إرتدادات الزلزال المصري على السودان
توجه حكومة الإنقاذ الذي جاء على لسان الرئيس البشير مؤخرا لأجل الإهتمام بتلبية مطالب الشباب . وخلق فرص عمل ووظائف منتجة لهم خارج نطاق الدولاب الوظيفي الحكومي ، لاشك أنها بادرة ستؤتي ثمارا إيجابية لو صدقت النوايا وتم تنفيذها بجدية ... وحبذا لو منح الشباب المستهدف أنفسهم دورا قياديا ورقابيا فاعلا للإطلاع بوضع هذا التوجه موضع التنفيذ . وحيث أثبتت حزمة الحراكات الإصلاحية التي حاولت القيادة العليا للدولة وضعها موضع التنفيذ أنها غالبا ما تصطدم بما يمكن تسميته بالفساد المالي والإداري المتفشي والمستشري بقوة في مرشحات ومصافي الطبقات القيادية الوسطى والسفلى التي تتطلع نحو الثراء والتكسب من المال العام . وهي عادة ما تتمثل في أشخاص صغار السن متسلقين متطلعين نحو حياة رغدة أفضل ، تم تصعيدهم على حين غرة وغفلة من جانب مراكز قوى في الحزب الحاكم ضمانا لولائهم الشخصي . وبعيدا عن أعين ورقابة وتدقيق القيادات العليا المنشغلة بقراءة العناوين دون أن يسمح لها ضيق الوقت بمراجعة ومتابعة التفاصيل.
وربما يظل نظام الإنقاذ في هذا الوقت بالذات بمأمن من ثورة شعبية جادة على غرار ما جرى في تونس ومصر . وذلك بسبب ظروف إستثنائية تمر بها البلاد ؛ وتتلخص في حاجة الشعب حاليا إلى وجود حكومة قوية مستقرة تستطيع مواجهة ما خفي من مؤامرات ودسائس تحيكها الحركة الشعبية في الجنوب للكيد والنيل من الشمال بعد تحقيقها للإنفصال وإعلان دولتها رسميا في يوليو القادم . لاسيما وأن ما رشح من أنباء تؤكد توجه الحركة الشعبية الحاكمة في دولة الجنوب لإطلاق إسم "السودان الجنوبي" على بلادها .... وهو ما يعني أن هؤلاء يعيشون حالة نفسية سلبية معقدة من التماهي تجاه شمال الزبير باشا . ولا يرغبون في إخراجه من عقولهم الباطنية ونسيانه أو فك الإرتباط النفسي به . وطالما كان هناك "سودان جنوبي" فهذا يعني بالضرورة أن هناك "سودان شمالي" مثلما كان عليه الحال في فيتنام واليمن أو ما هو عليه الحال في الكوريتين .... وهذا إحساس لا يبشر بخير أبداً في المستقبل ؛ لاسيما إذا نشبت حروب أهلية محدودة أو شاملة في هذه الدولة الجارة الجنوبية .... أو ضعف الوضع الأمني أو ساد التراخي العسكري في الشمال يوما ما عند أسوأ الأحوال . على الرغم مما يذهب إليه البعض من أن الجنوبي لا يجرؤ على التقدم شمالا والحرب خارج الغابة تحت شمس مشرقة وسهول أغلبها رملية وشعاب جبلية لا يجيد القتال فيها سوى فرسان الشمال أحفاد تيراب وعمارة دنقس وعبد الله جماع والمك نمر والزبير وعثمان دقنة.......ولكن الأمر لا يخلو من إحتمال تسلط مجنون أو مجانين في الجنوب يغامرون بدماء شعبهم لتصفية أحقاد وتنفيس عن عقد نفسية كامنة في نفس الجنوبي تجاه الشمالي . غير عابئين بحقيقة أن واقع صدام الجيوش يختلف عن حروب العصابات وأن الطبوغرافيا تلعب دورا حاسما في الحروب التقليدية التي تنشأ بين الدول المتخلفة .. ولعل في نتائج التجربة الأريترية الفاشلة المريرة التي تذوقتها بعد إعلانها الحرب على أثيوبيا ما يغني عن الشرح ومحاولة الإقناع بالتحليل.
إلى متى تستمر معاناة الجنوبي النفسية من "عقدة الزبير باشا" في علاقته بمواطن الشمال؟
الجدير بالذكر أن ما يسمى بقطاع الشمال في الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان لا نزال نسمع به حيا يرزق على صفحات الإنترنت الواهم وهو يتنادى من خلال بعض كوادره لإستنساخ الثورة التونسية والمصرية على الرغم من زوال الأسباب والمبررات القانونية والأخلاقية لوجود قطاع الشمال بعد إنفصال الجنوب وتكوينه لدولته الخاصة به .. وهو ما يجعل البعض يتساءل حول أسباب التراخي الأمني تجاه إجتثاث وتصفية وإزالة آثار هذه الفئة الخائنة المجنونة التي تحلم سفاهة ً بقلب موازين الكون وسنة الله في أرضه منذ بداية الخلق لتجعل الجنوبي العاري الجاهل المتخلف الجائع البائس فوق رقاب الشمالي المتطور المتحضر المتسلح بشهادة لا إله إلا الله محمدا رسول الله. .....
شعب دولة الجنوب
فهل ينتظر النظام حتى خراب البصرة كي يتحرك أم يسارع بطلب من الهيئة التشريعية إستصدار قانون يتعامل مع ظاهرة الطابور الخامس المسمى "قطاع الشمال" بكل حزم وحسم؟
............
يبقى التنويه في الختام إلى أن تنادي المعارضة (على طريقة حاكوا حاكوا) باللجوء إلى الفيس بوك وتويتر للدعوة إلى ثورة شبابية على غرار تلك التي نجحت في تونس ومصر وتتفاعل في ليبيا والجزائر ..... يبقى التنويه بأن معظم الكتلة الشبابية السودانية التي تستخدم الإنترنت بإنتظام حاليا توجد في بلاد الإغتراب البترولية العربية أو الهجرة بالولايات المتحدة . وهؤلاء من أبناء المغتربين لهم معاناتهم وقضاياهم التي تختلف عن تلك التي يعاني منها أو تشغل بال شباب الداخل . وأنهم حتى لو تم تحريضهم وإقناعهم جدلا بالثورة ؛ فإنهم يظلون قابعين على بعد آلاف الأميال. ولن يكونوا حاضرين فاعلين بأجسادهم يحملون أرواحهم فوق أكفهم على الأرض في شوارع وطرقات وميادين العاصمة المثلثة والمدن السودانية الأخرى.
وأما ما تبقى من كتلة شبابية تواظب على الدخول إلى الشبكة العنكبوتية في الداخل ، وتتحمل تكاليفها الباهظة قياسا لمستوى الدخل والمعيشة لعامة الشعب فمعظمها من أبناء أثرياء وكبار موظفي الدولة المطمئنين على رغيف خبزهم ومصاريف جيبهم ولا ناقة لهم ولا جمل في ما يساق من مطالب وإبداء لمعاناة على لسان الفقراء والعامة.
شباب الشمال
واقع الأمر بوجه عام أن المعارضة لا تقل جهلا عن السلطة في عدم قراءتها الصحيحة لواقع الشباب المعاش في الداخل .... ولعل أبلغ مثال على ذلك ظن المعارضة السياسية وبلهاء الوحدة من العجائز في الشمال أن إنفصال الجنوب سيكون كافيا ومحفزا كيميائيا تلقائيا لتحريض الشباب على الثورة في الخرطوم والمدن والقرى والبوادي والربوع ؛ دون أن يدركوا أن معطيات ومفاهيم طلاب الجامعات والشباب في 21 أكتوير 1964م تختلف إختلافا جذريا عن مفاهيم ومعطيات وظروف شباب يناير 2011م الذين يؤيدون فصل الجنوب عن الشمال بنسبة 100% بكل تأكيد.
(1) الزبير باشا : تاجر عبيد مشهور بسط سيطرته العسكرية والسياسية عام 1875 على أجزاء واسعة مما بات يعرف حاليا بأرض دولة جنوب السودان.
التعليقات (0)