مواضيع اليوم

إذا ما هي المحبة؟...المحبة "موافقة الحبيب في المشهد والمغيب"

بدر الشبيب

2009-08-02 09:57:31

0

بسم الله الرحمان الرحيم

 

إذا ما هي المحبة؟...المحبة "موافقة الحبيب في المشهد والمغيب"

..البوطي

قالوا: المحبة هي الميل الدائم بالقلب الهائم.

قلبك في له اتجاه.. قلبك في له طريق.... في له هدف إلى أين يسير.. قال: يسير باتجاه المحبوب سبحان الله! ومن ذاق طعم المحبة يجد بأن محبوبه لا يغيب عنه إن غاب عن طرفه لا يغيب عن خياله.. فهو معه في ليله، ونهاره.. فهو معه في كل أوقاته؛ لأنه غالب على أمره.

ومن هنا كانت المحبة إيثار المحبوب على جميع المصحوب الجسم مأذون له بأن يصحب من يشاء، وأن يجالس من يشاء في الوقت الذي يشاء، ولكن القلب لا يؤذن له إلا بمواصلة المحبوب.

ولذلك القرآن الكريم علمنا كيف نفرق بين لفظين، بين لفظ مع، ولفظ من.

فإبليس، وإن كان مع الملائكة، ولكنه لم يكن منهم، { كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} فاحذر أن تكون بجسدك مع الصالحين، وقلبك ليس منهم، وإذا امتحنت، وكنت بجسدك مع الفاسقين مع غير الصالحين لضرورة عمل.. لضرورة جوار فاحذر أن تكون منهم.

المعصية ما تجتمع مع المحبة، وإلا دلت على كذب هذه المحبة.

ولذلك نحن في كل يوم في امتحان حبنا لله -سبحانه وتعالى- في نظرة العين، وفي سمع الأذن، وفي كلمة اللسان، وفي تفكير العقل، وفي أهواء، ومشاعر هذا القلب.. هل تضع نعم الله عليك فيما يحب الله؟ أم أنك تسخرها في غير ما أراد الله؟

-سبحانه وتعالى- ولذلك كان تعريف المحبة "موافقة الحبيب في المشهد والمغيب"

أن توافقه فيما يريد منك.. إن شهدك أو غاب عنك طبعا هذا فيما بين الناس.. لكن مع الله -سبحانه وتعالى- الله لا يغيب.. الله عالم الغيب، والشهادة، ولكن هذا التعريف في المحبة بين الناس الذين يغيب بعضهم عن بعض، أو عندما تغيب قلبك عن الله.. الله لا يغيب عنك، ولكن أنت تغيب قلبك، وأنت تنسى نفسك { نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ}.. نسوا الله فأنساهم أنفسهم.. الله لا ينسى، ولكن عاملهم بما يعاملون به ربهم..

إذا أردت أن تعلم منزلتك عند الله فانظر إلى منزلة الله عندك.. يا ترى هل الله مقدم في حياتك؟ هل الله -سبحانه وتعالى- مفضل في أوامره، وفي اجتناب نواهيه، وفي حياتك، وسلوكك؟

هل إذا وقفت بين يديه تستشعر بعظمة من وقفت بين يديه؟

سيدنا عبد الله بن عمر كان إذا نودي للصلاة تغير لون وجهه.. فيسأل عن ذلك فيقول: (رضي الله عنه) أتدرون بين يدي من أقف؟ أنتم عارفين مع من واقف.. أنا واقف مع الله.. أنا أناجيه.

ولذلك دائما نحن أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- لدينا معاني واضحة في محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم

كثير من الناس يشكل عليه هذا الأمر، وخصوصا من غير المسلمين كيف تحبون نبيكم ولا تعبدونه؟ نجد لديكم حبا عجيبا.. تفضلونه على آبائكم.. تفضلون على أوقاتكم.. تبذلون من أجله أموالكم.. تسعون إلى اتباعه ورضاءه -صلى الله عليه وسلم-

والجواب: أنه علمنا كيف نميز بين محبة النعمة، وبين عبوديتنا للمنعم تبارك وتعالى .
إذا الحب هو موافقة الحبيب في المشهد والمغيب.

من المحب إذا؟

هو عبد ذاهب عن نفسه سبحان الله! المحب لا يكاد يشعر بنفسه.. قد يمكث أيام بلا طعام.. قد يمكث ليالي بلا نوم، نعم قد يمكث في خدمة محبوبه، وينسى نفسه، وهذا شيء طبيعي نجده بين الناس عبد ذاهب بعبادته متصل بذكر ربه دائما في تواصل.. طبعا هذا تعريف الصالحين، ولكن هو معنى نلمسه دائما بين الناس إذا إنسان اشترى سيارة جديدة، وأحبها تجده أينما جلس يتحدث عن سيارته.. يتحدث عن عمله الجديد.. يتحدث عن شهادته التي حصل عليها.. لكن حب الصالحين أن يكون هذا القلب متصلا دائما بذكر الله -عز وجل- قائم بأداء حقوق ربه عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه.. قائم بأداء حقوقه..

ما حق الله عليك؟

قال: أن تعرف الخلق بالله، وأن تحبب الخلق إلى الله.

ما حق الله عليك؟

أن تعبده فلا تكفره، وأن تذكره فلا تنساه, وأن تشكره، ولا تستعمل نعمه عليك في معصيته .

ما حق الله عليك؟

قال: أن تذكر الناس بوجود الله، وبفضل الله، وبضرورة الرجوع إلى الله تبارك وتعالى.. قائم بأداء حقوقه.. ناظر إليه بقلبه..

الله لا يرى بعيوننا في هذه الدنيا، وذلك لضعف العيون، ولكن هذا القلب سبحان الله! يشهد نعيم الله هذا القلب يستحضر عظمة الله.. فإذا أغمضت عينيك نظر قلبك إلى الله.. نظر إلى الله نعمه بأعطياته بكرمه.

فانظر إلى نفسك ثم انتقلي

للعالم العلو ثم السفلي

تجد به صنعا بديع الحكم

لكن به قام دليل العبد

سبحان الله! كلما نظرت فيما حولك وجدت دليل على وجود الله، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، إذا نظرت للعالم العلوي الأفلاك الكواكب السماوات المجرات ستجد آثار خلق الله تبارك وتعالى، وإذا نظرت إلى الأرض بمعادنها بمياهها بما أوجد الله فيها لوجدت آثار خلق الله تبارك وتعالى، ولو تحققت من نفسك { وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } لو تحققت من هذه النفس التي بين جنبيك لوجدت آثار فضل الله عليك، ولعلمت علم اليقين بأن الله تبارك وتعالى موجود نعجب إلى هؤلاء الذين ينكرون عقولهم فيلحدون بوجود الله.

مساكين نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهدي قلوبنا، وقلوبهم إلى الحق، لو أن أحد هؤلاء تبصر في حقيقة هذا الكون لا تستطيع أن تضع خاتما أو تضع قلما على منضدة ما لم تعلم بأن أحدا قد وقع هذا الشيء.. فكيف بكون متناسق متناغم.. كيف بإنسان اتصلت جوارحه.. مرتبة.. منظمة سبحان الله!

ولذلك على قدر علم المرء يعظم خوفه فما عالم إلا من الله خائف.


كلما ازداد محبة لله تبارك وتعالى.. الإنسان عندما يتعرف على نظام هذا الكون لابد له أن يعشق الموجد، وأن تواصل بقلبه، ومحبته مع الذي أوجد هذا الكون، والذي أرسل إليه هداية، وأرسل إليه نورا كتابا مبينا، ورسولا معلما.. فالمحب ذهب عن نفسه بمحبوبه.. اتصل بقلبه بذكر ربه.. قام بسلوكه بأداء حقوق خالقه، أحرقت قلبه أنوار هيبة الله سبحان الله! ما عاد يفكر في الوقت.

ولذلك يقولون: من علامة المحبة استهتارك بالوقت.. إذا أردت أن تعلم ما المحبوب لديك فانظر إلى الشيء الذي تقطع الوقت من أجله ياللي بيحب الرياضة سبحان الله! لا يشعر بالوقت، وهو يتابعها يا للي بيحب عمله لا يشعر بالوقت أثناء العمل، وهذه من المباحات، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبعدنا عن حب المحرمات.

كذلك عندما تحب الله تسهر بالوقت أي لا تكاد تشعر بالوقت فلا تمل، ولا تكل سبحان الله! النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما ترويه السيدة عائشة (رضي الله عنها) عندما رأته يقوم الليل حتى تورمت قدماه -صلى الله عليه وسلم- لو تورمت قدماه، وشعر بالتعب، وشعر بالمرض لجلس -صلى الله عليه وسلم- أو خفف من عبادته، ولكن محبته كانت غامرة، وغالبة -عليه الصلاة والسلام- فتقول له: يا رسول الله ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ يعني يمكن المبرر لكثرة العبادة عند كثير من الناس أنه يريد المراتب العليا.. يريد درجات القرب، ولكن أنت يا حبيب الله ممن غفر الله له كل ذنوبه ما تقدم وما تأخر .

شوفوا يا إخواننا الجواب العظيم..

الجواب الذي يعلمنا من خلاله -صلى الله عليه وسلم- حين يقول: "أفلا أكون عبدا شكورا" يعني إذا رب العالمين أكرمني بهذه الأعطية.. ألا ينبغي أن أشكره بأن أتقرب إليه أكثر؟

حقيقة هذه أعمال المحبين.. هذه أعمال من يريدون ازدياد المحبة، وللمعلومات المحبة متبادلة كلما أحببت كلما كسبت المحبة .

جاء رجل إلى سيدنا عليّ كرم الله وجهه، وقال له: إني أحبك.. فقال له: ما صدقت، قال: لم يا إمام؟ قال: لأني لا أحبك.. سبحان الله! لو كان الحب من الطرفين لظهرت هذه المحبة في آثارها.

فالمحب ذاهب عن نفسه.. متصل بذكر ربه.. أحرقت قلبه أنوار هيبة محبوبه، فإن تكلم فبالله.. سبحان الله! يتكلم بما يرضي الله.. يتكلم بما يزيده قربا إلى الله، وإن نطق فعن الله.. لا ينطق عن الهوى.. لا ينطق عن الدنيا، وإنما ينطق عن مرضات الله -سبحانه وتعالى- وإن تحرك فبأمر الله..

ما الذي يجعلك تتحرك؟

إنه القلب.. نعم هذا القلب برغباته.. بميوله.. يسخر الجوارح؛ لتسير كما يشاء، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكت فمع الله تبارك وتعالى.. قلبه لا يغفل عن الله، { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }.

ولذلك أنقل إليكم حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في صور محبة قد تغيب عن أذهان الناس في حديث رواه الإمام النسائي (رضي الله عنه) حين قال -عليه الصلاة والسلام- "ثلاثة يحبهم الله " ثلاث أصناف ثلاث صور الله -عز وجل- يحبهم هؤلاء ثلاثة يحبهم الله، "رجل أتى قوما فسألهم بالله" مجموعة من الناس جاءهم رجل فسألهم على أن يمنحوه مالا أو عطاء سألهم بالله.. أسالكم بالله الذي خلقكم أعطاكم لم يسألهم بقرابة بينه، وبينهم ما قال له: لأني قريبا لكم أو فلان أرسلني إليكم لا يوجد أي واسطة، وإنما جعل سبيله إليهم رضاء الله تبارك وتعالى فقط أذكركم بالله أعطوني .

"قال: فمنعوه ما أحد أعطاء إلا أن رجلا مما كان بينهم تخلف عن القوم فأعطاه ورجع إلى قومه لا يعلم أعطيته إلا الله والذي أعطاه" لو أراد شهرة.. لو أراد رياء.. لو أراد أن يذكر لأعطاه أمامهم، ولكنه تخلق من الناس، وأعطاه لا يعلم بأعطيته إلا الله.. فهذا النوع من الناس ممن يحبهم الله تبارك وتعالى .

وأما النوع الثاني: "وقوم ساروا ليليتهم" كانوا في سفر.. في تعب.. في جهد "حتى إذا كان النوم أحب إليهم" يعني وصلوا إلى حالة من الإعياء، والتعب "نزلوا إلى الأرض فوضعوا رؤوسهم فناموا" الحالة العامة أنهم جميعا ناموا، وهذا النوم مباح؛ لأنهم كانوا في سفر.. في تعب "فقام رجل منهم فقام رجل منهم يصلي" يتلوا آياتي، ويتملقني عم يتقرب إلى الله عم يراء رب العزة -سبحانه وتعالى- عم يقول له: يا رب إني أحبك سبحان الله! قانون المحبة لا يفقهه إلا من أحب. ولذلك إذا كان إنسان من خارج عالم المحبة.. يدهش لما يرى بين المحبين، والمتحابين من التواصل، والتآلف، ومن التعاون، ومن البذل.. سبحان الله! المحب لا يفكر في المقابل أصلا لا ينتظر مقابلا.. رب العالمين وصى الأولاد أن يحسنوا إلا آبائهم فقال: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} ولكن القرآن كله لا نجد فيه وصيه للوالدين أن يحسنوا إلى أولادهم بهذه الصورة.. قال: لأن الآباء مجبولين، ومفتورين على أن يحسنوا إلى أبنائهم.. هل تجد أبا أو أما.. هل تجد أحد الوالدين، ولا أنا أنفقت على ولدي كذا وكذا.. يحسب على والديه؟

سبحان الله! لا تكاد تجد.. بالعكس لعل كثيرا من الآباء من يمنع نفسه من شراب أو طعام، ويسر غاية السرور عندما يطعم ولده أو يسقيه أو يلبسه سبحان الله! فلذلك "قوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم من كل ما سواه نزلوا إلى الأرض فوضعوا رؤوسهم فقام هذا الرجل" إذا التفرد سبيل المحبة سبحان الله! التفرد في الوصال مع الله -سبحانه وتعالى- ما تقول: أنا يا أخي مع عموم الناس دعك من هذه العمومية، وتفرد وصالا.. فالوصال، والخلوة سبيل المحبة.

وأما الصنف الثالث فيقول -عليه الصلاة والسلام- "ورجل كان في سرية مع قوم كانوا في جهاد" كانوا في قتال سبحان الله! "فقاتلوا فغلبوا" قاتل هؤلاء سبحان الله! ما كتبت لهم النصرة "فغلبوا فرجعوا فقام رجل منهم" هذا الرجل "فأقبل بوجهه وصدره يقاتل أعداء الله".

إذا التفرد في الصورة الأولى الكل منعه العطاء، وهذا الرجل أعطاه، ولكن لله.

في الصورة الثانية: كلهم نزلوا فناموا إلا ذلك الرجل قام يصلي ويقرأ القرآن.

في الصورة الثالثة: كلهم انهزموا إلا ذلك الرجل أقبل بوجهه، وصدره يقاتل في سبيل الله تبارك وتعالى.

أيها الأحبة هذه هي المحبة الحقيقية.. أن تعلن ولاءك لله -سبحانه وتعالى- وأن تبذل ما تستطيع، وفوق ما تستطيع في حبك لله، وفي عطاءك لله.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !