهانسبيرج والكيب تاون مقارنة بالحال في الأرياف.
وبعد كل هذا وذاك ؛ فهناك البعض الآخر المعتدل في حزب المؤتمر الأفريقي الحاكم والصحافة الجنوب أفريقية ؛ يهـوّنون من المسألة ويبدون أكثر تفاؤلاً . ويرون أن الأمر مجرد عدم ثقة متبادلة بين الطرفين الأبيض والأسود .. ويُذكّـر هؤلاء بأن البيض كانوا يرددون لحظة تولي مانديلا السلطة عام 1994م أنه سيذبحهم ... ولم يحدث شيء من ذلك .. ثم وحين تخلى مانديلا عن السلطة عام 1999م قالوا أنهم سيتعرضون للقتل في الشوارع ؛ وأيضاً لم يحدث شيء من ذلك .. واليوم يقولون نفس الشيء ضمن توقعاتهم لمرحلة مابعد رحيل مانديلا عن الدنيا.
التعليقات (0)