مواضيع اليوم

إختلافات أصولية علمانية حول مساعدة هايتي

إختلافات أصولية وعلمانية حول مساعدة هايتي

 

الكاتدرائية الكاثوليكية في العاصمة بورت - أو - برنس بعد دمار المبنى وسقوط السقف

رشحت إلى السطح مؤخرا إشكالية فقهية تتعلق بسؤال يثار من جانب العديد من المسلمين حول ما إذا كان يجب على الأغنياء في العالم العربي والإسلامي النهوض للتبرع بالأموال وإستقطاع الزاد والدواء وإرسال الأطقم الطبية وفرق الإنقاذ وغير ذلك من مساعدات إلى منكوبي زلزال هايتي ..... بل وتساءل آخرون عما إذا كان يجوز الترحم على قتلى ذلك الزلزال أم لا؟
تاريخيا وبعد وصول كريستوفر كولمبوس إليها عام 1492م فإن هايتي كانت مستعمرة إسبانية ؛ حيث أباد الإسبان أهلها الأصليين وجاءوا بالأفارقة للعمل عبيدا في مزارعها .... ثم تنازلت عنها إسبانيا لفرنسا التي واصلت سياسة توطين العرق الأبيض وجلب السود من أفريقيا لأداء الأعمال الشاقة بتكلفة زهيدة ومستعبدين أذلاء .... وفي حين وصل عدد السود عام 1791م إلى مئات الآلاف كان عدد البيض لا يتجاوز 40,000 نسمة.
وبالتالي فإن سكان هايتي ظلوا منقسمين عرقيا إلى قسمين . وحالها كان شبيها بحال جنوب أفريقيا في مجال التفرقة العنصرية ؛ حيث هناك فئة بيضاء بويرية تسمى فئة النخبة تتكون من أوروبيين خليط جاء بهم الاحتلال الفرنسي لهايتي كجنود أو موظفي خدمة عامة للقيام بأعباء الإدارة التنفيذية الوسطى وتصريف العمل اليومي في الجزيرة تحت إشراف إدارات عليا وقيادات فرنسية ....

وأما الفئة الأخرى الأغلبية الساحقة فتتكون من الزنوج المستوطنين أيضا المجلوبين من مناطق أفريقية شتى بالإضافة إلى زنوج أمريكان هربوا من الولايات المتحدة على مراحل ، لاسيما خلال الحرب الأهلية والإبادات الجماعية التي تعرضوا لها في الجنوب على يد المنظمات العنصرية آنذاك بعد قرار تحرير العبيد الذي إتخذه الرئيس لينكولن عام 1862م .
وعقب ثورات متعددة قتل فيها أكثر من 100,000 من السود و 20,000 من البيض ؛ وتدخلات أجنبية من جانب فرنسا والولايات المتحدة وضغوط من الدول الأوروبية التي ينتمي لها فئة النخبة الهايتية وتحالفات داخلية تداول كل من البيض والسود الحكم والسيطرة على الجزيرة خلال الفترة ما بين عامي 1791م و 1957م حيث إستقر الحكم عام 1957م وما بعدها حتى تاريخه لفئة الأغلبية الأفريقية السوداء.
وفي الجانب العقائدي فإن هايتي بلد صاحب أغلبية مسيحية طاغية تدين بالمذهب الكاثوليكي الصرف (القائم على قناعات ابوبية لثالوث الأب والإبن والروح القدس) وفق ما كان عليه المحتل الإسباني ثم الفرنسي .... وتبلغ نسبة السكان الكاثوليك 80% من سكان هايتي في حين يعتنق 20% منهم تعاليم (الفودو) وهي ديانات أفريقية قديمة تؤمن بالشيطان (والعياذ بالله) والنار والأبقار والأرواح والشمس والقمر والنجوم وقوى الطبيعة .. إلخ ....وحيث يقتنعون بأن روح الشيطان تدخل في جسد واحد منهم يختاره عامة السحرة ليعبده كل أفراد القبيلة تقربا منهم للشيطان والعياذ بالله. أو بوصفه ساحر يتمتع بقدرات خارقة تجلب الخيروتحول دون الكوارث.
إذن ومن واقع المشار إليه أعلاه من حقائق فقد إنقسم العرب والمسلمون عادة هنا إزاء المشاركة في عمليات الإغاثة ومد يد العون والمساعدة الإنسانية لأهل هايتي ......

ترحّم المسلم وصلاته على غيره:

فقهيا فإن هذه المسألة محسومة ولا جدال عليها بين الأصولي والعلماني (العربي المسلم) على حد سواء وفقا لنصوص وآيات من القرآن الكريم بأنه لا يجوز الترحم أو الصلاة عليهم ..... وذلك من قوله عز وجل : (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) آية 113 التوبة ... والمشرك هو كل من جعل لله أندادا وآلهة آخرين على هيئة أصنام وأوثان أو غيرها بزعم أنها تقربهم لله زلفى ويستوي في ذلك من جعل الألوهية ثالوث (أب وإبن وروح قدس) و جعل لله زوجة كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
كذلك جاء في قوله تعالى: ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) الآية 84 سورة التوبة ............ وهذه الآية توضح بشكل قاطع أن كل من لم يؤمن برسالة سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لا تجوز الصلاة على جثته أو قبره ومن باب أولى لا يجوز الدعاء له لأن الصلاة هنا إنما هي دعاء للميت والنفس وعامة المسلمين بالرحمة والمغفرة.

من ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة .... طفل في عمر الورود يفقد بصره .... وحسبنا الله ونعم الوكيل ..... فمن أولى بالمساعدات والرعاية؟؟؟


أراء الجانب الأصولي :

في الجانب الأصولي فإن التوجهات يدعمها منطق عملي مستوحى من عموم القاعدة الإسلامية . وهو أنه لا إعتراض من حيث المبدأ أن يسهم المسلم في المساعدة على الخير والإصلاح ، ليس وسط بني البشر فحسب بل وتجاه البيئة والحيوان والنبات والجماد على حد سواء وكل مخلوقات الله في الكون جملة وتفصيلا من واقع أن الإنسان هو خليفة الله في أرضه ....... ولكن طالما كان هناك مسلمون في أجزاء واسعة من العالم الإسلامي مثل فلسطين ودارفور وأفغانستان والصومال وأرتريا ونيجيريا ودول أفريقية أخرى ؛ أو أقليات مسلمة خارج حدود العالم الإسلامي في الفلبين والشيشان وغرب أوروبا وغيرها في حاجة ماسة إلى التبرعات ومد يد المساعدة والعون لهم فإنهم هم الأولى شرعا ببذل هذه المعونات (إن وجدت) والمساعدات (إن توفرت) لدى غيرهم من المسلمين...

ومن ثم فلا يعقل أن نتجاوز الفرض إلى النوافل .... كما أن الأغنياء مساءلون يوم الحساب عن حال فقراء المسلمين لا ريب . في حين أنهم غير مساءلين عن حال غير المسلمين خارج نطاق وحكم وحدود الدولة الإسلامية.

 

الأمم المتحدة توزع بسكويت رقيق جاف (crackers) على هايتيين .... يبدو أن ماري أنطوانيت زوجة الملك الفرنسي لويس السادس عشر كانت محقة حين قالت : (إذا لم يكن هناك خبزا للفقراء ... دعهم يأكلون البسكويت)

آراء الجانب العلماني:

العلمانيون من جهة يرون جوانب وأبعادا سياسية أخرى في الأمر تستوجب مد يد العون والمساعدة لغير المسلمين بغض النظر عما إذا كان هناك عربا أو مسلمين في حاجة ماسة إلى هذا العون والمساعدة من عدمه. ويرتكزون في ذلك إلى قناعات دنيوية يعتقدون أنها (واقعية) وتخدم القضية العربية عموما ..... أو بما يمكن إجماله في نقطتين أساسيتين هما:

1) ظهور العرب والمسلمين بمظهر (إنساني) وسط العالم وبما يخدم قضاياهم السياسية والمصيرية في الداخل وتحسين سمعة وبالتالي أوضاع مغتربيهم والمهاجرين منهم في الخارج.

2) يذهب البراجماتيون منهم إلى أن مشاركة العرب والمسلمين في عمليات الإنقاذ والعون تساعد في حصول هؤلاء على خبرات عملية على المدى الطويل تساهم في توطين القدرات لاحقا لمواجهة أحداث وكوارث مماثلة قد تتعرض لها مناطق في العالمين العربي والإسلامي على حد سواء .

3) لا يخفى واقع الضغوط السياسية الدولية التي تمارسها الدول الكبرى تجاه حكومات العالم الثالث الغنية للإستجابة ببذل المعونات والمشاركة في النفقات . وهو ما يندرج تحت بند (مجبور أخاك لا بطل).

المحصلة النهائية للكاتب:

........ وإلى هذا الحد أكتفي بسرد قناعات وحجج كل فئة تاركا قرار التعامل السلبي أو الإيجابي مع حالة هايتي لكل قاريء على حدة.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات