مواضيع اليوم

إرتقاء المنطق

رَوان إرشيد

2012-04-14 11:05:48

0



 

إرتقاء المنطق


لقد ساد المنطق الأرسطي العلوم و الفلسفات، بل و الفكر عموما منذ اكتشافه و حتى الآن، لكن مع القرن 16م ظهرت حركة وصفت بـ"الجدية"، قادها العديد من المفكرين و العلماء، من أجل اظهار مواطن ضعف هذا المنطق، و هذا طمعا في تطويره، و اعطائه قدرة على المنافسة، أو السيادة في مجالات البحث و اكتساب المعرفة. و من هنا و بناء على ما تقدم نجد الآتي: لماذا على المنطق الصوري أن يرتقي إلى منطق رياضي؟ و ما سبب الحاجة إلى هذا التحوّل؟
العلوم النظرية المتمثلة في المنطق و الرياضيات تلازما منذ بداياتهما، و خلال تطوّرهما، و ذلك لعلا قتهما الوطيدة ببعضعهما، و التي أفرزت نوعا من التأثير المتبادل.
و حين أريد للمنطق الصوري أن يصير منطقا رياضيا، كان له أوّلا أن يلبس ثوب النقص و القسور، و الذي لم يبدوا عليه إلاّ مع القرن 16م حيث وجد بعض المفكرين في أنّ المنطق الأرسطي يتخذ من القياس سبيلا وحيدا للوصول إلى المعارف.
و القياس بدوره يقوم على ما جاء به أرسطو من تبسيط للكليات ليصل إلى الجزئيات، و بالتالي فهي علاقة يتيمة، تقوم على مسار وحيد و هو: من العام إلى الخاص، في وقت كانت فيه الرياضيات تنظر في علاقات أخرى أوسع من حيث المسارات النسقية كـ"الاستنتاج". فكان لا بد للمنطق أن يتحوّل من الاستدلال المباشر (القياس) إلى الاستدلال الغير مباشر (الاستنتاج)، أي بمعنى التحوّل من الصوري إلى الرياضي للتوسع في فضاء المعرفة بشكل أشمل.
و ما يؤكد هذا الكلام هو أنّ الاستدلال في المنطق الأرسطي انحصر في نوع واحد ألا و هو "القياس"، و أساسه هو نتيجة تستقى من مقدمة واحدة، بينما وجدت الرياضيات نوافذ أخرى لكسب المعارف عبر استخلاص النتيجة من عدة مقدمات.
و هناك أيضا سجن المنطق الأرسطي الذي وضع نفسه فيه، و هو تلك العلاقة الواحدة التي تترجم في علاقة الصورة بالمادة، بينما بحثت الرياضيات في علاقات كثيرة أخرى.
بالاضافة إلى أهمّ اشكال وقع فيه المنطق الصوري، و هو اشكال "اللغة" التي كثيرا ما قادت نتائجه إلى أحكام كاذبة بينما كانت الرياضيات تعتمد لغة عالمية تنهل من الدقة مباشرة، و التي هي لغة الرموز و الأعداد.
و ما يؤخذ على هذا الطرح هو اقامة رموز للثوابت ليس بالأهمية بمكان، إن كان المتغيّر هو الذي وجب رصده بدقة، و ذلك بواسطة عامليّ التحوّل و الاطراد.
وهناك أيضا التضمّن كعلاقة كلية بين الصورة و المصوَّر، فإن ثبتت ماديتها فإنها ستثبت على هيئة صورة، و بطريقة آلية ستجد فاعليتها نحو غايتها حسب أرسطو.
بالاضافة إلى أننا لا نستطيع تجاهل فاعلية "القياس" في التعرف على الكليات عبر الجزئيات و التصنيفات، و هو من هذه النقطة مصدر رئيسي في هضم المفكَّر فيه، فكما روما لم تبنى في يوم واحد حسب شيشرون، فإنّ عقل البشر لم يتعرف على الكون دفعة واحدة، و من هنا تظهر أهمية القياس الذي يستعمل في تجزئة الكليات أو العموميات ليقدم للذهن جزئيات يسهل عليه فهمها و هضمها.
و من هذا كله نجد "...أنّ معرفة الشيء تحصل بتحليل تصوّره، و يؤول كلّ تقدم في هذه المعرفة إلى تعميق المعنى بتوغل الفكر في الماهية بمجرّد الاستنتاج.." (1)
يبدو أنّ المنطق الصوري لم يجد بدا، إلاّ الارتقاء إلى منطق رياضي. و ذلك تلبية لظروف جديدة لا فسادا في استخدامه، فيكفيه فخرا أنّه حرر الفكر البشريّ من وهم الأساطير.


السيّد: مــــزوار محمد سعيد

 

(1) جول تريكو J. Tricot ، المنطق الصوري، تر: محمود اليعقوبي، ديوان المطبوعات الجامعية، ص11.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات